قلة الدافعية أو ضعف التحفيز الذاتي!
هل حالتي ما زالت نفسية/عصبية أم... تطورت لم لا أحب (ذهانية Psychotic)؟
في البداية أتقدم بجزيل الشكر على مجهوداتكم من خلال موقعكم هذا الرائع، وتمنياتي لكل العاملين به بالصحة والعافية وطول العمر -إن شاء الله-. قصتي أو بالأحرى معاناتي مع المرض طويلة، لذا أطلب من الله ومنكم أن يتسع صدركم لقراءتها، ستكون طويلة لأني أحببت أن أحكي وأحط كل الأحداث وأعبر عن نفسي وعن معاناتي بشكل دقيق، لتستطيعوا جزاكم الله تشخيص حالتي.
مند 10 سنوات، انتابتني أفكار مزعجة ولم أستطع إبعادها، (كنت في 18سنة) مع مرور الأيام لم أستطع التحكم في أفكاري، أصبح تفكيري مشغول 24/24 ساعة، وحاولت بكل الطرق إبعادها لكن لا جدوى، كنت آنذاك في سفر، لما حان موعد رجوعي للبيت، عدت وحاولت أن أدخل أفكار أخرى إيجابية لعقلي، وتتجلى في أنني سوف أدخل للدراسة التي لم يتبقى سوى يومين عليها وسوف ألتقي مع الأصدقاء، وسوف يزول كل شيء، وسوف أشغل بالي بأشياء أخرى، لكن للأسف زادت الأمور سوءًا بعد يومين من الوصول، أصبحت أشعر بضيق في صدري، وارتباك، أفكاري ملخبطة، خوفي من المواجهة، خوفي من المجهول، وأيضا من الخروج وحدي، ورغم كل هذا كان همي الأول هو عدم إظهار أي شيء؛
وما زاد الأمر تعقيدا هو وصولي لمرحلة خطيرة هي عدم إحساسي بذاتي، وتتلخص في شعوري كأني في حلم، كأني لم أعد أحس بنفسي ولا أتحكم في مشاعري، هذه الأحاسيس أفقدتني الثقة في نفسي، أخطر إحساس كان يسيطر على تفكيري هو أني في الطريق أو كدت أصل لمرحلة اللاعودة (الجنون)، كان ولابد من مصارحة عائلتي بالأمر، لا أخفي عنك سيدي أن الأمور تعقدت بإخباري أسرتي، إذ أن والدتي أكدت فرضية السحر، أكثر من أي شيء آخر، وترددت معها عند العديد من الأشخاص بغية إبطاله، لكن في قرار نفسي كنت أعرف أنه مرض نفسي.
عملت فحوصات عدة (بدنية) وصارت الأيام سوداء، وحاولت مساعدة نفسي قدر الإمكان بمحاولة التعايش مع الحالة، نجحت بنسبة صغيرة، لكن الخمول وكثرة النوم والسهر لم يفارقني، أحب تلخيص الأمر بمجهود شخصي نجحت في التعايش مع الحالة، بعد مرور 6 أشهر من إصابتي بها، لم أرغب في مصارحة أسرتي بالأمر لسببين، الأول عدم مقدرة أمي من الناحية المادية لتحمل المعالجة النفسية، والسبب الثاني هو كرهي الشديد أن ينظر لي أي شخص كيف ما كان أني مجنون، أو على وشك الجنون.
سيدي مرت معاناتي مع المرض بشكل نسبي، وكانت لها سلبيات في الدراسة، إذ أصبحت رغبتي في الدراسة معدومة، ورسبت تلك السنة وكان آخر سنة لي، إذ فضلت أن ألتحق بمؤسسة التكوين المهني، بعد الالتحاق بالمركز مرة سنتين، حاولت فيها تجاوز ما حدث بي.
ونجحت فكرة التعايش مع المرض، وبعد تخرجي اشتغلت لكن فجأة رجعة الحالة بفقدان الإحساس بالذات بشكل لم أستحمله، وباكتئاب شديد، تسبب بالخروج من عملي بمحض إرادتي، لتستمر معاناتي لمدة عام لأستطيع تجاوز الحالة مرة أخرى، واشتغلت مرة ثانية ونفس الأمر تكرر، إلا أنني لم أستطع ليومي هذا من العمل خوفا من استمرار هذا المشكل، والآن أنا عاطل عن العمل منذ 3سنوات،
بالأحرى دكتور أحب أن ألخص حالتي في فترة عمرها 10 سنوات، في أني أرى في داخلي عجز عن تغيير (نفسي) وشخصيتي، فأنا مدمن على السهر، وأستيقظ متأخرا، حين أستيقظ أحس أني متعب. يلازمني إلى اليوم شعور بالانزعاج الداخلي وبالملل والإحباط وبالطبع فكل هذه الأعراض تختلف في حدتها حسب الظروف وهذا ما يحيرني متأخر.
ومدمن أيضا على أحلام يقظة... بصراحة أستمد منها القوة (...) لكن في بعض الأحيان تعود علي باكتئاب تأتيني أوقات أرغب في فعل أشياء كثيرة، كالاستيقاظ من النوم باكرا، والقيام بالرياضة، البحث عن عمل، ودراسة مجال أحبه من صغري (...) والقيام أيضا بواجباتي الدينية، وقطع العادة السرية، والتفكير بشكل صحيح في مستقبلي، وللأسف تأتيني حالة أفقد فيها الثقة بنفسي..وبذاتي، وتجعلني أعود لما أنا عليه، بصراحة سيدي أنا أحب أن أكون الشخص الأول وليس الثاني لأني مللت من الأول.
تخيل دكتور قبل كتابة رسالتي هذه ترددت كثيرا، ولكن السبب الرئيسي الذي جعلني أحكي وأفرغ ما في قلبي، هو دخولي هذه الأيام في حالة غريبة شيئا ما، بالرغم أنها ليست المرة الأولى التي تنتابني، (لكنها الأصعب منذ 10سنوات) بعد تفكير عميق في حالتي ومحاولة التغيير، أحسست أن تفكيري شل، حتى الكلمات المعبرة لا أجدها بصراحة لأوصل الفكرة بشكل صحيح وواضح أحس كأنني شخص فقد عقله ولا يستطيع أن يساير حياته، شخص لا يعرف أفكاره..أحجز نفسي فيها، وأنسى أني ملتزم بأشياء مهمة في حياتي العادية، أحس كذلك كأني تحت تأثير مخدر، وأيضا بعدم الجدوى في الاعتماد علي وفي تحمل المسؤولية.
أعاني من آلام في الرأس، واحمرار في العينين، أحقق في فهم بعض الأمور العادية يتعب ذهني، طريقة تفكيري أشعر أنها غير سليمة، أراجع نفسي وما قلت خشية من كون ما قلته لا معنى له، لدي رعب من أن يكتشف الآخر أنني غير طبيعي، لدي كذلك رعب من فقدان السيطرة على النفس أو الجنون، أفتقد بشكل كبير الإحساس بذاتي أشعر في داخلي بصعوبة في الاستيعاب وبتلخبط التحليل المنطقي للأشياء رغم ذلك كلامي منطقي مع الناس، أحس كأنه يخرج تلقائيا عند اجتياح الحالة لي، أفقد الرغبة في القيام بأشياء كثيرة أحبها، وأشعر كأني غير قادر على فعلها.
عادة أكتب رسائلي بسهولة، في هذه الرسالة أجد صعوبة في التركيز والتعبير وفي جمع الأفكار فيها، بداخلي إحساس يتجلى بابتعادي عن الوقائع كأني في حلم، بالأحرى كابوس، بخلاصة القول أشعر وأحس أني شخص غير طبيعي أنا الآن أفكر فقط حالتي، وعقلي غير قادر على فهم ما يحيط بي، ولا أقدر على وضع برامج الغد، لأني دخلت في حلقة، هل سأخرج منها مع الوقت كما جرت العادة أم كل الطرق تؤدي إلى الجنون المحتوم.
ولا أخفيك سرا، أنا الآن أعيش في معاناة وصدقني إن قلت لك أن معاناتي هذه مع نفسي فقط. لأني أحب أن أكون مع الناس شخصا متزنا، وينظر لي كما أحب، وحتى إن تعلق الأمر بأقرب الناس إلي، وفي عز معاناتي تراني أضحك، وتجاوبي وأفكاري وكلامي يعجب به كل من يتحاور معي، يصفونني بالعاقل، وأنا أقول في نفسي أني ولا شيء، تخيل أني تجتاحني كوابيس في نومي وأبرزها أني أبكي لأن في اليقظة دموعي غالية علي
أمي تعتقد أن الحالة ذهبت وأبطل السحر، لكن العكس وأنتم أكيد تعرفون السبب، أمي تعقد آمالها علي، وأنا أتهرب عن العمل بطرق وحيل بدون ذكرها، لأنكم ستعرفون أيضا سبب تهربي، وأحيطكم علما سيدي أني لم أزر طبيب نفساني في حياتي ولم أخذ عقار، بصراحة أتمنى أن أقصد طبيبا للعلاج لكن حالتي المادية لا تساعد الآن.
طفولتي لم تمر بشكل طبيعي؛ كانت مشاكل كثيرة بالبيت، لدي إخوان مرتاحين ماديا لكن كل يفكر في نفسه وأسرته؛ هذا ما زاد سخطي، حتى وإن طلبت المساعدة من أحدهم لا أظن أنه سيأخذ الأمر بجدية ولأسباب لا داعي لذكرها، بالأحرى لا خير فيهم.
في الأخير؛ سؤال أود أن أجد له عن إجابة، هل أنا في كامل قواي العقلية أم العكس.......؟ هل فرضية أمي في أنه سحر قد تكون صحيحة...؟
أود ذكر شيء مهم، هو أن طبعي وشخصيتي اجتماعية، أكره الانعزال، لأن هذا الأخير يجعلني أفكر في حالي، مع الناس أجد سهولة في نسيان ما بي.
لا أنكر سيدي أن في مدة 10سنوات الأخيرة نسيت في بعض الأحيان أن بي علة، وكنت فيها في توازن عقلي ونفسي، لكن للأسف لا تطول هذه المدة.
أحب ذكر أن سبب كل هذا وسوسة صغيرة تطورت إلى ما أنا فيه.
أشكركم سيدي جزيل الشكر، على اتساع صدركم لي، وصدقني إن قلت لكم أن أملي في الله وفيكم كبير، وتشبثي بالحياة وفي رد دين علي وهو إسعاد والدتي ورد جميلها وكفاحها معي وأكبر من كل شيء وتأكدوا سيدي أن نصائحكم وتعليماتكم وحتى أسئلتكم، سأتبعها وسأجيب عنها من أجل الوصول إلى بر الأمان إن شاء المولى عز وجل؛ وأتمنى استحمال العذاب، على أن لا أظهره لأمي؛ لكي لا تعيش في همي ويؤثر هذا في صحتها.
أنتظر ردكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
12/01/2012
رد المستشار
الأخ العزيز، شكرا لاتصالك بالموقع.
هنالك الكثير من المصطلحات التي تستعمل للتعبير عن حالتك المرضية ويمكن جمعها سوية تحت مظلة اضطرابات قلة الدافعية أو ضعف التحفيز الذاتي Disorders of Diminished Motivation، وهذه الاضطرابات يمكن تصنيفها هرمياً من الأقل شيوعاً إلى الأكثر شيوعا كما يلي:
1- اضطرابات عضوية لأمراض دماغية وغير دماغية متعددة. لكن حالتك بدأت من عمر 18 عاماً ولا تزال كما هي لمدة عشر سنوات ولذلك يمكن شطب هذا الاحتمال. هنالك البعض ممن يتعاطى الحشيش Hashish ولو بجرعات صغيرة تراهم يشتكون من هذه الحالة. البعض لهم مشاكل في النوم من جراء السمنة مما يؤدي إلى الخمول أثناء النهار.
2- اضطرابات الفصام أو الشيزوفرانيا Schizophrenia وما يشابهها وبالطبع لا وجود في رسالتك لأعراض هذا المرض ويمكن شطبه.
3- اضطرابات المزاج وتتصف بنوبات تستمر بضعة أشهر من الاكتئاب أو الهوس. في بعض الأحيان يكون الاكتئاب مزمناً وأعراضه غير واضحة التفاصيل ويطلق عليه الاكتئاب المزمن. وهذا الاحتمال وارد في حالتك.
4- اضطرابات عصابية أو ما تسمى حديثاً اضطرابات استيعابية Internalizing Disorders وتشمل أعراض كآبة وقلق وخوف ووسواس.
5- اضطرابات الشخصية مثل ما يسمى بالشخصية الاتكالية Dependent Personality وهي ناتجة عن مشاكل نفسية مزمنة متأصلة في شخصية الإنسان.
وبصراحة فإن وصفك للحالة يعكس اضطرابا في الشخصية أي التشخيص الأخير، ولكني أيضاً أميل إلى الاحتمال الثالث من وجهة نظر علاجية.
لا تهدر مالك ووقتك في عمل فحوص لا نهاية لها وابدأ بالعلاج تحت إشراف طبيب نفساني.
أقترح:
1- عليك باستعمال عقار للكآبة من صنف الم.ا.س.ن SNRI مثل الدلوكستين Duloxietine وبجرعة 60 مغم. وعليك أن تستمر بالعلاج لفترة ولا تتوقع المعجزات بسرعة.
2- عليك بالإقلاع عن تعاطي أي مادة كيمائية ذات تأثير نفساني مثل الحشيش وغيره.
3- عليك بتنظيم دورتك اليومية مثل الذهاب للنوم قبل منتصف الليل ومغادرة الفراش الساعة 7 صباحاً وعدم النوم أثناء النهار مهما حدث.
4- تنظيم الطعام والمحافظة على الوزن.
5- عمل فعاليات رياضية يومياً رغم كل شيء وإن لم تستطع ذلك فالمشي لمدة ساعة يومياً.
6- الإقلاع عن الشاي والقهوة ليلاً.
7- العمل حتى وإن كان عملاً خيرياً.
السحر لا وجود له.
حالتك ليس بالنادرة كما تظن وهي شائعة بعض الشيء، ولكنها تحتاج إلى عزيمة مثل الرجل الذي يدخل ميدان ركض مسافة طويلة. السباق صعب وبطئ ولكن العدَاء يعلم أن هناك نهاية وإن كان قوي العزيمة فلا يقبل بغير الفوز.
* ويضيف د. وائل أبو هندي الابن العزيز "محسن" أهلا وسهلا بك، ليست لدي إضافة يا ولدي بعد ما تفضل مجيبك الرائع أ.د سُداد جُواد التميمي فشرح لك وفصل فكان الطبيب العالم والأب الفاضل، فقط أردت أن أنوه إلى أن قول د. سداد المقتضب: السحر لا وجود له.... في رده عليك إنما يقصد به -غالبا والله أعلم- أن لا وجود له في حالتك التي هي حالة مرضية طبنفسية.... نفذ يا ولدي نصائح د. سداد كلها ثم تابعنا بأخبارك وأنت أكثر إحسانا مما أنت الآن "محسن"!