اأحياء الموتى: إلتباسات القهر، وقفزات الغباء
لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتاة أبلغ من العمر 26 سنة، مقيمة في إحدى دول الخليج وأعتبر لاجئة لوضع بلدي السياسي الذي ليس له حل.
سوف أبدأ بعرض مشكلتي من البداية، أنا فتاة الوسطى بين إخوتي وأخواتي كنت أعاني منذ صغري بمقارنة الأهل بين جمالي وجمال أخواتي وإلى الآن ما أزال أقيم على أني الأبشع لأني سمراء بالنسبة لهن وما زال الناس حتى عمري هذا يتكلمون علي.
لقد كانت مراهقتي وطفولتي بالنسبة لي ولأخوتي مراهقة وطفولة تملؤها الكثير من مشاكل أبي وأمي -للعلم أبي وأمي تزوجا عن حب وإلى اليوم أمي تدعو على السيدة التي عرفتها بأبي- وطبعا منذ صغرنا لم نرَ أي حب من الطرفين فقد كانا وما زالا كثيري المشاكل غير أن أبي يضرب أمي لدرجة أن تنزف دما وأمام الناس، للأسف أبي شخصيته أقل ما يقال عنها أنها شخصية نرجسية ولو أردت أن أشرح ما هي مشاكلنا مع أبي وأمي فلن تكفيني السطور، حينما أسترجع بذاكرتي ذكريات الطفولة الكئيبة أكرهها بل أمقتها بشدة وللأسف مشاكلهم أثرت علينا جميعا من الناحية النفسية والاجتماعية فأبي لم يحفظ كرامتنا أمام أهله أو كرامة أمي بل أني لا أستطيع أن أنسى كيف أنه كان يعايرها بفقرها وبأن حياتها الاجتماعية لا تطول لحياته الاجتماعية مع أنه لو نظرنا بعين محايدة فإني أرى بأن العائلتين لا تخلوان من المشاكل وأفيدكم علماً بأن أهل أمي لا يعيشون في نفس البلد التي نعيش بها، وبأن أمي بصعوبة شديدة تستطيع أن تذهب لأهلها وذلك لظروفنا السياسية كما ذكرت سابقا.
لا أذكر وما زلت لا أعيش أي استقرار نفسي في منزلنا منذ أن كنا صغارا، كان أبي وما يزال يملي علينا حياتنا ويسيرها كيفما يشاء طبعا ستتساءلون كيف عرفنا بأن أبي وأمي تزوجا عن حب، أقول طبعا لم يذكر أبي وأمي ذلك أبداً، بل كانا يخفيان ذلك وعرفنا عن طريق عماتي وخالاتي، للأسف ما زلنا نعيش حياة لا يوجد فيها استقرار فنحن دائما ما نستيقظ لنجد أبي يضرب أمي أو أنهما يتشاجران ونقف نحن في النصف لنوقف الشجارات ولكننا للأسف تعبنا جدا وأرهقنا من تحمل المسؤولية منذ صغرنا لدرجة أننا نشعر بأننا نفكر أكبر من عمرنا.
كانت مراهقتي مراهقة متعبة، فأنا كنت ضعيفة الشخصية ولا أعرف أن أرد على من يعايرني بأني الأقل جمالا لأن أبي بنفسه كان يعيب علينا أمامهم، وطبعا كان يمنع عنا أن نرد على الناس وذلك لأنه من العيب أن تردي على أناس أكبر منك، وأفيدكم علماً بأن هذا كثيرا ما كان يؤثر على نفسيتي فكنت أضعف من إخوتي في مستواي الدراسي فلم أكن الأولى على صفي وإنما كنت من العشر الأوائل وهذا بالطبع لا يعجب.
أبي حينما اقتربت من التوجيهي قررت بأني سوف أتغير، سوف أكون أقوى بمساعدة رب العالمين ثم بمساعدة بعض المجلات التي كانت ترفع من معنوياتي التي كنت أقرأها دائما بعد أن تخرجت بمجموع عالي التحقت بكلية من كليات القمة -والحمد لله- وتفوقت جدا بعكس توقعات والدي الذي كان دائما يتوعد بأني لو لم أحقق نجاحاً فإنه لن يجعلني أكمل تعليمي. أخذت عهدا على نفسي بأني سوف أتفوق لأثبت نفسي أمام نفسي أولاً وأمام أبي والناس وطبعا لأني ما كنت مثل الفتيات اللاتي في عمري فلم يأتي أي شاب ليبدي إعجابه بي وذلك لأني كنت جدية ولا أسمح لنفسي بأن أكون علاقات عابرة ليموت فيها قلبي ولكن هذه المشكلة أثرت في بشكل كبير فلم أكن مثل أخواتي اللاتي كان الناس يخطبونهن منذ أن كن في الثانوي أو أن هناك شبابا معجبين بهن في الجامعة.
كنت أعاني وأبكي لأني مختلفة أنا أعرف بأنه ليس شيء ممدوح ولكني أود أن أشعر بأني مرغوبة من الجنس الآخر كنت دائما أقول بيني وبين نفسي هل أنا بهذا السوء لدرجة أنه لا توجد أم في هذه الحياة ترتضي بي زوجة لابنها، وهل لهذه الدرجة لا يوجد شاب واحد معجب بي ويتمناني زوجة له، كنت أدعو وأدعو ربي أن يرزقني الزوج الصالح الذي يأتي مثل ما أتمنى، وفي آخر سنة لدراستي الجامعية كنت قد غيرت القليل من أسلوبي فأصبحت أتحدث مع زملائي وطبعا في حدود الأدب وحدود الدراسة فقط وفي آخر أشهر تكلم معي واحد من أفضل الشباب المعروف بأدبه وأخلاقه والمشهود بتفوقه في كل القسم الذي أدرس فيه، وقد قال لي بأني أود أن أتقرب لك لأني أنوي بإذن الله أن أتزوجك سألته هل أهلك موافقين على هذا الموضوع؟
قال لي أنا شاب ولست فتاة كي يجبرني أهلي على عدم الزواج بمن أرغب، بصراحة لم تسعني الأرض كنت فرحة جدا لدرجة أني أخبرت أخي بالموضوع، لم تكن تسعني الأرض قضيت أجمل أيام معه تعرفت عليه شيئا فشيئا كان حبيبي راقيا في تعامله معي لم أجد في حياتي رجلا يحترمني ويقدرني بهذه الطريقة، وبعد ثلاث أشهر صارحته بحبي له، انتهت السنة وذهب كلانا إلى أهله فاتح مع والده الموضوع وقد قال له والده لا مانع عندي مع العلم أنه ليس لاجئا مثلي بل يحمل جنسيتين وهذا ما كنت أتمناه من ربي وحققه لي.
أحببته وكان وما زال حب حياتي الأول والأخير، صحيح كانت بيننا بعض الخلافات مثل أي اثنين ولكن كنا على وفاق، جاءت الصدمة الكبرى بعد أن فاتح والدته بالموضوع وهنا لم توافق والدته لدرجة أنه أغمي عليه وأدخل المستشفى ولكنها لم تبالي ولم تهتم حتى أنها لم تزره ولم يحرك في قلبها أي مشاعر تجاهه ولم يبدِ والده أي اعتراض، في هذه الفترة استمر حبنا خمس سنوات كانت نيتنا الزواج ويعلم الله أننا لم يكن في اعتبارنا شيء غير الزواج.
هو الآن في عمر 28 سنة هو أكبر مني بسنتين، لم يوافق أهله لأني لاجئة ولأني بحكم دراستي واجتهادي أود أن أعمل ولأني أصغر منه بسنتين فقط، هذه هي أسبابهم التي لا أجد لها تبريرا حيث أني بعد أن أتزوجه يمكن أن أحصل على الجنسية التي يحملها ولكن بسببهم أني بالرغم من هذا لن أستطيع أن أدخل للبلد الذي هم منه أساسا، هذه هي أسبابهم.
تركنا بعض أكثر من مرة ولكن لم يستمر ذلك لأن تعلقنا في بعض لم يكن بدافع الحب، يعلم الله بأني لم أفعل مثلما تفعل صديقاتي تكلم شبابا ثم تتزوج بآخر لمجرد التغيير أو اللعب لم أكلم شابا غيره في حياتي وهو كذلك، حاولت أن أنساه كثيرا لم أستطع في الفترة التي تركنا بعض خطبت ولكني لم أرَ غيره أمامي، كنت أقارن الخطيب به بأخلاقه بتعامله معي باحترامه لي، ولكن لم أستطع، كنت قبل تقدم أي عريس على الطريقة التقليدية أفكر به أدعو ربي أن يجمعني به، لقد نسيت كلام وشماتة الناس بي منذ صغري، كنت معه وكأني ملكة حاول كثيرا أن يدخل أهله وإخوته في الموضوع ولكن حتى أباه أصبح يوافق أمه في الرأي.
تعبت حقا لا أعرف ماذا أفعل قلبي ينزف ألماً أنا لست صغيرة لا أعرف إن كان هذا الشاب يناسبني أم لا وأنا الآن أشتغل ويوجد معي زميل ويبدي اهتمامه بي ولكني ما زلت لا أرى غيره، أتمنى الموت قبل أن أرتبط بأي إنسان غيره حقا لأني لن أعرف أن أفصل في هذه الحالة بينه وبين أي رجل آخر.
أكتب والألم يعتصرني لأني لم أحبه بقلبي فقط ولكن أحبه بعقلي وباقتناع شديد أدعو ربي أن يجمعني فيه بالحلال قريبا كي يطمئن قلبي ويرتاح من الألم الذي يعتصره، للأسف حتى أبي وأمي لا يهتمان غير بأنفسهما حتى وإن تقدم عريس وفي يوم الشوفة فإنه ما يلبث أن يتصارعا أمام الناس كرهتهم حقا وأتمنى أن أموت وأرتاح من العذاب الذي أشعر به.
الشيء الوحيد الذي أحببته بصدق الشيء الوحيد الذي جعلني أشعر بأني إنسانة وأنثى، ذهب وليس هناك أمل في رجوعه فهو قد قرر بأن لا أمل في أهله بعد كل هذه السنين وأنه لا يريد أن يربطني به ويمنع ارتباطي بأي رجل آخر سوف تتساءلون لماذا لا تعطي نفسك فرصة، أنا سوف أشرح أسبابي وأود منكم الحكم، أولا لم يتقدم لي حتى الآن شخص أقتنع به عقليا، ثانيا أبي ليس له علاقات مع الناس وعندما أقول ليس له علاقات فإني أصدق القول بأن أبي لا يعرف أحداً، ثالثا أبي وأمي يتصارعان أمام الناس ليثبت كل واحد نفسه أمام الناس، رابعا أبي لا يحفظ كرامتي أمام العريس المتقدم حيث أنه كل مرة يقول للعريس بأني أود الزواج لذلك لم التحق بكلية الطب، ويقول له انظر لها انظر جيدا.
أمي كثيرة الشكوى دائما بسبب أبي الذي حرمها من كل شيء وأنا أسمع دائما وأسمع وأسكت، أحاول أن أصلح بينهم ولكن لا مجال أبي يكثر الطلبات ولا يكف عن إيذائنا نفسيا وجسديا حتى عمرنا هذا، فنحن حتى يومنا هذا يضربنا والدي العزيز على أتفه الأسباب حقا.
أنا الآن أود أن يرحمني ربي من هذا العذاب كله فأنا لست ككل الفتيات تأخرت في الزواج وتأخرت حتى استطعت الحصول على العمل مع أني متفوقة بشهادة الجميع ولكني عملت بعد سنتين على تخرجي مما زاد آلامي وتعبي وتركني حبيبي لأنه لا يجد بعد الخمس سنين أملا في أهله، ماذا أفعل؟
أكتب والدموع في تحرق وجهي أتمنى من الله أن يفرج نفسي، أتساءل لماذا أنا التي يحصل معي كل هذا وصديقاتي اللاتي لعبن مع الشباب قد تزوجن وأنا التي أود العفاف لم أتزوج حتى الآن، الجميع عندي في العمل متزوجات ومصاحبات لماذا يحصل معي هكذا؟
أرجوكم ساعدوني، وأرجو أن تجيبوا علي بسرعة لأني أحترق من داخلي، أخاف أن أتزوج من أحب لأصبح مثل أبي وأمي خاصة أنه يسكن في دولة خليجية أخرى.
أبي لم يدمر حياتي فقط بل حتى أنه دمر حياة إخوتي وأخواتي فأختي التي تكبرني تزوجت أحد أقاربنا بالغصب وهاهي الآن مطلقة لأن زوجها يعايرها بأبي، فلماذا تود الحياة السعيدة وكانت في جحيم، وكذلك أختي الثانية نفس الشيء فدائما ما تسمع نفس الكلام من حماتها، للعلم بأن الجميع يعرف بوضع أبي وأمي فهما كل واحد ينام في غرفة منفصلة ولا يتكلموا مع بعض إلا للأوامر من جهة أبي أو الطلبات من جهة أمي.
أخاف أن أصبح مثلهم أخاف أن لا أتزوج فأرتكب المعاصي، أخاف على نفسي من أن لا أكون سعيدة في زواجي مثل أمي، أخاف كثيرا من المستقبل ولست متفائلة أبدا لأني عندما أتفاءل يحصل عكس ما أتمنى، ماذا أفعل؟ أنا حقا متعبة ومرهقة، طلب أخير أود أن تجاوبوا على سؤالي وأن لا تنشروه على الموقع خشية أن يعرفني أحد.
27/04/2012
رد المستشار
تقوم سياسة موقعنا هذا على إتاحة الفرصة للزوار أن يتشاركوا الهموم إما بالكتابة إلينا، أو بالإطلاع على تجارب الآخرين، بالتالي فإن الأصل الدائم هو نشر الرسائل لا حجبها.
قصتك تصف الحياة التي تعيشها فتيات عربيات كثيرات، ودعينا معا، ومعنا القراء، نقلب في تفاصيل سطورك.
نحن نعيش في بيئة اجتماعية تنظر للإنسان، وبخاصة المرأة، من خلال محددات ثابتة وفاسدة، لكنها تكاد تكون مزمنة، ولا ينهض لمواجهة وتفكيك هذا الظلم أحد، ونحصد جميعا –بعد ذلك– نتائج السكوت والتخارس عن مخالفة الجموع، وما استقر في أذهانهم، وممارستهم من أباطيل، وقد تناولت هذه المساحة كثيرا في إجابات سابقة طوال اثني عشر عاما مرت منذ أن بدأت أرد على رسائلكم على الإنترنت!!! وأقصد هنا النظر إلى المرأة وتقييمها بمعايير شكلية أو سطحية غالبا!! وبعضنا محض مجرمين ومجرمات مطلقي السراح، ثم هم يظهرون في وقائع الحياة في دور آباء، أو هم معلمون، أو حماة أمن (ضباط)، أو تظهر النساء في دور أمهات، معلمات، مربيات، موجهات ناصحات، بينما من يقدم أو تقدم المواعظ مفتقرين ومفتقرات إلى أبسط بديهيات التكوين الإنساني السوي، وإنما "هم" و"هن" مجرد كائنات منهكة، مضغوطة ومشوهة... تعيد إنتاج قيمها المختلة، وبؤسها جيلا بعد جيل، ولا يمكن وقف هذه العمليات الجهنمية التعسة إلا بأن نأخذ زمام حياتنا بأيدينا، ونوقف هذا الانهيار في مساحاتنا الخاصة، حتى قبل أن نطمح إلى تغيير عام!!!
أعتمد على وصفك، ورؤيتك، وتقييمك حيث لا تتوافر لدي أية مصادر يمكنني عبرها مراجعة وتدقيق آراءك حول أهلك، وحياتك، ولا أستبعد وجود شيء مما تصفين، فأنا أعرف هذه التشوهات، وأعرف وجودها في حالات كثيرة!!!
لكن تعالي نتساءل: ماذا عنك أنت؟! أحكامك ومعتقداتك إذا كان أهلك والناس يحكمون عليك بناءا على لون بشرتك، وشكل خلقتك، فهل تتصورين أنت نفسك طبقا لمحددات أخرى؟! هل تحبين ما أنت عليه من شكل، ومن تفوق دراسي، وغير ذلك، مما هو أنت؟!! هل تحبين نفسك أصلا؟!!
وإذا كانت صعوبة ظروفكم السياسية قد ساهمت في تسميم نفس أبيك وأمك، وتشويه علاقتها ببعضهما، وبكم، إلى أي مدى منتبهة أنت إلى أن ظروفك السياسية أفضل من غيرك، ممن لا يملكون أية أوراق، ولا أية وضعية مواطنية، أو حتى وضع لجوء؟! وهؤلاء بالملايين حول العالم عربا وعجما!!!
ما هو الفارق لديك إذا كان أبيك قد تزوج أمك عن حب، أو عن كره، أو زواج عادي مرتب مثل أغلب العرب؟!!
وماذا استطعت تغييره بالتركيز على محاولة فهم ديناميات العلاقة، أو الاستسلام للتأثر بوقائع الشقاق والصراع بينهما؟!! ماذا يفيدك التركيز على الحسرة بشأن علاقتهما؟!!
في مواجهة الخوف والتهديدات، وهي موجودة في حالتكم، ينكمش البشر، ويتشوهون، ويلجئون إلى نوع من النرجسية الحمائية، وإزاحة العدوان الواقع عليهم ليصدر عنهم نوع من العدوان نحسبه أصيلا نابعا منهم، بينما هو محض عدوان مزاح مما يقع عليهم، ومما يختزنون!!! ومما فشلوا في التخفيف منه!! وإذا كنا سنحكم على أمثال أبيك وأمك بالانهيار تحت وطأة الضغوط، وعدم القدرة على إنتاج استجابات حكيمة ومتوازنة، وإدارة ذات كفاءة للأزمات التي ربما تواجه تأمين حياتكم في أوضاعها الصعبة
أقول: إذا وصلنا إلى حكم بالإدانة على ناتج تفاعلهم مع البيئة التي يعيشون فيها، فماذا عن تفاعلك أنت مع نفس البيئة؟!!
الاختيار كان وما يزال وسيظل لك وحدك، فأنت تقررين حجم تأثير هذه البيئة على نفسيتك، ورأيت كيف أنك قررت التحدي، ونجحت، وهو ما يمكن أن يكون دائما، كما يمكنك أن تقرري باختيارك الاستسلام لرؤية المحيطين لك بوصفك "بشعة"، وبالتالي "فاشلة"، إلى آخر الحماقات المحيطة بك!!!
وأنت حين أردت التماسك، وتنمية قدراتك استطعت هذا، وفي ظروف صعبة للغاية، فكيف يمكنك الحفاظ على هذه الطاقة الرائعة، وكيف يمكنك مضاعفتها، واستثمارها؟!!
كيف يمكنك تصحيح نظرتك إلى ما حولك من "ضغوط" لتصبح "محفزات"، كما حصل منك أحيانا؟!! وكيف تعدلين نظرتك لنفسك وقدراتك؟! كيف تستثمرين التحمل المبكر للمسئولية مثلا بوصفه فرصة إيجابية ساهمت في إنضاجك مقارنة بالمحرومين منها، الذين يعيشون عالة كاملة على أسرهم، فلا تحديات، ولا خبرات، ولا تجارب!!!
كيف تتحول الضغوط إلى محفزات وتحديات تنبيه للحواس والقدرات الإبداعية فنتحرك أفضل، ونبدع، وننتج، ونتميز؟!!
الاختيار لنا أولا وأخرا... ونحن وحدنا نختار نقاط التركيز، ومحاور الاهتمام، وأسماء الأشياء، وردود الأفعال، والاستجابة بالنشاط والتماسك والمتانة، أو الاستجابة بالاستسلام والعزلة والهزيمة النفسية!!!
وأعجب، وتأملي معي سلوكك فيما يخص الشباب، فأنت كنت لا تتحدثين مع زملائك، وتعتبرين هذا الانقطاع أفضل لك، حتى لا تكوني "علاقة عابرة يموت فيها قلبك"... هكذا تتصورين، وأنت –مثل غيرك– حرة في تصوراتك، منهن من تختار عدم المخالطة مطلقا، أو المخالطة بلا ضوابط، أو المخالطة مع التزام آدابها المقررة شرعا، وحتى لا يكرر بعضهم السؤال المزمن عن وجهة نظري، أو حتى ما اعتقده في هذا الموضوع أحيلكم مرة جديدة إلى موسوعة "تحرير المرأة في عصر الرسالة" تصنيف وشرح الأستاذ عبد الحليم أبو شقة –رحمه الله– وفيها استعراض مطول وافٍ عن هذه الآداب، وغيرها مما يلزم ويضبط هذه المساحة، إن شاء الله.
أنت اخترت عدم المخالطة، وأنت حرة في ذلك، لكن هل يمكن أن تقولي لي بربك: كيف تشتكين مع نفس ذات الاختيار من أن أحدا من الشباب لم يعجب بك ليحقق لك احتياجك الفطري بأن تكوني مرغوبة من الجنس الآخر؟!!
قولي لي بربك كيف أفهم هذا التناقض العجيب المدهش، والمتكرر عند بعض الفتيات!!
أغلبية الفتيات عاريات من ناحية الشكل، وفي كل مجتمع فإن صارخات الجمال لا تتعدى نسبتهن 5% في أحسن تقدير، أما العاديات فكيف يعجب بهن أحد إذا كان شكلهن "عادي"، وهن قد حجبن شخصيتهن عن الرجال باختيار "عدم المخالطة"؟!! كيف بربك؟!!
ثم بعد هذا التناقض الفادح تذهبين في قفزة أخرى إلى السؤال عجيب: كيف لا توجد أم في هذه الحياة ترتضي بك زوجة لابنها؟!!
أهلا وسهلا!!! وكيف يمكن أن تكتشف أي أم أنك تصلحين لابنها إذا كانت عائلتك كما تصفين "مشكلجية"، وشكلك عادي (مثل الأغلبية) كما تصفين، وكنت تعزلين نفسك عن محيطك؟! كيف سيصل إليك الاكتشاف إذن؟! ربما بتسخير الجن، أو التنجيم؟!! أتحدث إليك مشفقا ومتفاعلا، وأنا أخاطب عبرك ملايين البنات اللائي يعشن نفس التناقض، ويقتلهن الألم والحسرة، بينما العلة هي الغباء!!!
وتحمليني إذا انتقلنا سويا إلى غباء آخر شائع ومنتشر، ومؤلم، حين تنتقل الفتاة إلى معتقد آخر أخرق، وقيد تسجن فيه مشاعرها بنفسها، ومنطق بائس، وكأن حياتها تتحمل المزيد من البؤس!!!
الفكرة المدمرة القائلة "هذا هو، الرجل، وفقط"، ولا أعرف رجلا يستحق هذا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما حرم الله سبحانه الزواج على أمهات المؤمنين من بعده حتى لا يقعن في فخ المقارنة بينه وبين الزوج الجديد، وربما الأهم: حتى لا يطلع أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم على سريرة هؤلاء الزوجات الطاهرات، وتبقى المنزلة والمكانة السامية، كثير منهن -كما وصلنا- لم تكن صارخة الجمال الشكلي "رضي الله عنهن"، وآل بيت المصطفى أجمعين!!!
خلاصة الأمر أن اختيارك بأن "هذا وحده هو من يفهمني، ومن يصلح لي" هو محض اختيار طوعي حر تحولينه في قفزة ذهنية بهلوانية إلى قدر لا فكاك منه!!! "هذا الرجل، وفقط"!!! وطبعا أنت حرة في اختياراتك، لكن كيف تشتكين من الألم؟!! ألم القيد الذي تقيدين به نفسك بنفسك!!! وباختيارك!!! ما هو المانع المنطقي العملي الذي يمنع شابا آخرا من الإعجاب بك، أو التقرب منك؟! أو يحترمك؟! ويقدرك؟! وأنت تستحقين هذا مرة، ومرات.
لا يوجد أي مانع منطقي ولا عقلي، ومن حقك طبعا أن ترفضي كلامي، وتصرين على منطقك العجيب: هذا، وفقط!! ولا أجد عندي أي حماس لأكرر على مسامعك نقد التخلف العربي في شأن الزواج، وتدخل العائلات في تحديد الزيجات المقبولة اجتماعيا، وغير المقبول استنادا إلى اعتبارات بعضها مفهوم، وبعضها أخرق تماما، وظالم، وغير متوازن!! والتعاسة الشائعة التي نعيشها في بيوتنا لم تأت من فراغ!! هي بعض حصاد الغباء وسوء التدبير، والإدارة في شأن الزواج، وبناء الأسرة!!!
هذا حائط صخري لا أنوي ضرب رأسي أو رأسك به... وتعرفين ربما طرقا من توسيط شخصيات ذات تأثير على عائلة هذا الشاب، وغير ذلك من السبل والطرق التي يمكنها حلحلة الأمر، وربما تكونين قد استنفذتها بالفعل، وربما تحتاج منك إلى إبداع، ومزيد محاولات!!!
طبعا أنا أضحك حين أقرأ قولك أن سنك قد كبرت، ولم تتزوجي!! وأتذكر قرابة العشرة ملايين فتاة مصرية... وزيادة، فوق سن الثلاثين دون زواج!!! والأمور نسبية من محيط إلى محيط!!
قفزة بهلوانية أخرى شائعة أشكرك على تذكيرنا بها، وهي المنطق الأبله الذي يقول ما يلي: لماذا أنا الفاضلة المحترمة، وأود العفاف لم أتزوج حتى الآن، بينما البنات العابثات قد تزوجن؟!
وأذكرك أن أحدا لم يجبرك على أن تكوني غير عابثة، وممكن من اليوم أن تجربي العبث!!!
أنت حرة يا فتاتي... تختارين ما يحلو لك تماما، وأنا فقط أذكرك بفساد منطقك لأن هناك أيضا فتيات فضليات كثيرات بعضهن متزوجات، وبعضهن لم تتزوج بعد، وبعضهن أكبر منك سنا بكثير، وهناك أيضا فتيات عابثات لم يتزوجن، وهناك من تزوجن وفشلن.. وهناك كل الأصناف، ومن فساد المنطق، واعوجاج التفكير أن تقفزي هذه القفزة البهلوانية لأن أي منطق سليم لا يمكنه أن يربط الأمور بطريقة: "اعبثي تتزوجي"، واطلبي العفاف لن يأتي لك!!!
وربما تتأملين أكثر في حالتك لتكتشفي أن عدم زواجك يرجع لعدة أسباب –ذكرنا بعضها في كلامنا المتقدم– وأسباب أخرى أهم، وأوضح، وأكثر تأثيرا من اعتقادك الخاطئ، والشائع عند كثيرات للأسف، والغباء يحكمنا، من أن العفيفة لا تتزوج، والعابثة حظها أوفر!! إنه مثل القالب اللفظي والعقلي الغبي الذي يقول ويشيع مثلا: أن المرأة التي تتعلم، وربما تعمل، إنما تفعل هذا لتعويض نقص في شخصيتها، أو ظروف حياتها، وبالتالي يستكمل بقية القالب الغبي بالقول أن الجميلات غالبا لا عقل لهن، وغبيات، ولا قدرة لديهن على التحصيل الدراسي، ولا التميز في العمل!! فما رأيك؟! هل كل متواضعة الشكل تتعلم وتتفوق وتعمل في وظيفة جيدة؟! وكل صارخة الجمال هي بالضرورة غبية ومتأخرة دراسيا وعمليا!!! حتى نقول: العابثة تتزوج، والعفيفة تتأخر؟!!
هل الله – بناءا على ما تقدم - هو من يعذبك أم أنك تعذبين نفسك بأفكار، وغباءات ربما لا تكونين على وعي بمدى فداحتها وتأثيرها عليك، وعلى حياتك؟!!
خطورة نمط تفكيرك القائل بالتعاسة، والبشر المكتوب عليهم أقدار العذاب أنه يشل القدرات، ويقعد بك عن تحدي الظروف، والتميز، والانتقال من نجاح إلى نجاح ركونا إلى منطق: لماذا يحصل معي؟!! بدلا من منطق كيف يمكنني أن أتجاوز هذا، أو ذاك، أو أتغلب عليه؟!!
أنت تختارين موقف الخوف من العنوسة، ومن المعاصي، وعلى المستقبل، وبالتالي التشاؤم والانقباط... أو تختارين موقف الحركة والمبادرة ومحاولة حل المشكلات وتجاوز العقبات!!!
أنت تختارين أن تعتبري العالم هو مجرد بيت أسرتك، وتشوهات أبيك وأمك، وشكلك العادي!!!
أو أن يتسع العالم الخاص بك ليشمل أشياءً أخرى جميلة لديك بالفعل، وأشياءً أجمل يمكنك تحقيقها!! وعوالم رائعة يمكنك الانفتاح عليها!!
أنت وحدك تختارين حبيبك، وتختارين مصيرك!!!
وقد تختارين مثلا أن تغادري بيت أسرتك، وتعدين العدة للهجرة خارج القطر الذي تعيشن فيه أصلا... إن شئت، وربما تختارين الاستمرار في الشكوى من "الأقدار" التي "يعذبك" بها ربك!!! أو تختارين سبيلا، أو سبلا أخرى تقررين أنها الأنسب لك!!!
ويا إلهي العظيم الكريم الرحمن الرحيم خلقت لنا عقولا عطلناها، وقدرات رائعة تواطأ أهلونا، وأكملنا نحن على اختيارهم بتشويه العظمة التي خلقتنا عليها!! ثم ذهبنا نسخط، ونلومك يا إلهي، ونسمي غباءنا وتجلياته وكأنه سخط منك، وتعذيب!!!
ونسمي استسلامنا للغباء من حولنا قدرا لا فكاك منه، ونتعب أنفسنا بأنفسنا ثم ننادي ارحمنا، وأنت يا إلهي رحيم، ولكننا نحن لا نرحم أنفسنا من غبائنا، ولا نتحرك لنتخلص من غباء المحيطين بنا، ونترك لهم التأثير علينا!!!
يا إلهي رحماك... لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا... وكم من الأخطاء نرتكبها باسمك!!!
التعليق: "نحن نعيش في بيئة اجتماعية تنظر للإنسان، وبخاصة المرأة، من خلال محددات ثابتة وفاسدة، لكنها تكاد تكون مزمنة، ولا ينهض لمواجهة وتفكيك هذا الظلم أحد، ونحصد جميعا –بعد ذلك– نتائج السكوت والتخارس عن مخالفة الجموع، وما استقر في أذهانهم، وممارستهم من أباطيل، وقد تناولت هذه المساحة كثيرا في إجابات سابقة طوال اثني عشر عاما مرت منذ أن بدأت أرد على رسائلكم على الإنترنت"
إذا كان الأمر بهذه الخطورة، إذ أن أسلوب الحياة، هو عبارة عن مصير الإنسان، فهل تم نقاشه مع الجهات المعنية، ومنها علماء الدين، والمشايخ، الذين بغير قصد منهم، قد يصدر منهم بعص الأمور التي تعقد الإنسان، وتحول حياته جحيما والتي لا صلة لها بالدين.
ثم أني متأكد أن هناك من المشايخ والعلماء من يخالف الدكتور أحمد في رؤيته، وكم أحببت أن تكون مناظرة بين الجهتين، ليتبين للناس الكثير من الأمور الغامضة.