آثار تحرش جنسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, أنا فتاة مسلمة ولله الحمد، عمري 21 سنة، أدرس بكلية الهندسة، لقد قررت أن أكتب لكم بعد تردد طويل لعلي أجد جوابا مقنعا وعلاجا لما أنا فيه. أنا الابنة الكبرى في عائلتي، أسرتي جد عادية، أب متسلط قليلا وأم لا تقصر شيئا في حقنا.
مشكلتي بدأت في سن 15 عندما تحرش بي أحدهم في التاكسي –بقي ملتصقا بي طول الطريق رغم أن المكان كان واسعا-، صدمت كثيرا ولم أعرف كيف أتصرف، بعدها كثرت التحرشات في الشارع، وفي التاكسي وغيرها، رغم أني متحجبة ولبسي محترم، ولكن عندما كان عمري 16 سنة كان أستاذان يتحرشان بي، الأول درست عنده سنتين السنة الأولى كنت أراه يتحرش بفتيات من قسمنا وكن يحببن ذلك بل ويتفاخرن بذلك ولكن لم يكن يتجرأ علي لأنني فتاة محترمة وصارمة أو هكذا كنت أعتقد، وفي السنة الثانية بدأ فجأة التغزل بي ومحاولته الالتصاق بي وإمساكه بيدي رغم أني كنت أقاوم إلا أنه كان يتمتع بذلك.
الأستاذ الثاني كان تحرشه أقسى على نفسيتي، كان يحدق في كثيرا وكان يطلب مني القيام للسبورة ليحدق في وكان يطلب مني تغير مكاني في الامتحان لطاولات فارغة ليأتي ويلتصق بي من الوراء دون أن يراه أحد، وكان يستغل الفرصة عندما أكون غير منتبهة ليمسكني من ذراعي ويضغط علي كثيرا، كنت أخاف كثيرا منه وكان يستمتع كثيرا بذلك، وبعد محاولات عدة للتهرب منه وإفهامه أني اشمئز منه وأعرف لعبة القذرة، رماني كأنني مجرد خرقة بالية وانتقل للتحرش بفتاة أخرى في قسمنا.
مرت 5 سنوات الآن وما زلت أحمل كرها لا يتصور له، لقد أصبت آنذاك باكتئاب وفكرت في الانتحار وما منعني إلا أنه حرام ونقص وزني بشكل ملحوظ وبدء شعري بالتساقط ذلك بالإضافة إلى مضايقات أخرى, لم أخبر أمي بذلك لأنها ستفزع فقط ولن تستطيع فعل أي شيء، أخبرت صديقتي ولكنها كانت تمل من حديثي بل وكانت تغار مني.
أنا أنظر إلى المرآة دوما لكي أكتشف ما يجذبهم نحوي ولا أرى سوى فتاة عادية لا تتميز بجمال خاص، أخبرتني صديقتي أن الجمال شيء والإثارة شيء آخر، هل هي على حق؟! كنت أعتقد أن حجابي ولباسي سيحميني من هؤلاء الكلاب ولكن هيهات هيهات, أصبحت أكره الرجال وأتوتر كثيرا عندما أكون بالقرب من أحدهم، وأظل أراقب كل من حولي خوفا من أن يقوم أحدهم بحركة ما.
أصبحت موسوسة أفسر كل حركة أو كلام بنية خاطئة وأتعامل مع زملائي الذكور في القسم بجفاء وبرود وقسوة مبالغة لدرجة أن أغلبهم لا يتجرأ حتى على محادثتي. بالنسبة للكوابيس لم أكن أتعرض لها في تلك السنة ولكن بعد مرور 3 سنوات بدأت أتعرض لبعض الكوابيس عندما أفكر بالأمر كثيرا، وإلى يومنا هذا أتعرض لنوبات اكتئاب منفصلة وغالبا ما تبدأ عند تعرضي لتحرش جديد ينشط ذكرياتي المؤلمة.
ومشكلة أخرى أعتقد أني أشعر بالإثارة والألم النفسي عند تذكري ما حدث وكأنهما شيء واحد وأدمنت على مشاهدة المسلسلات وقراءة الحوادث التي تتطرق لهذه المواضيع لكي أحس من جديد بنفس الأحاسيس وأحس بغضب عارم وكره شديد نحو كل من سبق له أن تحرش بي، وأتمنى لو أنه لدي الفرصة لأنتقم منهم واحدا تلو الآخر أشد انتقام، مؤخرا أحد زملائي في القسم حاول التقرب مني بجلوسه بجانبي والالتصاق بي ورغم أنني أبعد وهو يقترب وحاول لمس يدي لم أستطع الرد عليه لا أعرف لماذا ولكن في التحرشات التي تعرضت لها سابقا دائما ما أبقى مصدومة وبدون ردة فعل.
المهم من يومها وأنا أخاف منه وأترقب أن يعيدها يحاول أن يظهر اهتمامه وأنا أتجاهله ولكن في الحقيقة أرتعب عندما يقترب مني لدرجة أني رأيته في عدة كوابيس يحاول أن يفرض نفسه علي وأحس الكابوس وكأنه حقيقة. لا أستطيع أن أذهب حاليا لطبيب نفسي ولكن أخطط لذلك بعد حصولي على عمل إن استمريت على نفس الحالة.
هل ما أحس به طبيعي؟ وهل أحتاج لمساعدة نفسية؟. أريد أن أعرف إن كنت سأصبح يوما ما فتاة طبيعية وكيف ذلك؟!. أريد أن أعرف لماذا أنا، وهل لي يد في ما يحصل لي؟ هل أنا السبب وإذا لم أكن فما هو السبب؟!، كيف أستطيع أن أدافع عن نفسي؟, وكيف أتعامل مع زملائي من الجنس الآخر دون أن أظهر كفتاة متعجرفة وقاسية وباردة المشاعر وفي نفس الوقت دون أن أظهر ضعيفة؟
كيف أتخلص من الكوابيس، والاكتئاب، والمشاعر السلبية، والخوف الذي ينتابني عند تذكر هذه المواقف، هل سأجد شخصا يفهمني ويصبر علي ولا يفرض علي شيئا. لأنني أعرف أن الرجال لا يهمهم سوى الجنس.
المشكلة الثانية هي أن أختي ستدرس السنة المقبلة عند نفس الأستاذ وأخاف أن يحصل لها ما حصل معي ولا أعرف ماذا أفعل وحتى إن أخبرتها ما حدث معي أخاف أن تخبر أمي وفي النهاية لن تستطيع حماية نفسها منه. ولا يمكنني أن أقنع أهلي أن يغيروا مدرستها.
أرجو عدم نشر هذه الاستشارة لأن الكثير من معارفي يتصفحون الموقع.
وشكرا جزيلا على هذا الموقع المتميز الذي ساعدني كثيرا في فهم ما يحدث لي.
10/05/2012
رد المستشار
أختي العزيزة، شكراً على استعمالك الموقع وطرحك للأمور بصورة واضحة وكأنك فتاة جالسة على أريكة معالج نفسي تتحدث عن ارتباكها العاطفي. سأطلب من الأستاذ وائل أبو هندي عدم نشر رسالتك.
إن المشكلة التي تطرقت إليها هي مرض اجتماعي ومعالجته هي مسؤولية العديد من مؤسسات الدولة والمجتمع أيضاً. بالطبع مشكلة التحرش الجنسي ليست مشكلة مصرية أو عربية أو إسلامية، وإنما هي شائعة في جميع أنحاء العالم. لكن الحقيقة المؤلمة أنها أكثر شيوعاً في العالم العربي ومن أبشع ما يسمع الإنسان هو إلقاء المسؤولية من بعض السفهاء على ضحايا التحرش الجنسي بدلاً من الجناة. ليس النساء وحدهم عرضة لهذا الاعتداء وإنما يد الجناة تتمدد إلى الذكور أحياناً.
إن وجهة نظرك حول الرجال في العالم العربي سلبية من جراء تكرار عملية التحرش الجنسي. أرجو أن تساعدك الظروف والتجارب الايجابية على تغيير وجهة النظر هذه. الرجال في العالم العربي ليست غايتهم الجنس فقط والغالبية العظمى لهم مشاعر عاطفية وإنسانية نبيلة وما عليك إلا تفحص بعض الاستشارات على موقع مجانين إجابة على استفسارات بعض الرجال تعكس تمسكهم بمن يحبون من النساء.
مشكلة المصطلحات:
تم تنصيف رسالتك بمشكلة وآثار التحرش الجنسي. إن مصطلح التحرش الجنسي Sexual harassment مصطلح غير مقبول في التعامل القانوني والمهني والطبي. يضاف إلى ذلك إن هذه الكلمة تشير إلى إلقاء بعض المسؤولية على ضحايا هذا الفعل المشين. يمكن استعمال المصطلح الأخير مثلاً في مجالات العمل ويمكن التحري عنه عبر لوائح مهنية والتحقيق فيها داخلياً أو من قبل لجنة حيادية خارجية.
أما استعمال هذا المصطلح لوصف ما حدث إليك في مؤسسة تعليمية أو في عمر 15 عاماً من قبل سائق تاكسي فهناك كلمة واحدة لا غير يجب استعمالها وهي الاعتداء الجنسي Sexual assault متى ما استعمل المجتمع هذا المصطلح الأكثر دقة من التحرش فلا تقع المسؤولية إلا على عاتق الجاني وحده. تمر مصر هذه الأيام بثورة تنادي بحقوق بشرية وإنسانية ولا بد من إضافة حقوق نسائية تضمن للمرأة حقها المشروع في أن لا تكون هدفاً لنزوات وتهور الرجال.
إن استعمال مصطلح الاعتداء وتعريفه رسمياً ربما سينبه الجهات الأمنية والاجتماعية على القيام بدورها لمكافحة هذا الوباء المتفشي في جميع طبقات المجتمع. هذه التوعية يجب توجيهها إلى الأطفال والشباب من الإناث الذكور من عمر مبكر للانتباه إلى هذه الاعتداءات وبصراحة وبكل وضوح. يتم ذلك في الكثير من بلاد العالم من عمر 7-8 سنوات في المدارس وهو من مسؤولية قسم خاص في مديرية الأمن والشرطة. يصاحب ذلك وجود خط تليفوني مجاني يمكن لكل طفل استعماله على مستوى القطر للحديث في هذه الأمور. لابد من تشجيع الأطفال كذلك على تجاوز الخوف والقلق في الإفصاح عن تجاربهم وإخبار الجهات المختصة بذلك.
الثقافة الجنسية
هنالك حاجة ماسة إلى ثقافة جنسية تتناول السلوك الجنسي والهوية الجنسية ويجب كذلك بداية هذا التعليم من عمر مبكر وقبل سن العاشرة. السبب في ذلك أن أطفال اليوم يدخلون مرحلة البلوغ الجسدي Physical Maturity منذ عمر مبكر، ولكن هذا البلوغ لا يصاحبه بلوغ عاطفي Emotional Maturity الذي لا يدق على أبواب الإنسان حتى منتصف سنوات المراهقة.
إن التوعية في هذا الأمر يجب أن تمتد إلى العائلة وضرورة كلامهم الصريح مع الأطفال عن الثقافة الجنسية وتنبيههم إلى ظاهرة الاعتداء الجنسي. الأهم من ذلك كله يجب على الأب والأم مساندة الطفل والوقوف بجانبه دون تردد وشروط مسبقة. إن من المؤلم أنك وفي عمر 21 عاماً لا تسمح لك العائلة بصورة غير مباشرة في الحديث عن ما حدث لك.
المسؤولية الاجتماعية
أما على مستوى المجتمع فهناك حاجة ماسة إلى توعية ثقافية من جميع الجهات المدنية والدينية، حكومية كانت أم لا، لمكافحة هذا الوباء. تطرقت في حديثك أن لبس الحجاب لم يمنع الجناة من الاعتداء عليك وهذا صحيح. إن مسألة لبس وزينة المرأة لا تخلو من الإشكال ورد فعل الجمهور أحياناً يعكس بأن الجمهور ذاته هو العلة، يحمل جرثومة يرفض القضاء عليها بلقاح متوفر في كل بيت وعقل إنسان.
الأجوبة:
أعود إلى استفسارك وأقول: عليك بنصيحة أختك أولاً إلى احتمال تعرضها إلى اعتداء جنسي وكيف يجب أن تتصدى للجناة صارخة بأعلى صوتها إن اقتضى الأمر. لا بأس أن تشيري على والديك بأن هناك القبيح من الفعل يحدث في هذه المدرسة ولو سنحت لك الفرصة وعاد الزمن بك إلى الوراء لما دخلت فيها.
أم التخلص من الأعراض النفسية التي تطرقت إليها فهو ممكن وعليك أولا وأخراً الإيمان بقدرتك على تجاوز هذه الصدمات في حياتك. لو سنحت لك الفرصة للكلام مع نساء آخرين تعرضوا لهذه التجربة فسيكون في هذا الشفاء. لا أظن أن هناك بلدا في العالم لا توجد فيه مراكز مجانية توفر لضحايا الاعتداء الجنسي الاستشارة والحديث في هذا الأمر وأظن أن موقع مجانين على علم بهذه المراكز وإمكانية الاتصال بها هاتفياً.
تطرقت في رسالتك إلى فقدان الوزن والكوابيس وسقوط الشعر. هذا ليس بغير بالمألوف في حالات الضغط النفسي ولابد من تنظيم التغذية والمحافظة على وزن طبيعي صحي موازي لتغذية صحية. ربما التغذية بحد ذاتها تؤدي إلى تجاوز الكوابيس والتخلص من سقوط الشعر.
إن لم يحدث ذلك فعليك المواظبة على التمارين الرياضية وتحسين اللياقة الجسدية. هذا الأمر يساعد على تحسن جودة النوم والتخلص من الكوابيس. إن لم يحدث ذلك حاولي أن تكتبي ما يمكن أن تتذكريه عن هذه الكوابيس في اليوم التالي وقراءتها، وبعد أيام ستفقد هذه الكوابيس قيمتها ويتم تصفيتها في وقت الصحوة بدلاً من النوم. بعبارة أخرى أن الأحلام ما هي إلا نتيجة لوظيفة عقلية لكل إنسان ألا وهي تصفية الذكريات، وإن تم تصفية الذكريات في أوقات الوعي يستغني الإنسان عن تصفيتها أثناء النوم.
أخيراً يجب أن تكوني فخورة بنفسك وجمالك وتعطيهما كل الرعاية وتبتعدي عن أي تعبير يعكس عدم الثقة بالنفس.
ومن الله الصبر والتوفيق.
* ويضيف د. وائل أبو هندي الابنة العزيزة أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، ليست لدي إضافة بعد الرد المستفيض الشامل الذي تفضل به مجيبك أستاذنا د. سداد، لكن فقط أعتذر لك عن حجب الرسالة لأن نص إفادتك وما تفضل به مجيبك نصان مفيدان بحق لكثيرين.... حجبنا كل ما قد يدل على شخصيتك وهو أصلا قليل، وهذا ما نستطيع فالسرية مكفولة في العيادات الخاصة وليس على الإنترنت إلا في حالات خاصة تختلف تماما عن الحالات الشائعة كحالتك، أرجو أن تسامحينا واقرئي على مجانين:
جريمة
زنا أم تحرش بالمحارم.. أزمة مفاهيم
كيف تقي نفسك من التحرش الجنسي(2)
بعد التحرش الجنسي: ما هو مصيري؟
التحرش الجنسي بالأطفال
الاستغلال الجنسي للطفلة
من يعلم الجنس لأولادي!؟