الوسواس والأحلام
السلام عليكم ورحمة الله؛ أرسلت لكم قبل فترة وارتحت كتير على ردودكم ومن باب ثقتي بكم أرسل مشكلتي التي تدور حول رفيق عمري الوسواس أعاني من الوسواس من 15 سنة وتراوحت أنواعه ودرجاته خلال هذه السنين وتعودت عليه وعلى حيله... وجربت الأدوية وتركتها بسبب حملي
ولكن هذه المرة ماني قادرة أتغلب عليه جاني من ناحية لا يصلح فيها التجاهل.. على الأقل من وجهة نظري وهو مختلف هذه المرة عن كل المرات قبل شهرين جاني خوف ووسواس أني سأفقد زوجي لا قدر الله وصرت أتخيل موقفي والمناظر في هذا الموقف وبكائي وصادف ذلك موعد سفر زوجي للعمل لمده أسبوع كانت فترة صعبة ودعته كأنها آخر مرة، لعبة مع الأولاد كأن يحزنني كأنها آخر مرة وسافر ورجع بالسلامة الحمد لله وكان أطول أسبوع في حياتي كلها بكاء وخوف ووسواس، وتكلمت مع أخصائي نفسي وخفت الوساوس قليل وتخطيت هذا الأسبوع بصعوبة....
مرت الأيام وأنا في صراع بين التجاهل والخوف والوسواس والقلق مرت أيام صعبة مرضت أختي فيها مرضا خبيثا وهي أقرب أخت لي وكنت أعرف أني سأنتكس بعد هذه الأزمة والحمد لله أختي خرجت من المستشفى اللهم تمم لها الشفاء، في نفس الفترة توفي خالي وفي نفس الأسبوع توفي خالي الثاني لم أكن قريبة منهم لكني حزنت ومريت بخوف شديد مع مناظر الكفن والموت.....
كل ليلة أنام وأنا خايفة أني أفقد أحبابي وأفكر هل يتقابل الأحباب بعد الموت وكيف يتعامل الناس مع حزنهم عند فقد حبيب وطبعا أول من خطر في بالي بين هذه الافتراضات زوجي، كل مرة ينام أتحسس نبضه لكن تقريبا حسبت أني مسيطرة على الوسواس وبأتجاهله، اللي قبل أسبوعين رجعت لي الحالة أسوأ ما أقدر أنام أو آكل عايشة كأني ميتة حتى ماني قادرة أختلط بالناس تجيني كتمة وخنقة وتنميل في الأطراف، حالتي كأنه حدث مكروه بالفعل أبكي طول الوقت وحاسة بضعف شديد، كل هذا حصل بعد حلم شفت فيه بالضبط اللي خايفة منه وبجدتي المتوفاة قبل فترة طويلة وخايفة يتحقق وحاسة أنه حيتحقق وكأني منتظرة حدوثه كل كلمة أو حركة حولي لها علاقة بالموضوع كأنها علامات في الراديو وخطبة الجمعة حتى كلام الناس عن نفس الموضوع.
حاسة حأفقد عقلي وماني عارفة إيش أسوي ماني قادرة أعيش طبيعي ما أقدر أنام إلا بصعوبة بس أتفزز وكل نومي أحلام عن نفس الموضوع ولما أقوم من النوم أحس باكتئاب وبكي وما بدي أقوم من السرير أو أسوي أي شيء... حتى زوجي ما أبغي يقرب لي أخاف تكون آخر مرة كل حركاته ونظراته أحس أنها آخر مرة...
جلست أقرأ في الإنترنت عن الرؤيا وتحققها وعن حكايات الناس اللي حلمو بالموت وحدث فعلا وإنها ممكن تكون إنذار من ربي، وزادت الحالة عندي ولما أقرأ عن وسواس الموت وأنه كثير ناس تحصل لهم أطمئن شوية بس أرجع تاني أخاف وأقول لا إنت اللي فيك إحساس وحقيقي مو وسواس، وأفكاري كلها تسترسل في التفاصيل والأحداث كأنه شيء حصل بالفعل وكيف حيكون إحساسي وأولادي إيش حيصير لهم وحاطة نفسي في الموقف وحاسة بحزن شديد، ما بدي وما أقدر أفكر في المستقبل ولا حتى المستقبل القريب وجالسة منتظرة ومتوقعة وكل ما ينام زوجي أقوم أحس نبضه أو أصحيه أقوله إنت طيب...
والأحلام مزعجة والآن صار وسواسي أنا سأموت قريب والعلامات والناس اللي تقول لي شكلك تعبانة ووجهك شاحب... أحتاج مساعدة، اشتريت دواء اسمه افيكسور كنت أخذته مرة زمان بس خايفة آخده الآن لأني ما زلت أرضع بنتي وبرضه الوسواس يقول لي حتاخدي عشان تخف عليك المصيبة لما تحصل.
أرجوكم الرد بسرعة حاسة أني حأفقد عقلي
عندي صداع وخسرت وزن غير معقول في أسبوعين
13/09/2012
رد المستشار
الأخت الفاضلة "أم محمد".... أهلا وسهلا بك على مجانين، حالتك الآن -ما لم تكوني بالغت في التعبير عنها في إفادتك- هي اضطراب الاكتئاب الجسيم على خلفيات من نوبات اضطراب الوسواس القهري المزمن.... هناك حاجة عاجلة للتخلص من الاكتئاب وتتراوح الخيارات العلاجية المناسبة لحالتك من مجرد حبة علاج تأخذينها كل يوم إلى العلاج التخليجي Convulsive Therapy ( أي بإحداث التخلجات بالكهرباء ElectroConvulsive Therapy )..... هذا العلاج التخليجي يعالج الاكتئاب بسرعة ونجاعة، وفي بعض الحالات أيضًا يتحسن الوسوسة المرتبطة بالاكتئاب.
وهذا الخيار الأخير مفضل إذا أردت الاستمرار في إرضاع الوليدة... فليس هناك عقار مثالي يمكن للمكتئبة استخدامه أثناء الإرضاع وعقاقير علاج الاكتئاب في أفضل الأحوال تقع ضمن المجموعة الرابعة (وهي العقاقير التي قد تكون آمنة لكن May Be Safe But ) وكلما كان العقار من العقاقير الأقدم كلما كان أكثر أمنا على الرضيع لكن أكثر تأثيرات جانبية على الأم المرضع في نفس الوقت..... ويبقى لك ولطبيبك المعالج القرار الأخير في أي طريقة علاج تختارين.
وبعد علاج الاكتئاب في مثل حالتك يمكن أن نبدأ علاج الوسواس القهري (وإن كان علاج الاضطرابين معا ممكن في حالات كثيرة اكتئابها أقل أو عمر اضطرابها أقصر).... وحقيقة فإن قصتك هي القصة الأكثر شيوعا بين مرضى الوسواس القهري أصحاب الصداقة المزمنة مع الوسواس القهري والمتنقلين من عقار إلى عقار من مجموعة الم.ا.س.ا متحسنين أو غير متحسنين لكن دون شفاء وهؤلاء للأسف غالبا مما يكتئبون مثل اكتئابك هذا عافاك الله بعد مدة من الزمن.
لفت نظري جدا يا "أم محمد" قولك: "حسبت أني مسيطرة على الوسواس وبأتجاهله"..... وهذا يستدعي توضيح مفهوم في غاية الأهمية للمتعالجين من الوسواس القهري وهو الفرق بين التجاهل والتعايش فتجاهل الوسواس يعني كل ما يلي في نفس الوقت:
1- القبول بوجود الوسواس في الوعي ( الفكرة الصورة النزوة .... إلخ) وعدم محاربة وجوده والاقتناع التام بأن وجود أي محتوى وسواسي في الوعي البشري لا يعني علاقة معينة بصاحب الوعي ولا صفة معينة فيه، وبالتالي لا ضرورة لأن يشترط الموسوس عدم وجود الوسواس في وعيه، بل إن وجوده بالوعي شرط لتجاهله وإلا فماذا تتجاهل؟.
2- عدم الاشتباك مع الوسواس أو عدم الدخول في جدال معه أو محاولة نفيه أو تفنيده أو إثبات عكسه، وكذلك عدم الاسترسال معه في محاولة للوصول إلى إجابة نهائية مثلا.
3- الامتناع تماما عن التصرف بأي شكل من شأنه الاحتياط أو الطمأنة أو التحاشي أو التقليل من احتمالية أو التخفيف من الخطر المحتمل والمرتبط بالوسواس.... أي عدم تصديق محتوى الوسواس على أي مستوى من المستويات.
فإذا اتخذنا فكرة الخوف من موت الزوج أثناء النوم مثلا.... فإن عليك:
1- القبول بوجودها في وعيك والاقتناع بأن وجودها لايعني أي شيء.
2- عدم الدخول في جدال معها، ولا حتى نفيها ولا طمأنة نفسك بفكرة أن زوجي حي وصحته جيدة.
3- الامتناع تماما عن الاقتراب من الزوج لتحسس نبضه أو ما شابه ذلك من أفعال.
لست أدري بالطبع كيف كان التجاهل الذي تقصدين سواء لهذا الوسواس الأخير أو الوساوس السابقة في حياتك والتي يفترض أنك نجحت في تجاهلها، وأغلب الظن أنك كأغلب المساكين من الموسوسين المزمنين إنما كنت لجأت إلى بعض أشكال التحاشي والطمأنة التي ربما تبدو بسيطة وتسمح بالتعايش مع الوسواس لكنها في نفس الوقت تساعد في تثبيته واستمراره.... وكثيرا ما يخدع هذا الحل الوسط الموسوس فيحسب أنه فهم الوسواس بأنواعه ودرجاته خلال السنين وتعود عليه وعلى حيله -كما تقولين- فأصبح يحتاط بشكل أو بآخر له أو يختصر أفعاله القهرية مختزلا إياها مثلا إلى كلمة يقولها ويحسب ذلك نصرا.
أما أحلام الموسوسين فليست إلا أحلاما كأحلام كل البشر لكن تصديق بعضها يملأ حياة المصدقين بالأسى الممتد فتراهم يحتاطون وينتحبون ويذهبون بعيدا جدا في محاولة درء الخطر المتوهم والمبني على مجرد حلم، وفي بعض الحالات تبدأ المسألة بصدفة فيها يتحقق حلم معين للموسوس وبعدها تبدأ مأساته فبعدما كانت الأحلام بالنسبة له مثلها مثل أحلام الناس تتغير مفاهيمه ويصل الحال ببعضهم إلى الخوف من النوم، لكن أحيانا -كما هو في حالتك- تنبني الفكرة على أن الحلم ينبئ عن شيء ما سيحدث -أو عن غيب إذا أردت الدقة-وليس هذا كلاما منطقيا ولا واقعيا يا "أم محمد".
عقار الفينلافاكسين Venlafaxine يعتبر طبقا لبعض التقارير أكثر أمنا من غيره أثناء الرضاعة إلا أنَّ ذلك لا يعني أنه آمن 100% كما أنه أمضى أثرا في علاج الاكتئاب منه في علاج الوسواس القهري.... ومرة أخرى يبقى الاختيار لطبيبك المعالج الذي سيقرر أي أصناف العلاج أفضل لك وأي العقاقير وكذلك من سيعالجك العلاج المعرفي السلوكي إن أردت الخلاص الدائم عافاك الله.
ويتبع >>>>>>: عن أحلام الموسوسين بين التجاهل والتعايش م