مدرسي غادر"خيانة"..!
لقد تركني مدرس كنت أحبه وأعتبره أخاً دون سبب! تحجج أني قلت له اتركني، في حين كنت تشاجرت معه مرة وتأسفت له وقبل اعتذاري، وفي الحصة التالية قال لي: سأحضر لك مدرساً آخر لأن لدي مواعيد.
أنا تلميذ مجتهد ولست بليداً، الكل يحبني ويشهدون لي بالكفاءة، لقد حزن مدرس آخر يعطيني درساً وقال لي: "أنت تلميذ شاطر لا تترك" وهذا الموضوع أثّر بي كثيراً.
أنا حزين الآن،
أعتبر تركه لي في هذا الوقت ونحن على أبواب امتحان نصف العام نذالة وخيانة..
7/1/2010
رد المستشار
السلام عليكم يا "عبد الرّحمن"، كيف حالك مع الامتحانات وقد أقبلت؟ أرجو من الله تعالى أن تبلي حسناً وتحصّل ما تريد من العلامات.|
إن بناء علاقة صداقة مع شخص ما أمر يحتاج الكثير من العناء والتضحيات، وهذا ليس بالهيّن، وقد قرأت مرة مقولة بقيت في ذاكرتي إلى الآن: "من الجميل أن تقابل صديقاً حقيقياً، لكن الأجمل أن تصنع أنت هذا الصديق" صناعة الصديق تعني أن تهتم به وتصادقه وتراعيه وتفرح لفرحه وتحزن لحزنه وتقضي عنه بعض شؤونه.... وغير ذلك من المعاني الإنسانية الجميلة، إلى أن يقترب منك فعلاً ويصبح لك كما تحب. لكن يا عبد الرّحمن كل ما ذكرناه قد يضيع بكلمة إساءة واحدة من قبلنا! فالكلمات قد تترك أثراً في نفوس الآخرين لا يمحى، ألم تسمع بقصة الغضب والمسمار: دعني أتلوها عليك.
عانى أحد الآباء من عصبية ابنه وغضبه الدائم لأتفه الأمور ومن أقل سبب، كان يملأ الدنيا صياحاً وشتماً. في أحد الأيام عزم الأب الحكيم أن يعطي ابنه درساً ينفعه؛ نادى ابنه فلباه فإذ بالأب يعطيه كيساً مليئاً بالمسامير وبلا مقدمات قال له والده:"بني، في كل مرة تختلف فيها مع شخص وتفقد أعصابك معه قم بطرق مسماراً في سور الحديقة" كان مطلباً غريباً وعجيباً من الأب تعجب الابن له، لكنه أثار انتباهه وفضوله وقد أعجبته الفكرة، لكنه تساءل في نفسه: "لم يدق مسماراً إذا أصبح على ذلك الحال؟ ولم تلك الحالة خاصة؟" لم يجد جواباً لأسئلته عند أبيه، إلا أنه أخبره أنه سيعرف الإجابة حين يحلّ وقتها.
عزم على تنفيذ ما طلبه منه والده فضولاً منه لمعرفة نتيجة الطلب الغريب، فكان في كل مرة ينتابه غضب عظيم أو يفقد أعصابه تجده يدب الأرض بقدميه سيراً إلى حيث السور وقد تملكه الغضب والانفعال، متجاهلاً أي تساؤل ممن حوله عن مكان ذهابه، متغاضياً عن نظراتهم والدهشة التي تطل من أعينهم. وفي أول يوم له طرق 37 مسماراً بسور الحديقة إلى أن نال منه التعب وأنهكه الدّق، وبينما يدق آخر مسمار في ذلك اليوم تساءل: "ألم يفكر أبي في شيء أيسر من طرق المسامير؟!" وصار كل يوم يدق عدداً لا بأس به من المسامير، كلما غضب طرق مسماراً، كلما أوشك على سبّ أحدهم طرق مسماراً، وتساءل يوماً: "أخاف يوماً أن ألزم ذلك السور بكثرة المسامير التي أطرقها يومياً، فاضطر إلى اتخاذ بيت لي بجواره!" إلى أن مرّ أول أسبوع له من تلك التجربة وقد نوى أن يحاول ضبط أعصابه إذا ما غضب أو فقد أعصابه، فهو أهون من دق المسمار. بالتدريج بدأ عدد المسامير المدقوقة يومياً ينخفض شيئاً فشيئاًَ، ثم يمر الأسبوع تلو الآخر وعدد المسامير يقلّ ويقلّ، إلى أن جاء اليوم الذي لم يدق فيه الفتى مسماراً واحداً في سور الحديقة بالرغم من غضبه.
لقد تعلم كيف يتحكم في أعصابه ويكظم غضبه إن هو غضب، كيف يتغاضى عن أقوال الآخرين التي تثير غضبه، وكيف يتحكم بلسانه.... تعلم متى يقول قولاً لا يندم عليه لئلا يندم عليه يوماً فعلاً، متى يتكلم ومتى يصمت، فقد تبين له أن الصمت قد يجدي عن القول أحياناً. عندها ذهب إلى والده ليخبره بذلك، أنه لم يعد في حاجة إلى كيس المسامير، كان يوماً سعيداً في حياته فقد تغير طبعه وخلقه إلى الأحسن.
فإذ بالوالد يطلب منه التالي: "بني، الآن انزع مسماراً واحداً عن كل يوم يمر بك دون أن تفقد أعصابك فيه" يا له من مطلب آخر عجيب! ولم يا ترى؟ ألم يطلب مني يوماً أن أدق تلك المسامير؟ الآن يطلب مني نزعها؟! عجباً!! حسنأ سأنفذ له ما طلب، وعلى أية حال فأنا الآن أفضل مما كنت عليه من قبل، وسأتمكن بإذن الله من نزعها في وقت أقصر من ذي قبل. مرت عدة أيام وقد أزال الفتى المسامير، المسمار تلو الآخر بشروط أبيه له، وقد جاء إلى والده يخبره بنزعها جميعاً وكله شوق ليعرف الآن لم فعل ذلك. فقام الوالد باصطحابه إلى ذلك السور الذي أشبع دقاً، وطلب منه أن يمعن النظر في السور، ثم قال له: "بني، قد أحسنت التصرف، فأطعتني ولم تعصني، ولبيت طلباتي ولم تخذلني، لكن انظر إلى تلك الثقوب التي تركتها في السور، هي لن تزول أبداً ولن يعود السور كما كان... بني، حينما كانت تشب مشادة بينك وبين الآخرين فتفقد أعصابك في حينها فتسيء إليهم في القول، تركت جرحاً بأعماقهم وثقوباً كتلك التي بالسور" قد تتأسف وتعتذر ولكن من المحتمل أن يبقى الأثر في قلوبهم. يا بني إن جرح اللسان أقوى من جرح الأبدان، والأصدقاء جواهر نادرة، هم يبهجونك ويساندونك، هم جاهزون لسماع شكواك في أي وقت تحتاجهم، هم بجوارك وقلوبهم مفتوحة لك فأرهم مدى حبك لهم.
قد تستطيع يا "عبد الرّحمن" تجاوز هذه المشكلة مع صديقك، وأن تريه مدى ندمك على إساءتك له، ولكن أردت لك أن تتعلم ضبط نفسك حتى تجمع حولك الكثير من الأصدقاء.