شخصية وسواسية واكتئاب وهوس نتف
في البداية أريد أن أشكركم على هذا الموقع الرائع, حقيقة أنتم مصدر أمل لكثير من الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية, لو سمحتم لي أود أن أشرح لكم حالتي النفسية وأتمنى أن أتلقى النصائح منكم في أقرب وقت.
أنا شاب عمري 23 عام ذكي ووسيم, أعاني من مشكلة نتف الشعر بدأت معي الحالة منذ خمس سنوات عندما كنت في الثانوية العامة وتحديدا في الفصل الدراسي الثاني عندما ظهرت النتائج الأولية وحصلت على معدل عالي يؤهلني لدراسة الطب في الخارج وهو ما كنت أطمح إلى تحقيقه وذلك بعد الوعود التي أخذتها من أهلي على ذلك ولكن حدث وقتها أن أخي سافر لدراسة الماجستير في الخارج ولذلك قرر أهلي أنه يجب أن أدرس في بلدي وأصبحوا يحاولون إقناعي بدراسة الهندسة وأنها أفضل من الغربة وأن لها مستقبلا...الخ.
في ذلك الوقت لم أناقش الموضوع معهم لا أعرف لماذا!, إنما أخذت تجتاحني أفكار سوداوية عن المستقبل والحياة والذي زاد الأمر سوءا هي ضغوطات الدراسة لأني لم أُنهِ المرحلة الثانوية بعد, وأحسست بضيق شديد... ومن هنا بدأت مشكلتي مع النتف إضافة إلى قضم الأظافر.
حقيقة هناك ثلاث مراحل مرضية مررت بها إلى الآن, وجزء كبير من المرحلة الأولى مازال مستمرا معي:
_ المرحلة الأولى واستمرت ثلاث سنوات منذ بداية المرض وكانت تتسم بحالة شديدة من اليأس والانهزامية وإلحاح شديد لنتف للشعر يصل لظهور بقع فارغة في شعر حواجبي وينتهي بندم على ما فعلت, كنت أجلس بالساعات أنتف شعر حواجبي تاركا ورائي وجها ممسوخا, وقد دفعني ذلك إلى الشعور بالخجل وعدم الثقة بالنفس الذي يشعرني بالضيق واليأس وأعود بذلك إلى دائرة مغلقة من النتف, كان يصيبني شعور شديد بالإرهاق والتعب من أبسط الأفعال, الخروج من المنزل كان يأخذ مني وقتا طويلا تصل إلى ساعة وأنا أرتب نفسي وأعدها للخروج وكلما أخرج أردد أسماء الأشياء التي أحملها واضعاً يدي للتحسس عليها كالتيلفون والمحفظة والدخان....
كنت وقتها في كلية الهندسة أعاني بصعوبة من الدراسة ولكني كنت أنجح في كل سنة وأعتبر نجاحي إنجازا في تلك المرحلة, انعزالي عن أهلي والناس ودخولي في عالمي الخاص دفع أهلي للاعتقاد بأني محسود أو ممسوس, أما أبي كان يكتفي بالتفرج علي وبتوجيه الانتقادات الكلامية أو الإيحائية لي في كل شيء وخصوصا الأمور التي يشعر أن بها نوع من الإسراف كأن يدخل علي ويخفف من إنارة الغرفة من غير أن يتكلم معي ويكتفي بترديد كلمات مثل "حسبي الله ونعم الوكيل", بالطبع فحياته كلها تدور حول الدين فهو لا يقطع فرض في المسجد وهمه الوحيد التتبع وراء الحرام والحلال, تزوج والدي من امرأة أخرى وقد كنت في العاشرة من عمري وقد أدى هذا إلى سلسلة طويلة من المشاكل الأسرية, وأقولها بصدق أني لا أحمل أي ذكرى سعيدة لأبي طول حياتي.
_ المرحلة الثانية واستمرت لسنة واحدة تقريبا كنت وقتها قد اجتزت المرحلة الصعبة من الدراسة واقتصرت الدراسة على التدريب الميداني وبعض المواد السهلة, وقتها أتيح لي المجال لكي أنظر إلى ماذا وصلت به من التعب الجسدي والنفسي وبدأت بالتفكير المنطقي والعقلاني بكل شيء وبضرورة الخروج من الحالة النفسية وأني قادر على فعل الأفضل دائما ووصلت بذلك لحالة تحسن أستطيع أن أعتبرها بنسبة 30%, أما النتف فكان مستمرا ولكن بصورة أقل إلى حد ما, كما أنها استمرت حالات الإرهاق والتعب والتأخر الصباحي عند الخروج, واتسمت هذه المرحلة بالقراءة والتثقيف في شتى المجالات والبحث والاستفسار, وتكونت لدي مبادئ وأفكار في كل شيء, صورت المجتمع الذي أعيش فيه بأنه مجتمع متخلف وأناني ولا يستحق الحياة... نعم تلك كانت نظرتي لهم، كما أني تعلقت بشدة بالغرب وأفكاره وطريقة فهمه للحياة, أريد أن أقول أنه وفي هذه المرحلة كان هناك تشكك دائم بوجود خالق للكون مع العلم أني لم أكن أعاني من أي تأنيب للضمير بسبب هذه الفكرة.
_ المرحلة الثالثة بدأت قبل ستة شهور في ذلك اليوم العادي في بدايته المأساوية في نهايته, عندما دخلت علي أختي تصرخ وتخبرني أن أبي تعرض لنوبة قلبية وتوفي على أثرها.... فارق الحياة ببساطة من دون أن يتكلم معي كلمة واحدة, بعدها اجتاحتني حالة شديدة شديدة من الندم والحزن ومن كثرة التفكير أحسست بأن رأسي سوف ينفجر أو أني سوف أجن فجأة, وكرهت نفسي والناس وأخذت أستحضر ذكريات والدي لأصوره أنه رجل دين طيب وأنه كان يتمنى لي الخير وأني كنت سيئا معه, ثم أني التزمت بالدين بشكل كبير وكنت أقضي معظم وقتي في المسجد أصلي وأدعي له وأستغفر ربي, حتى حدث معي موقف غريب بعد وفاة والدي بأسبوعين أكد لي أني أحمل كمية كبيرة من المكبوتات وأني كنت ضحية مرض نفسي.........
كنت جالس في المسجد وقت المساء عندما أتى أخي وأخذني, ونحن بالطريق أخذ يتكلم معي بنوع من الشدة والتوبيخ وبأنه يكفي ويجب عليك أن تتحمل المسؤولية, أنا كنت أصبر بنفسي ولم أتكلم معه حتى انفجرت من الغضب الشديد وخرجت من السيارة وطبعا هو تركني وأخذت أمشي أحاول منع نفسي من البكاء حتى وجدت نفسي في المقبرة وكان الوقت متأخرا والمكان مظلم -وحقيقة لا أعرف كيف تجرأت على الذهاب إلى هناك- وما أن اقتربت من قبر والدي حتى انهرت بنوع من البكاء الشديد الذي لم أعرف مثله في حياتي كلها, كان صوت البكاء يخرج من حلقي بشكل لا إرادي وبالكاد كنت أخرج بعض الكلمات أخاطب فيها والدي ولأنه لم يتوقع أحد بأني قد أذهب إلى هناك استمرت هذه الحالة لمدة ساعة حتى قدم أخي الآخر, الغريب أنه مباشرة بعد هذه النوبة شعرت بشعور جميل جدا من الراحة النفسية والنشاط الجسدي دامت ليوم تقريبا ولكن سرعان ما عادت الحالة النفسية.
منذ ثلاثة أشهر عادت الأفكار التشكك بالذات الإلهية تراودني بل وأصبحت تأكيدا لدي وقد عزز ذلك بحثي المتواصل في النشوء والحياة والأديان والنفس البشرية, لكني ما زلت مكتئبا وإلحاح النتف يراودني, أنا الآن عاطل عن العمل, ولا أتوقع بأني سوف أجد عملا خصوصا مع الإرهاق والتعب الذي يصيبني في كل يوم تقريبا, بالنسبة لأصدقائي فقد تركتهم ولا أرد على اتصالاتهم, أرى بأنهم سطحيين وتافهين وغير مخلصين, أنا حاليا لا أفارق البيت, أصبحت وحيدا بمعنى الكلمة أتمنى أن أجد من يفهمني, لا أحد من عائلتي يستطيع مساعدتي فهم لديهم نصيبهم من المشاكل النفسية, كل ما أطلبه منهم أن يتركوني وشأني لأنهم يثيروا عصبيتي.
هناك نقطة أحب أن أوضحها بأني أميل إلى الدقة والتنظيم في كل شيء, وأستطيع أن أقول لك أني أميل إلى الاحتفاظ بالأشياء مثل فاتورة أو قصاصة من جريدة وألاحظ أني أنتبه إلى كل شيء حولي وأحاول أن يكون منظما نوعا ما وأعتقد أن هذه الأشياء كلها ورثتها عن والدي, ولعلي سوف أذكر دليل بسيط قد يفيد في التشخيص وهو أن البلاط الأرضي الذي يوجد في جامعتي مكون من مربعات متوسطة المساحة, وأنا في أثناء المشي على الأرض أحاول أن لا تقع قدماي على الخطوط بين المربعات وقد تكون نسبة عملي لهذا العمل 20% من مجموع ما أمشيه على هذه المربعات, اهتمامي بأدق التفاصيل دائما يشغل وقتي وتفكيري.
قبل عشرة أيام ذهبت إلى طبيب نفسي ووصف لي أدوية وهي سيترالين 50 mg و ريسبيريدون 0.5mg والبرازولام 0.25, في الحقيقة لم تزل عني الأعراض ولكن أحس بأن تفكيري مخدر, كما أريد أن أوضح بأن لي أختا كانت تنتف شعر رأسها ولكن ليس بصورة كبيرة ولي أخ ينتف ما بين الحاجبين بصورة بسيطة جدا.
أرغب في أن أعرف منك يا دكتور عن حالتي النفسية وإذا كنت بحاجة إلى طبيب نفسي أو لا؟
وهل تناسبني تلك الأدوية؟ لأني أتمنى أن أكون شخصا طبيعيا عذرا على الإطالة.
15/09/2011
رد المستشار
السيد الكريم "راشد العمر"؛
شفاك الله وعافاك من نتف الشعر والوساوس والأفعال القهرية والاكتئاب، أحس وأشعر بآلامك وأنت تتعذب بهذه الخلطة المزعجة من الاضطرابات النفسية ولمدة خمس سنوات أو أكثر، ولكن أكثر ما أثلج صدري وطيب خاطري أنك ذهبت إلى طبيب نفساني في آخر المطاف، ورجائي الحار منك ولك أن تستمر على العلاج الذي وصفه لك الطبيب المعالج، لأنه لن يحدث التأثير المتوقع منه قبل عشرة أسابيع على الأقل من العلاج مع الاستمرار عليه لمدة لا تقل عن عامين أو أكثر، وأثناء فترة العلاج قد يزيد الطبيب المعالج للجرعة أو ينقص منها حسب استجابتك لتلك العقاقير، وقد يوقف أحدا منها، وقد يستبدل دواءاً منها بآخر، خلاصة القول أنك الآن مع طبيب نفساني يتفهم وضعك وحالتك، والمطلوب منك هو المتابعة معه في المواعيد التي يحددها لك.
الأخ العزيز؛
أظنك تتفهم حالتك النفسية جيدا وتحسن التعبير عنها بفصاحة ووضوح، وكما ذكرت أنت فللوراثة دور في حالتك وحالة أختك وأخيك في نتف الشعر، والأفعال القهرية التي كان يفعلها والدك –رحمه الله- أما عدم اكتراثك بوجود الخالق دون تأنيب ضمير فأظن أن ذلك له علاقة بوالدك -رحمه الله- وعلاقتك به؛ فكما ذكرت أنت: "أنك لا تحمل له أي ذكريات سعيدة طول حياتك"، وأنت تترجم ذلك لا شعوريا ولا تجد فرقا في توجهك نحو الله عز وجل وعلاقتك بوالدك، والذي شعرت نحوه ببعض الراحة بعد بكائك وصراخك على قبره، ونرى ذلك أحيانا كمعالجين نفسانيين عندما يقول مريض -على استحياء- أنه يسب الله أو الأماكن المقدسة وهو في الحقيقة يقصد سب صورة الأب التي آلمته وأزعجته في حياته.
ذكرت أن طاقتك ونشاطك محدودين وأعتقد أن ذلك بسبب كثرة التفكير في وساوسك مع مراعاتك لأدق التفاصيل، وكذلك أفكارك المتسارعة داخل رأسك، والتي قد يشبهها بعض المرضى أحيانا "بالشياط" أو ذوبان الأسلاك الكهربائية من ارتفاع درجة حرارة الرأس بعد الإسراف في التفكير والوساوس، وقد ذكر ذلك الإنهاك العصبي من تأثير الوساواس والقلق عالم نفساني فرنسي شهير اسمه بيير جانيه.
أخي الكريم؛
أريد منك أن تستخدم مفكرة أو "ديري" "خاصة بك" تسجل فيها أفكارك ووساوسك ومدى تحسنها أو تغيرها مع العلاج وبصورة يومية، والوقت الذي تقضيه في الوسوسة أو النتف يوميا، وكذلك مشاعرك وأحاسيسك التي تعايشها وبصورة يومية مع الوساوس والأفعال القهرية، وستجد نفسك -بإذن الله- ومن خلال تعاقب الأيام والأسابيع تتحسن بصورة قد تكون بطيئة ولكنها مطردة مادمت مداوما على العلاج مع طبيبك النفساني "الماهر"، وأعتقد أنك ستشعر بلذة التعافي والشفاء بعد محنتك في السنوات العجاف السابقة، وفي النهاية أرجو من الله تعالى أن يسبغ عليك من واسع كرمه وعفوه ورحمته ومنّه، وأن يتم عليك نعمة الشفاء والراحة النفسية وصلاح البال والحال، وتابعنا بأخبارك.
اقرأ على مجانين:
وساوس وقرف.. أم اضطراب انشقاقي متابعة
الوسواس وأخواته (نتف الشعر والاكتئاب)
قضم أظافر ونتف شعر وخوف من الموت