تعذيب النفس، بحثاً عن العطف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أستاذي الفاضل، أنا اسمي ياسمين، عندي ست عشرة سنة، في المرحة الثانوية. وقد اكتشفت هذا الموقع بالصدفة تماماً. فقلت ربما يكون هناك حل أو تفسير لمشكلتي.
أستاذي، أنا على قدر من التدين يحسدني عليه الكثيرون، ومن الصفاء النفسي العالي والقدرة على المسامحة. وعادة لا أترك أية فرصة لمشاعر الغضب أو الكراهية أن تتسلل إلى نفسي. ولكنني لا أعرف بماذا أصف مشكلتي؟ فأنا أتلذذ بتعذيب نفسي، وغالبا ما أختار دور الضحية أو المظلومة، وقد أتمادى في ذلك الشعور فأقوم مثلاً بجرح نفسي أو إيذائها جسدياً.
كنت أقاوم نفسي بشدة لأنني أعرف أن ذلك حرام. وكنت أتمنى ألا أفعل ذلك مرة أخرى. ولكنني عندما أخطئ أو أفشل في أي أمر، غالبا ما أفعل ذلك كعقاب لنفسي حينما أسيء التصرف. وأحيانا أرى أن كوني مريضة أو متألمة يجلب بعض العطف من الناس إليّ، فيكون الناس حولي.
أستاذي، أنا من البعض الذي لا يشعر في حياته إلا بالوحدة. لست شخصية اكتئابية، فأنا في معظم الأوقات أضحك وأضحك الآخرين، وأشعر بالسعادة لذلك. هل إدماني للحصول على الاهتمام أو الشفقة سبب ذلك؟ وأخيرا بفضل قربي من الله -عز وجل- خف هذا الحمل قليلاً، وأصبحت لا أؤذيها فعلياً، ولكن عقلي لا يتوقف عن هذا الهاجس. فأتخيل أنني مثلاً صدمتني سيارة، أو كسرت ساقي، ويساعدني الناس!
أنا من عشاق الأطفال فأجد في مرافقتي لهم بالراحة النفسية والاتزان. فهل هذا شيء مفيد يساعدني؟ أتمنى ردك أستاذي الفاضل، فأنا في أمس الحاجة إليه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والله خير حافظاً.
ولكم كل الشكر والتقدير
11/11/2010
رد المستشار
الابنة "ياسمين"
هناك أمور كثيرة لم تذكريها في رسالتك عن تربيتك في الصغر وعن علاقاتك بأفراد أسرتك وبالذات والديك، وعموما عندما تضطرب العلاقة مع الوالدين إما بقسوة أحدهما أو كليهما، أو عند الإفراط في تدليل الأبناء من جانب ولي الأمر ثم افتقاده في مرحلة المراهقة لسبب ما؛ يبدأ الشخص في محاولة جذب اهتمام الآخرين بإيذاء نفسه، ومحاولة جرح يديه أو رجليه وقد يشعر الشخص عندئذ بلذة كبيرة في رؤية دمائه وهي تسيل، وهذا غالبا ما يكون بصورة قهرية متكررة في كثير من الأحيان، ونطلق عليه في الطب النفسي: "سلوك إيذاء النفس"، ويحدث هذا بكثرة في اضطراب الشخصية الحدية أو البينية أو الشخصية المعادية للمجتمع أحيانا، ويكون هذا السلوك كتعويض لحب الذات الزائد لدى الأطفال وحب التملك لكل شيء من حوله - حتى والديه - "أنانية الطفل"، وهو سلوك طبيعي في الطفل يجب إشباعه من الوالدين والأهل لطفلهم، ونطلق عليه النرجسية الأولية لدى الطفل.
أما إذا نشأ الطفل ولديه حرمان من ذلك الحب الزائد لنفسه فهو يحاول تعويضه في الكبر بجذب انتباه الآخرين ولو بإيذاء نفسه، وعندئذ يكون ذلك السلوك غير مقبول ممن حوله ويعرضه لانتقاد الآخرين. وهنا يأتي دور المعالج النفسي بمناقشة معاناة المريض في طفولته وإعطائه الفرصة للتحدث عن تلك المرحلة بإسهاب، وتمنيات المراهق عن هذه المرحلة غير المشبعة بالحب في صغره، بمعنى الأخذ بيد المراهق كي يخرج من معاناته في الصغر بأقل قدر من الخسائر النفسية في مرحلة نضجه وخصوصا وهو يصطدم مع واقع المجتمع الصادم دائما، فالناس بالمجتمع يتوقعون من المراهق النضج والتصرف السليم، والمراهق يظن أن المجتمع سيرحمه ويحنو عليه لقسوة طفولته، وما عاناه في صغره، وهذا الصدام يجعل المراهق كثيرا ما يحن للرجوع إلى عالم الأطفال والعيش فيه مع البعد عن عالم الكبار الشرس والكثير المطالبة بأداء الواجبات.
وبالطبع يا ابنتي عليك مجهود كبير في تفهم نفسك ومحاولة مساعدة الآخرين قدر الاستطاعة، مع احترام قاعدة الأخذ والعطاء دائما، والأخذ في الاعتبار أن من حولك يحتاجون بعض خدماتك كي يحنوا عليك عند ضعفك، فلا يمكن أن أكون كسلانا وعنيدا ومعارضا ومحتدا وأنانيا في كثير من الأحيان وأنتظر بعد ذلك من المجتمع حولي الشفقة والرحمة والربت برقة على كتفي في شدتي وعوزي وحاجتي!!!.
وفي النهاية أتمنى لك التوفيق في حياتك، وأن يكون مستقبل أيامك هو الأفضل دائما، ولكن لا تنسِ قول الشاعر:
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله على أهله يُسغنْ عنه ويُذممِ
بمعنى أن من حولنا ينتظرون عطاءً منا "نقدر عليه غالبا" في مقابل دعمهم لنا ووقوفهم بجانبنا وقت شدتنا، أسأل الله أن تمر مرحلة المراهقة لديك على خير وتابعينا بأخبارك.
واقرأ على مجانين:
التشويه الذاتي للجسد: وصف الظاهرة
التشويه الذاتي للجسد: وصف الظاهرة2
التشويه الذاتي للجسد مشاركة3
التشويه الذاتي للجسد مشاركة 2
التشويه الذاتي للجسد مشاركة