تعبت من الوسواس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دكتور، بداية أرجو أن تحظى رسالتي هاته ببعض من وقتكم الثمين راجية منكم سيدي أن تساعدوني لكي أجد حلا لما أمر به مشكورين
أنا فتاة مسلمة أحببت هذا الدين منذ أن وعيت على هذه الدنيا رغم ارتكابي لكثير من الذنوب والمعاصي، أبلغ من العمر 29 سنة عازبة، حياتي تقريبا عادية أنتمي إلى أسرة مترابطة نحب بعضا البعض ونخدم بعضنا البعض بكل حب واحترام,
لكن بدأ كل شيء بالنسبة لي منذ شهر رمضان قبل الماضي حيث أني في بدايته نويت أن أعبد الله فيه كثيرا وأن أعمل الكثير الكثير من الخير وفعلا مر الأسبوع الأول منه على ما يرام، غير أن كل شيء تغير عندما بدأت أنظر إلى السماء وأتساءل من خلق السماء ولماذا خُلقنا وأفكار من هذا القبيل أصبحت الفكرة تلازمني الى درجة أني صرت أنام على هذه الافكار وأستيقظ عليها وأذهب إلى عملي بها حتى وصل بي الأمر إلى أن بدأت أشعر بأني كافرة وفي ذات الوقت تذكرت إحدى معارفنا التي لم تكن تجمعني بها أي صلة والتي قامت بقتل نفسها في رمضان قبل الأخير بسبب معاناتها من الوسواس فانضافت هذه الفكرة الخبيثة على سلسلة أفكاري فبدأت أقول بأن ما حصل معها أكيد هو نفسه الذي أمر به
مرت بي أيام لا تطاق لم أعد أقوى على الكلام ولا الأكل بل حتى الابتسامة لم تعد تعرف طريقها إلى شفتي وتخليت عن عملي إلى أن اكنشفت عائلتي حالتي هاته فأسرعوا بي إلى طبيب نفسي في الحقيقة لم يعجبني كلامه خصوصا وأنه بدأ ينتقد حجابي وقال أنه يجب أن أعتني بنفسي وووو المهم بدأ يرقيني أيضا أحد الأشخاص الفضلاء والذي رقاني بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة وقال أن ما أصابني هو ابتلاء من الله عز وجل وأنه الوسواس وأنه من عمل الشيطان وربما كانت هناك عين شديدة أصابتني، المهم بدأت أحاول وأقاوم نصحوني بالخروج للعمل وجدت عملا آخرا كي أملأ فراغي لكن الشكوك لا زالت تنبش عقلي شكوك حول وجود الله سبحانه وأنه يجب أن أنزع الحجاب، لكن ما بدأ يراودني الآن هي فكرة قتل النفس أو إيذاء ابنة أختي الرضيعة من غير أي سبب
ذهبت عند طبيب نفساني آخر، هذه المرة أعجبت بطريقة معالجته لموضوعي هذا حيث أنه في كثير من الأحيان ما يستعمل آيات قرآنية وأحاديث نبوية أخذت الدواء الذي وصفه لي لمدة ستة اشهر إلى أن سمح لي بالتوقف عن تناوله
بعد ذلك عدت لسابق عهدي لم تتلاشى الأفكار بصفة نهائية غير أني عدت لطبيعتي أضحك وأعمل على العلم أني مرحة بطبعي وكثيرا من الأحيان أجعل من بصحبتي يبتسم، غير أن كل شيء انقلب فجأة مرة ثانية نفس الأفكار بل أكثر خصوصا مع اقتراب شهر رمضان
لطالما أحببت ربي وأحببت ديني وأحببت حجابي وأحببت عائلتي غير أن الافكار التي تكاد تقتلني تصب في هذه الأشياء بالخصوص
حياتي الآن صعبة جدا لا أشعر برغبة في الحياة ولا في أي شيء في الكون بل على العكس أتمنى الموت قبل أن أؤذي نفسي أو غيري وقبل أن أنزع الحجاب أو أن أخرج من ديني لم أعد أجد حلاوة في أي شيء حتى الكلام لم أعد أتكلم كما كنت مع عائلتي بل في الغالب أمكث في غرفتي وحيدة، لم أعد أكترث لمظهري أرتدي أي شيء آكل أي شيء لم أعد أحب نفسي وخوفي الآن كله منصب حول رمضان الآتي من أن أقوم فيه بنفس ما قامت به الفتاة التي ذكرتها سابقا. أرجو المساعدة من فضلكم هل هناك حل أم أني سأبقى إلى أن أقوم بهذه الأفعال
ساعدوني أرجوكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
4/07/2012
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته أختنا الفاضلة
كلماتك مليئة بالمعاناة، وأسأل الله تعالى أن يعينك ويمن عليك بالخلاص مما أنت فيه...
قد أحسنت صنعًا إذ ذهبت للعلاج عند الطبيب، وتناولت الأدوية، لكن في الحقيقة إن تناول الأدوية ليس كافيًا وحده لعلاج الوساوس، و 50 % من الحالات تنتكس بعد ترك الدواء...
ولتلافي ذلك لابدّ من اقتران العلاج الدوائي بعلاج آخر معرفي سلوكي، يقوم عل تصحيح الأفكار، وتقويم السلوك وفق كيفية تبعد سلطان الوساوس عن الإنسان...، ولكن للأسف القليل من الأطباء النفسانيين من يحسن هذا النوع من العلاج في عالمنا العربي.
الذي يبدو أن وساوس الكفر هو الأشد عليك، وهو كذلك على جميع الموسوسين، رغم أنه الأبسط في الحقيقة من بين جميع الوساوس، لماذا؟ لأن فيه نصًا صريحًا صحيحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه لا قيمة لتلك الأفكار شرعًا، أعني لا مؤاخذة عليها، ولا تخرج عن الملّة، ولا تدل على كفر صاحبها، بل على العكس لأنها تدل على الإيمان الخالص لدى الموسوس...
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يشنع على صاحب هذه الأفكار، ولم يوبخه، وإنما تعامل معه بكل لطف وهدوء، لأن الأمر لا يستدعي كل هذا القلق، فهو بسيط جدًا...
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: ((جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟». قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ»)). [مسلم: الإيمان/باب بيان الوسوسة في الإيمان]
وإذا كان الوسواس بهذه التفاهة، فاللائق بحقه إهماله وعدم إضاعة الوقت به، أي عدم مناقشته بتصديق ولا إنكار، بل تركه يمرّ على الذهن مرور الكرام دون اكتراث، مع الاستعاذة من الشيطان الرجيم..، وإليك بعض الأحاديث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يأتي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ»، وفي رواية عند مسلم: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا: خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ»
وفي رواية عند أبي داود: قَالَ: «فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، ثُمَّ لْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثاً، وَلْيَسْتَعِذْ مِن الشَّيْطَانِ». [البخاري: بدء الخلق/باب صفة إبليس وجنوده، مسلم: الإيمان/باب بيان الوسوسة في الإيمان، أبو داود: السنة/ باب في الجهمية]. وعن عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ. فَيَقُولُ: فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرأ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ». [أحمد في المسند: 43/271 (رقم:26203)، ورجاله ثقات].
قيسي على هذا سائر الوساوس، واتبعي الإرشاد النبوي فيها: دعيها تمر بسلام، لا تخافي منها فلا مؤاخذة عليها لأنها خارجة عن الوسع، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، اطمئني لأنك لن تفعلي ما تفكرين به، وتفكيرك به لا يعني أنك فعلته حتى تخافي كل هذا الخوف، استعيذي بالله من الشيطان الرجيم الذي يريد أن يصدك عن الطاعة بما يلقيه في قلبك من وساوس...
وأخيرًا أنصحك بقراءة مقالات منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري، وخاصة المقال التاسع وما بعده. كذلك ارجعي إلى برامج العلاج الذاتي من الوسواس التي كتبها الدكتور محمد شريف سالم، وهذا كله موجود في نطاق الوسواس القهري...
ولو رجعت أيضًا في الاستشارات إلى قسم: علاج الوسواس OCDSD فقهي معرفي إسلامي Religious CT لوجدت فيه بإذن الله تعالى ما يفيدك.
عافاك الله وشفاك، وحماك من كيد الشيطان، وهنأك برمضان، وكل عام وأنت بخير.
ويضيف د. وائل أبو هندي الابنة الفاضلة "karycreme karycreme" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، لدي بعض الإضافة على ما تفضلت به مجيبتك أ. رفيف الصباغ أعانها الله وأهلها وسورية كلها على ما هم فيه من ابتلاء ليس كأي ابتلاء! ......، معاناتك تشمل الاكتئاب إضافة إلى الوسوسة وقد أعانك الله وانتصرت على نوبة من نوبات الاكتئاب بعد ستة أشهر من استخدام أحد عقاقير علاج الاكتئاب وهي مدة غير كافية ما دام العلاج فقط بالعقاقير، ومن المهم أن تعرفي أن زيادة الوساوس الخاصة بشهر رمضان أو الوساوس عموما مع الشهر الفضيل هي ملاحظة إكلينيكية معتادة واقرئي على مجانين:
رمضان والوسوسة: هل تزيد الوسوسة في رمضان ؟
كذلك من المهم أن أطمئنك إلى أن ليس كل مكتئب يصل إلى حد الانتحار معاذ الله حتى ولو راودته فكرة الانتحار فما تعانين منه هو على الأغلب وسوسة منها ما هو كفري أو تشكيكي أو عدواني تجاه الذات أو الآخرين .... وكلها تأكدي مجرد أفكار لا تتحول إلى أفعال إلا بإرادة صاحبها..... اطمئني إذن واقرئي ما أرشدتك إليه مجيبتك وتابعينا بأخبارك.
التعليق: نصيحة مني لك يا آنستي أن تتجاهلي كل شيء يطرأ على بالك من وساوس،
أنا عشت عشر سنوات في حلقة مفرغة، وساوس من شتى الأنواع والأشكال التي تشتهيها الأنفس والتي لا تشتهيها، حولت حياتي إلى جحيم،
لكن الآن الحمد لله تقريبا كل شيء انتهى بفضل الله سبحانه وتعالى وثم القائمين على هذا الموقع الجميل،
قاومي مهما شعرت بصعوبة مقاومة الأفكار الوسواسية