اعترافات ثقيلة الظل م6
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
أستاذتي الغالية أميرة بدران؛ دارت بي الدنيا مدة طويلة، لكن أخيراً أعود إليك لأستشيرك وأسألك، فمن سيفهمني مثل حضرتك؟ ومن يعرف القصة كاملة غير حضرتك؟ فأستحميك عذراً أن أستكمل فصول فترة من حياتي لا أعرف إن كانت الأصعب أم لا، لأنني لا أعلم في الغيب البعيد هل ينتظرني أصعب من ذلك أم لا!.
هل أحكي من آخر مشهد رسمته لك في الفيلم الذي أعيشه! كان هذا قبل شهور طويلة أعتقد. مرت الأيام وبدأت حياتي تعود نسبياً لطبيعتها وبت لا أذكر ذلك الشاب كثيراً إلا في لحظات الضعف المزعجة التي يحتاج فيها الشخص أن يشكو لأحد ما، ولكنها مرت والحمد لله.. توصلت أنني كنت عندما لا أجد ما أشغل نفسي بها أتسلى بالبكاء على أطلال قصة حبي مع ذلك الشاب! المهم أن لدي جديد؛ بدأ العرسان بالتقدم، وقبلت بأحدهم! أجل هذه أخباري الجديدة، لقد تمت خطبتي -بحمد من الله ومنة- من شاب أحسب أنه رائع! لكن، وما أدراك ما "لكن"! "الحلو ما يكملش" سمعت هذا المثل المصري كثيراً لكنني لم أتوقع أن يمس حياتي لهذه الدرجة، سأروي القصة.
تقدم لي من خلال رجل يعرفه كلا الأسرتين، فارق العمر 11 سنة، مهندس ومحترم ومتفهم جداً فكل شيء عنده يمكن الحوار فيه والمناقشة، ومرونته في الحياة عالية فلم يطالبني بقائمة من المتطلبات الزوجية التي ينبغي أن أوفرها له حتى "يرضى ويسعد"، بل على العكس كل أمنيته في الحياة أن أكون بجواره زوجة وحبيبة وأشاركه كل تفاصيل هذه الحياة. كان في بلد إقامتي وولد فيها وتربى حتى هاجر مع أهله إلى بلد غربي ليعيش ما يقارب 10 سنوات هناك، فدرس الجامعة وعمل بشكل متقطع ثم سنحت له فرصة عمل هنا فجاء طلباً للرزق. حينما قابلته أول مرة كانت زيارة عائلية لهم، فصدمت لأنني تخيلت أن شكله مختلف فلم أحب شكله في البداية، كانت جلسة عائلية بين عائلتين تتعارفان لكن الصمت المطبق من طرفه بقي حتى انتهت الجلسة! كنت مستاءة جداً فكيف لم ينبس ببنت شفة، كلا فالحق يقال لقد تكلم بضع كلمات لكنه لم يوجه لي أي سؤال للتعارف! كلانا طالب بجلسة أخرى فكانت أن جلسناها بحرية أكبر في محيط الأسرة حيث جلسوا هم بالغرفة المجاورة، تحدثنا كثيراً وبدأت أنوار الارتياح والقبول تشع من كلا وجهينا فقد كان كلانا مستمتعاً بهذا اللقاء الشيق والحوار الجميل... جلسنا جلسة ثالثة شبيهة بالثانية لنستكمل الحوار، وكان بعدها أن طلبني ووافقت! فكانت الخطبة لمدة شهرين –وأعلم أنك ستقولين لي أنها مدة قصيرة جداً لكن الوضع لدينا لا يسمح بإطالة الخطبة أكثر من ذلك– ثم تمّ إبرام العقد!.
كانت تلك خلاصة ما حدث، وإلى حضرتك ما أحس به الآن وما لدي من أمور لأستشير حضرتك بها:
- النقطة الأولى؛ الفرق في الجانب الاجتماعي برغم الفارق في العمر لكنني لم أشعر بأي فرق "في صالحه" -بمعنى أنني لم أشعر أنني سأحاول أن أعلي من نفسي في أمور كثيرة لأتقارب معه- بل أحياناً أشعر أنني أتفوق عليه في أمور عدة، منها الناحية الاجتماعية فهي هو غير اجتماعي كثيراً وأصدقاؤه قليلون وخبراته في الحياة في هذه الناحية (أي مع الناس) قليلة. تجاوزت عن هذه النقطة لأنه ليس انطوائياً وقلت ليست بالمشكلة الكبيرة فيمكننا أن نوازن بين كثرة علاقاتي الاجتماعية وقلتها لديه. كذلك هو ليس من النوع "الديناميكي"، فكثير من الأمور لا يعرف كيف يمكن الحصول عليها أو لا يستطيع تدبرها.. لذلك ما يضايقني أنه في كثير من الأحيان تفرق هذه النقطة حينما نحتاج مساعدة ما بخصوص حياتنا فأضطر أنا للبحث من خلال معارفي، عندها أحس بالضيق حيث من المفترض أن يكون زوجي قادراً على تدبر أمورنا وأن أستطيع أن أعتمد عليه، لذلك أقلق في بعض الأحيان من هذه الناحية.
هو ليس ضعيف الشخصية، بل على العكس لو كان له رأي مخالف لي يقوله دون تحرج. لقد كنت أحلم أن أتزوج من يفوقني ثقافة وذكاء وعلماً، فأظل أتطلع ليعلمني وأستزيد مما لديه. بصراحة لقد استغربت تفوقي عليه في هذه الناحية برغم عمره الكبير نسبياً! هو ليس أقل مني، لكن يمكنني القول أننا تقريباً متساويان، سواء في الشهادة أو مستوى التفكير وتحليل الأمور وحتى مستوى الأسرتين الاجتماعي متشابه جداً، وكلانا لا يجد أي صعوبة أو تحرج في التفاهم مع الآخر. لقد تغاضيت عن هذه النقطة في مقابل أن نحيا المشاركة ونطور أنفسنا سويّاً، فهل شعوري طبيعي؟ وكيف يمكن أن أتجاوزه وأقبل به؟ أو أن أشجعه على تطوير هذه القدرات دون أن أشعره أنني أريد تغييره أو أوصل له أنني أفضل منه؟ هناك نواحٍ يتفوق فيها لكنها لا تدخل إلا في باب المجالات الفكرية وليست في صميم حياتنا اليومية، أو بمعنى آخر لا أجدها بالأهمية –من وجهة نظري- كما أهتم بنواحٍ أخرى.
- النقطة الثانية؛ التزامه الديني، هو بحمد الله يؤدي فرائض الله تعالى ويحرص عليها، لكنني كنت أتطلع لمن هو أعلى مني تديناً، خاصة في مجال الورع والتقوى والإخلاص ومثل هذه الأمور القلبية الهامة حتى يشدني، لأني أشعر أنني أحتاج مساعدة، لكن مرونته الرائعة واستعداده ليكون أفضل وأن نرتقي سويّاً جعلتني أوافق على هذا الوضع من منطلق المشاركة أيضاً! لا أعرف هل أنا مخطئة أن قبلت؟ المشكلة أنني لا أستطيع أن أرفضه لأنه فعلاً على خلق وملتزم بكثير من الأمور لكن... لا أعرف!.
- النقطة الثالثة؛ اختلافنا الفكري في بعض الأمور. هو يميل إلى إحدى الفرق الإسلامية –وللأسف ما أكثر فرق المسلمين اليوم– ويرفض الفرق الأخرى (خاصة إحدى الفرق المنتشرة هنا بالخليج)، على مبدأ أنهم "فاهمين الدين خطأ" ويرفض علماءهم وكل كتبهم ولا يقبل مني أي شيء من طرفهم. بالنسبة لي أنا مسلمة عادية وآخد من الجميع ما يناسبني ويزيد إيماني وما أعتقد –عقلياً ومنطقياً– أنه صواب ومن أي طرف كان، لذلك أنا أقرأ للجميع وأسمع لأغلب القنوات الإسلامية ولا أنتقي إلا من أرى كلامه عن علم وفهم وأسمع عنه كل خير من عامة الناس وعلمائهم. وهذه النقطة بصراحة ربما هي أكثر ما يقلقني، كلما ناقشته بأمر أجده يريد الرجوع لعلماء معينين وأن يقرأ كتباً معينة ممن يتبعون تلك الفرقة التي يراها على صواب! فقد رفض أن يقرأ الكتب التي أحضرها له بمجرد أن يقرأ اسم المؤلف! فحتى أقول له شيء يجب أن أحفظه أنا وأقوله من عندي حتى لا يرفضه لأنه من "فلان"! وهذه نقطة احترت أيّما حيرة في فترة الخطبة هل أتم الأمر أم أفسخ لأنني أجد أنها تعتمد عليها حياتنا... إذ أن مصادرنا مختلفة، فعلى أي الأساسين سنربي أولادنا؟ وكيف يمكن أن نتعايش مع هذا الاختلاف؟ هل تراه جذري أم أنه يمكن التكيّف معه؟ وتندرج تحت هذه النقطة عقدة "الكراهية" لأي شيء اسمه "خليجي"! يكره حتى ملابسهم، عطورهم، أناشيدهم، كل مؤسساتهم، طريقة حياتهم... حتى كلماتهم وأكلهم! لا يحب أي شيء منهم؛
أقول له: "نحن نعيش في الخليج ولا بد أن نتأثر بهم"، يرد علي: "ألم تجدي من كل بلاد المسلمين الكثيرة جداً من هم أفضل من هؤلاء لتأخذي منهم ثقافتهم وتراثهم!" أقول: "له ما بهم؟ هم مسلمون مثل كل المسلمين ونحن نعيش بينهم؟" يقول لي: "مستواهم متدنٍ، وحياتهم بدوية وليست راقية، بالإضافة أن أغلبهم يفهمون الدين خطأ!" كنت في فترة الخطبة أظن أن هذا أمر عادي خصوصاً أنه لم يكن ظاهراً كثيراً وظننت أن ذلك بسبب تعاملهم السيئ معه في العمل وظروف خروجهم واضطرارهم للهجرة للغرب، لكن الموضوع بدا لي أنه أكبر من أن أتجاوزه، إن لبست شيئاً أو فعلت أي شيء يشبههم أو من طباعهم وما يخصهم أجده يتضايق! صدمت بصراحة من هذه النظرة العنيفة تجاههم، أنا نظرتي للناس المحبة مهما كانت جنسيتهم، طالما كانوا مسلمين فهم جميعاً إخواني ولا أعمم حتى لو كانت الغالبية العظمى في هذا البلد أو ذاك سيئة..
وعلى فرض ذلك فنظرتي أن كل بلد مسلم فيه قصور وأخطاء وواجبنا أن نصلح حولنا ونوعّي الناس بقلب محب وليس بنظرة دونية لهم، لأن دعوتنا بهذه الطريقة لا تصل لهم، فالناس لا تتقبل ممن يتكبر عليهم أو يحتقرهم بل يتقبلون ممن يحبهم ويخاف عليهم ويرحمهم. حاولت أن أتناقش معه كثيراً وأنه لا يجوز أن نكره إخواننا وهم كذلك طالما أنهم مسلمون وأن حياتهم البدوية لا تعني أنهم مستواهم متدنٍ، بل هي ثقافة مثل كل الشعوب لها ثقافات، فها هم الصينيون واليابانيون ما زالوا يأكلون بالعيدان الخشبية ولم يمسكوا الشوكة والسكين فهل هذا دليل تدنٍ في المستوى أو تخلف؟ بل هي هوية وثقافة، وظللت أحاوره لكن لم أجد مدخلاً، هل تسرعت بإتمام العقد؟ أم أنه أمر بسيط وأنا أضخمه؟ وهل لدى حضرتك اقتراحات كي أتفاهم معه في هذا الأمر؟.
- النقطة الرابعة؛ طموحه، أنا طموحة جداً وأفكر على مدى بعيد وهو يفكر بيومه ويعيشه، كيف أساعده ليفكر مثلي؟ مرات أتضايق من ذلك لأنه لا يجاريني فأحس أنني أريد السعي والجري لتحقيق أحلامي، وهو يمشي ببطء وليس لديه همة! أنا أريد أن أعمل في المجتمع وأصلح فيمن حولي، وأشتغل... لكن هو إنسان عادي يعيش بهدوء ويغلق بابه عليه ولا يفكر بالآخرين... إلا محيطه البسيط من أهله وأصدقائه هو لم يمانع أن يكون لي أدوار في الحياة، بل على العكس يشجعني باستمرار ويفخر بي، وأحياناً يتمنى أن يساعدني ويشاركني، لكنه من ناحيته هو لم يدخل في هذا المجال وهذا يزعجني. كيف يمكن أن أحفزه ليصبح فاعلاً في مجتمعه؟ ويكون له أدوار أخرى غير العمل والعودة إلى المنزل!.
- النقطة الخامسة؛ قوة الشخصية وروح المبادرة. شخصيته ليست مهزوزة أو مترددة، بل أجده متوسطاً، يعني شخصيته ليست ضعيفة ولكنها أيضاً ليست قوية تجذبني. أفكر كثيراً من القائد في سفينة حياتنا فلا أستطيع أن أقول أنه هو! من سيدير الدفة؟ أجدني دائماً أحمل الهم أنني يجب أن أذكره وأساعده وأمده دوماً بالاقتراحات والتحسينات ومن ثم هو يعطي رأيه. لكن روح المبادرة مثلاً بأشياء جديدة، تشعرني أن هذا الشخص لديه تميز في أمور في الحياة، يضيف لي شيئاً.. كل ذلك لا أجده فيه، يمكنني القول باختصار أنه شخص عادي، مثل كل الناس! لن أقول أنني لست عادية، لكن على الأقل أفكر وأحاول تطوير نفسي، أتعلم أشياء جديدة، أحاول التغيير، أبحث عن حلول وهكذا... لكن بالنسبة له أحسه يقف مكانه فيشعرني أنه يحتاج مني دوماً أن أدفعه! بدل أن يحصل العكس كما كنت أتمنى!.
- النقطة السادسة؛ الأبناء، هو لا يحب الأولاد كثيراً، وأنا أحس أن الأمومة والأبوة من نعم الله علينا، أحسه لا يشتاق أن يكون له أولاد، بل في بعض الأحيان يشعرني أن الأولاد شيء لا بد منه وفقط! يخيفني حين أجد نظرته أن يعتمد الأولاد على أنفسهم –وهذا أنا متفقة معه فيه– ومن ثم عند سن 18 سنة نتركهم يستقلون تماماً! بلا شك قد تأثر بنظرة الغرب –الفردية– وأنا دوماً مع الحياة على الطريقة الجماعية وتوطيد أواصر الأسرة ومن ثم الأخوة في الله، ومثل هذه الحلقات التي تتسع لتشمل المجتمع بأسره! حاولت إقناعه، هو من وجهة نظره أن الأولاد إذا بقوا في بيت أبويهم بعد ذلك السن لن يستقلوا أبداً! لأن الأبوين سيظلان هما القائدان في البيت وتظل أراء الأبناء وقراراتهم محل قبول أو رفض ولن يعتمدوا على أنفسهم مادياً! ما رأي حضرتك أستاذة أميرة؟ كذلك حين أتحدث معه في شوق عن أبنائنا وكيف سنربيهم أجده لا يتفاعل معي، بل ويتساءل كيف أشعر بهذه المشاعر والأولاد هم مسؤولية ستأخذ من حياتنا الجميلة الكثير! أخاف منه حين يقول ذلك، بل حتى أنه قال أنه يرفض أن يضحي بحياته من أجل أبنائه! كيف ذلك لا أعرف؟ أليسوا فلذات أكبادنا، كيف يقول ذلك؟ وهم جزء منا؟ هل هو على صواب أم أنا؟.
- النقطة السابعة والأخيرة (سامحيني أطلت جداً)؛ شعوري نحوه ليس مثل ما كان حبيبي السابق، هو يحبني جداً ومستعد أن يكون مرناً معي حتى في الأمور السابقة (نقطة 3)، وقالها لي صراحة أنه لن يجبرني على شيء وأن لي حريتي، ولكنه من حقه أن يتضايق أو يعترض، لكني أريد إسعاده ولا أريد فعل شيء لا يرضاه وبنفس الوقت لا أجد مبرراً لتشدده في هذا الأمر. هو يحبني لدرجة تجعله مستعد ليكون مرنأً لأقصى درجة فقط من أجل أن أكون سعيدة وأن يتنازل عن أشياء كثيرة –قدر استطاعته-، كريم ويسعدني بهداياه حينما يجلب لي شيء يعلم أني أحتاجه فيشتريه لي، مخلص، حنون، تعامله جميل معي ويكرمني ويحترم رأيي ويسمعني في أي وقت، ولي الأولوية في حياته قبل أي شيء –حسب قوله– مشكلتي أنني سعيدة بوجوده!
سعيدة بكلمات الغزل التي أسمعها منه، سعيدة بلمسته وقبلته ويحبه وكل شيء لكن لا أشعر بتلك اللهفة، بتلك المشاعر الرهيبة القوية المندفعة التي كان قلبي يخفق حينما كنت أعرف بوجود رسالة منه، ليست نفسها. استغربت من نفسي أنني لم أقارنهما إلا في أشياء قليلة جداً، وأنني تقريباً نسيت الأول تماماً لأن خطيبي فعلاً لا يقارن بذاك! لكن مشاعري كم أتمنى أن تكون بتلك القوة السابقة وذلك العنفوان، لأنه حقاً يستحق ويستحق ويستحق، لكني لا أستطيع أقول له أحبك، وأريدها أن تخرج من صميم قلبي لكنني لا أشعر به يهتز كما كان من قبل، أخاف أن أكون أخدعه أو أحب حبه لي.
إنه يراني ملاكه الرائع ويحب كل شيء من طرفي حتى لو كنت أراه أنا نفسي عادياً.. بل غبياً! لا أعرف كيف أتأكد من مشاعري تجاهه، أنا لا أنفر منه بل أحب وجوده وأسعد برؤيته، لكنها كلها مشاعر توحي لي بالعشرة الطيبة أو ربما الاعتياد وليس الحب، أريد أن أعشقه كما يعشقني، أتلهف للقياه، أتغزل به بقلبي– لا بلساني، كما يفعل هو معي وأحس بأنفاسه تخرج زفرات شوقاً إليّ لكن لا أعرف.. أحس مرات أنني سعيدة، لكن ليس بذلك الشعور الأول، ومرات أخرى أحس أنني أمثل وأنني تحت ضغط، أحس أنني أضغط على قلبي وأنا أسأله كل حين هل تحبينه؟ فأحس أن لا جواب شافٍ ومحدد منه! هل لأن شكله مقبول لدي وليس ما كنت أتخيله مثلاً؟ هل لأن بعض الصفات غير موجودة به كنت أتمناها؟
دليني يا أستاذة أميرة... أنا لا أنفر منه بل وتأتيني لحظات أحس أنني أحبه لكن مثلاً هو يفكر بي طوال الوقت ويسرح وووو... لكن أنا أتذكره ولا أفكر فيه، وأحس أنه جزء من حياتي ويشغل اهتمامي لكن ليس كمثل ما شعرته من قبل إذ كان يسيطر على تفكيري حتى وأنا في المحاضرة! لماذا هذا الفرق؟ أأعطي من لا يستحق وحين يأتي من يستحق أجد قلبي لا يتحرك؟! تعبت من التفكير وأكل عقلي الهم هل أنا ظلمته وظلمت نفسي بهذا الاختيار؟ أم أن كل هذه الأمور طبيعية ولأنه كان الحب الأول؟ للعلم أنا حبه الأول، فرغم كل هذه السنين التي مرّت بحياته إلا أنني حسب قوله "ركبت على قلبه"، فملأته كله ولا يوجد متسع لأيٍّ كان! تخيلت أن أفسخ العقد، وقلت لأرى ماذا أحس؟ بصراحة أحسست أنني في كارثة! فزعت.. وقلت: مستحيل أن أفسخ! هل أحطم قلبه هكذا، هل كل ما فعله ويفعله من أجلي أرده له بهذه القسوة والسبب أنك لم تعجبني تماماً؟! لقد ذقت الأمرين من العذاب، فهل هذا ما تعلمته؟ أن أذيق غيري هذا العذاب وهو لم يذنب غير أنه أحبني وأعطاني من دفء قلبه وحنانه ورفقه معي؛
أنا لم أتخيل أن يعاملني أحد بمثل هذه المعاملة الطيبة كما هو يعاملني.. بكل هذا اللين والحب، بكل هذه المشاعر الفياضة الرقيقة، بكل الاستعداد لأن يتنازل ويضحي كي أكون سعيدة ويرى ابتسامتي على وجهي، هل أدمر كل هذه الفرحة لكل من حولي لمجرد أني لا أحس بمشاعر قوية وملهبة من الحب! أنا سألت لأنني لست خائفة أن تبقى مشاعري هكذا حالياً، فأنا أراها يمكن التعايش معها لكنني أفكر على المستوى البعيد، هل ستظل هكذا؟ أم ستقل؟ هل لو حصلت مشكلة بيننا ستختفي هذه المشاعر؟ هل قوتها كفيلة أن تجعل حياتنا مستمرة بهدوء وسعادة 20 و30 سنة كما يقدر الله لنا أن نعيش بزواجنا؟ هذا ما يؤرقني.. إنها حياة مستمرة حتى الممات، لا يمكن أن تبنى على جملة "مشي حالك"! بصراحة حالياً بدأت تأتي أطياف من ذكرياتي من حبي القديم، وأنا بدات أخاف جداً، أحس بالخيانة حينما أفكر هكذا، صحيح أنها قليلة وأنني أمنعها حين تأتي، لكن لماذا تأتي؟ وهل هذا طبيعي؟ أنا استخرت كثيراً جداً وكل الأمور مرّت بسهولة ودون مشاكل، أهله ودودون جداً وطيبون وأحبهم جميعاً، ولا مشكلة من هذه الناحية مطلقاً.
اعذريني على هذه الرسالة الطويلة، وعذراً لو كان فيها أخطاء لغوية إذ أنني لم أجد الوقت لأراجعها، وأعلم أنك قد تقولين لماذا لم أذكر كثيراً من مزاياه، في الحقيقة لقد رأيت أن أخبرك بما يضايقني كي أعرف هل هي أمور عادية أو بسيطة وأنا من أضخمها أم هي كبيرة فعلاً وتحتاج مني أن أفعل شيئاً حيالها.
بارك الله فيك أستاذتي الحبيبة، وآجرك على سعة صدرك لهذه الرسالة. أنتظر ردك بسرعة، لكن لن أضغط عليك بها لعلمي بانشغالك لكن أتمنى أن أراها قبل زواجي فيفوت الأوان– لا قدر الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
08/10/2009
رد المستشار
ها أنت تعودين! لقد افتقدتك كثيراً يا فتاتي العزيزة.
أبدأ بألف مبروك على تجاوزك لحاجز وعقدة الحب الأول الذي كاد يخنقك ويذهب بطاقتك الذهنية والنفسية والاجتماعية أدراج الرياح لولا لطف الله سبحانه بك، وكذلك ألف مبروك على ارتباطك الجديد.
وما ذكرته عن مخاوفك تجاه زوجك ستكون بسيطة جداً ولا تستحق كل هذا الانزعاج، أو كارثة قد حلّت عليك! والذي سيحسم هذا الأمر هو مدى "استعدادك" للتغيير و"فهمك" لحقيقة الحب وحقيقة الزواج فتقرري كيف ستفكرين وكيف ستتعايشين؛ فهناك فرق كبير بين أن تحبي شخصاً كما هو بمميزاته وعيوبه وتتقبلين عيوبه -ولن أكون مبالغة إن قلت وتحبين عيوبه-، وبين أن تحبي أشياء جميلة وصفات حلوة في شخص ما، فحبنا للشخص نفسه سيجعلنا نتعايش معه رغم اختلافه عنا ورغم قصوره في بعض الأمور تجاهنا. أما حبنا لحلو الخصال في شخص سيكون دوماً نقطة الارتباط به هي "بقاء" تلك الخصال قوية فيه فلا تخفت ولا تختفي وإلا لن يكون له ثقل بداخلنا ويفقد بريقه.
أما الزواج فهو "شراكة" من طرفين لن يكونا -بداهةً- نسخاً كربونية من بعضهما بعضاً، لكن وجود هذه الاختلافات بينهما تجعل للحياة معنى، وتجعل للمواقف أكثر من طريقة للحل، وتجعل للقرارات مذاقاً متنوعاً حتى في تربية الأبناء، فيجدان قمة الرحمة والحب والحنان ويتعلمان في نفس الوقت أن يكونا معتمدين على نفسهما، فتكون الفكرة في خلق التوازن لا أكثر. وينجح هذان الطرفان على اختلافهما في الزواج وتحمل مسؤولياته كلما كان "الطرفان" -وليس أحدهما- يتقبل الآخر ولا يُصرّ على أن يكون الطرف الثاني كما يرسمه في رأسه أو شبيهاً له أو شبيهاً لغيره، وهذا ما تقعين فيه الآن يا صغيرتي.
أنت تحملين حلماً مثالياً لمن ستتزوجينه وكذلك صورة لحبيب سابق كنت تتمنينه وهذان الأمران يجعلان زوجك مظلوماً بينهما، فلا يجوز وضعه في هذه الخانة ولا تلك؛ لترينه هو وتحبينه هو وتتقبلينه هو، والحمد لله فكعادتك أنت تُعملين العقل وتفكرين وتحللين، وقد استطعت رغم تصورك أنك لم تعطه حقه في المدح والحديث عن حلو خصاله إلا أنك قد فعلت؛ فأنت تدافعين عنه وعن خصاله وتقدرين عطائه وحبه بقوة، بقي أن أقول لك كعادتنا معاً نقاط للتركيز:
* الحب الأول حب يُجمع له كل "الطاقة"، فهو الاستخدام الأول للمشاعر والذي تأثر بكل المخزون السابق لدى الإنسان -من خيال، وطموح، وخصوصية، وإعلام.. إلخ- قبل أن يمارسه؛ فمن الطبيعي جداً أن يكون ملتهباً قوياً له بصمته وجاذبيته رغم أنه قد لا يكون حقيقياً أو مناسباً أو ناضجاً! لكن بعد التجربة الأولى يتعلم الإنسان أن يكون أكثر نضوجاً وهدوءاً وعقلانية؛ فنجده يحب مرة أخرى لكن حبّاً مرتبطاً هذه المرة بمعانٍ مهمة في حياته وليست لمجرد الحب والعشق، فقد صارت مشاعره "مسؤولة" فيرتبط بطرف آخر بالعقل أو للاحتياجات أو لأهداف كل حسب شخصه وتفكيره فيكون حباً، ولكنه حباً قد خضع لصوت العقل والنضوج وفهم النفس والحياة، فهل بعد ذلك يجوز المقارنة بين الشعورين؟ ونتحسر على هذا الفارق الهائل؟ سيكون أمراً غير منطقيٍّ على الإطلاق.
* انتبهي أنك تقارنين بينه وبين تجربتك السابقة وأنت تضعين أمرين غير متعادلين في المقارنة؛ فأنت تضعين زوجك الذي ترينه بحقيقته وتفاصيله بواقعية مع خيالك الذي يحمل صورة الحبيب السابق التي لم يكن فيها مثل تلك التفاصيل والتي أظن إن رأيتها عن قرب ستغيرين صورته حتماً! فهكذا يكون الحبيب الذي لم نطله؛ كالقمر بعيداً عالياً مختلفاً، ليس له مثيل ما دمنا لم نحظ به رغم أن من أخذه وعاش معه قد رأى منه ما لن ترينه أنت أبداً، لذا فهو لن يراه هذا القمر البعيد الذي ليس له مثيل ولو بعد حين.
* زوجات كثيرات لا يتمنين في حياتهن الزوجية ليسعدن غير أن يكون أزواجهن مرِنين، حنونين، يرغبون في إسعادهن، فلا تستهيني بتلك الكنوز في زوجك، ولا تنسي أنك تعشقين الحرية ولن يعطيك حرية التصرف والتفكير والطموح والعلاقات الاجتماعية إلا من تمتع بتقديره للمرأة وفهم جيداًَ أنه رغم اختلافه عنها إلا أنه لا يطالبها أن تكون مثله.
* أتصور أنك تمارسين ما كنت تفعلينه دوماً مع نفسك أثناء محنتك مع التجربة السابقة فاحذري. كنت تستمتعين بتنغيص عيشك على نفسك وتتمسكين بأمور لا تتنازلين عنها رغم كونها خارج قدرتك ولن تغيريها؛ فزوجك إنسان له أبجدياته وطريقة تفكيره وردود أفعاله، ولا يجوز أن تظلي تبحثين عما ليس فيه وتطلبين منه أن يكون شخصاً آخر غيره، فلتحبيه كما هو وتسعدي بما فيه من حلو الخصال وتحمدي الله عليها، وما دام لا يطلب منك أن تكوني مثله فكل ما عليك هو أن تحترمي اهتماماته وآراءه حتى وإن لم تأخذي بها.
* دعي الحياة والمواقف تأتي بما ستأتي به ولا تحسبي لكل أمر حسابه فأنت تحاسبيه على فلذات أكباده الذين لم يأتوا بعد! دعيه يشعر بأبوته ويمارسها ولن يفجعك فيه شيء؛ لأنه في النهاية كما قلت ليس بالشخص الضعيف ولا التافه أو الغبي، لكنه إنسان يعرف كيف يحترم الآخر ويقدّر احتياجاته بل ويجعل إسعاده هدفاً له فهذا كافٍ لطمأنتك وبأنه لن يكون عائقاً لك في شيء، فاحمدي الله عليه وتمتعي بخصاله هذه فهي خصال تتقاتل عليها الكثيرات ولا تجدها.
* في الحياة الزوجية تحتاج الزوجة بكل طموحها وتفكيرها وقراءاتها وصداقاتها... إلخ، لرجل يحبها ويخاف عليها ويكرمها ويحترمها حتى وإن لم يكن شكسبير أو بيل جيتس أو الشيخ الغزالي، فهذا هو الأبقى والأهم لها، فقط أنبهك ألا تأخذي دوماً بزمام الأمور حتى لا تحبطيه من نفسه فينعكس على نفسيته، أو يتعود أنك من تقومين بالمبادرة فيركن على ذلك فيزداد إحباطك أنت! وأتصور أن ذلك سيساعدك على رؤية وجهة نظره وتحديد المهام وما يجب عليك أن تنتبهي له حيث لا ينتبه له هو، وكذلك سيساعدك على تعلّمك بعض الروّية وأن لكل مميزات وعيوب حتى الحبيب والزوج؛ فتتقبلينه بعيبه هذا مقابل مميزاته الأخرى الرائعة.
* كما تعمدت إقصاء ذكرى تجربتك الأولى، فلتتعمدي تذكيرك بما أحزنك منه -أقصد تجربتك الأولى- وأن تري في نفس الوقت زوجك تعويضاً ودوداً من الله سبحانه على شقائك السابق.