السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أولاً أود أن أشكركم على هذه الخدمة التي تقدمونها، فهي جهود متميزة، فبارك الله فيكم. أما مشكلتي فأنا أم وزوجة في الأربعين من عمري وزوجي في الخمسين، ومشكلتي بدأت منذ بداية زواجي، فزوجي لا يعاشرني جنسيًا بما يكفيني، فأحيانًا يتركني لمدة شهرين أو أكثر بدون جماع وليس هناك مانع أو عائق، فهو صحيح جسميًا ونفسيًا وحياتنا مستقرة ونحب بعضنا، وقد أبديت له رغبتي في الإكثار من عدد مرات الجماع بالتلميح والتصريح والإغراء ولكن لا حياة لمن تنادي.
وهو على حاله منذ زواجنا ويحرمني من هذا الحق وهو قادر عليه. بالله لو كانت مشكلة زوجة تمتنع عن زوجها في الفراش لكان الحل أن يتزوج ثانية، ولكن ما الحل بالنسبة لي؟ فأنا لا أفكر في الطلاق إطلاقًا، من بداية زواجي مارست العادة السرية لإشباع رغبتي، تجتاحني الرغبة وتتملكني الشهوة وهو لا يبالي فأضطر إلى ممارستها، ولكني بعدها أتألم لشعوري بالإثم وشعوري بالنقمة عليه فهو قادر على أن يكفيني من الوقوع في هذا، ولكن ليس له مزاج للمعاشرة، صدقوني..... فمن خلال سنوات زواجي أعرف أنه لا يوجد ما يعيقه عن المعاشرة، سواء من جهتي أو من جهته.
ستتساءلون: ألا تستسلمين للأمر الواقع وتصبرين وتحتسبين؟ أقول: لا، فشهوتي ورغبتي تزداد يومًا بعد يوم، مع أني أدعو الله أن يطفئها، ولماذا أصبر وقد أمرنا بالزواج لإشباع هذه الشهوة؟! وزوجي متدين وله مكانة محترمة يلجأ إليه الناس لحل مشاكلهم، ولا أستطيع عرض مشكلتي على أحد، لذلك سؤالي هو:
هل سيعذبني الله عليها وأنا لم أدع أسلوبًا إلا اتخذته حتى أجعل زوجي يعاشرني ولو مرة كل عشرة أيام، أليس هذا أخف من الوقوع في الزنا والعياذ بالله؟
* تم نشر هذه الاستشارة سابقاً على صفحة مشاكل وحلول
رد المستشار
الأخوة الكرام والأخوات الكريمات:
دائمًا يدور بيننا هذا التساؤل في فريق العمل: أين كانت تذهب هذه المشاكل المسكوت عنها قبل "مشاكل وحلول للشباب"؟! أين كانت تذهب صرخات ذوي المشاكل وتأوهاتهم؟ هل هذا الكم ظهر فجأة مع ظهور صفحتكم هذه؟ أم أنه كان موجودًا ومسكوتا عنه كألغام موقوتة بين جنبات حياتنا الاجتماعية؟
من المؤكد أننا نحتاج "لانتفاضة" اجتماعية تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، هذا ما نحاوله في هذه الصفحة، ولكن أحسب أن الأمر يفوق قدراتنا المحدودة، فعلى كل من اقتنع برسالة هذه الصفحة وبما تطرحه من أفكار وأطروحات تبغي من ذلك هدم الأساطير التي استفحلت بين ظهرانينا، عليه ألا يكتفي بالشكر وكلمات الإطراء والإعجاب، ولكن عليه أن يشارك في هذه "الانتفاضة"، وأن يعتبر نفسه سفيرًا لنقل هذه الأفكار لكل من حوله ولكل من يتفاعل معهم ويحتك بهم. فهل تراني أحلم وأنا أتصور خطيبًا للجمعة يتحدث عن تيسير الزواج ويشجع عليه، بحيث يخرج كلامه من الإطار النظري إلى الإطار العملي؟ ولم لا تكون هناك لجان "تيسير الزواج" في المساجد على غرار "لجان الزكاة"؟ وهل تراني أحلم أن أجد درسًا في المسجد عن العلاقات الزوجية أو الحب بين الزوجين أو العلاقة الجنسية بينهما؟
من لم يقتنع بأهمية ما أقول فلينظر لهذه الزوجة الفاضلة التي تتضور جوعًا وتتلظى بنار الشهوة المتقدة، وأخت أخرى انتهيت من ردي عليها في القسم الإنجليزي بالموقع، تصف زوجها بأنه "مسلم تقي"، ولكنه يتركها وهي تشعر بالخواء العاطفي والجسدي!
أختنا هنا ترفض الحرام وتلجأ إلى إطفاء شهوتها بممارسة الاستمناء (في حالة المرأة يسمى الإسترجاز)، الذي قد يسكن قليلاً من فورة الجسد، ولكنه لن يروي بأي حال من الأحوال عطش الروح للتواصل والتلاحم مع الزوج والحبيب، هذا الإرواء الذي لا يتحقق إلا بالممارسة الزوجية.. وتصف زوجها بأنه متدين ويتصف بالحكمة مما يجعل من حوله يلجئون إليه لحل مشاكلهم، فلماذا لم يقرأ هذا الزوج وغيره من الأزواج سيرة الحبيب المصطفى؟!
هل لنا أن نتساءل: لماذا كانت سيرته صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمرًا معلنًا بين صحابته، وحتى يومنا هذا إن لم تكن للقدوة والاتباع؟ أم أننا نقول مع القائلين: هذا هو الرسول، فأنى لنا أن نصل إليه، وهل لحصوات الأرض أن تتطلع إلى أن تنافس نجوم السماء علوًا وضياءً ومكانة(!!!) فبالله عليكم لماذا كان الرسول (وغيره من المرسلين عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأزكى السلام) بشرًا مثلنا؟! ألم يكن الله سبحانه قادرًا على أن يكون المبعوث ملكًا من الملائكة؟ لقد اقتضت حكمة المولى عز وجل أن يكون الرسول بشرًا مثلنا، وحفظت لنا كتب السيرة والحديث طرفًا عظيما جدا من جميع جوانب حياته صلى الله عليه وسلم لتكون نبراسًا لنا نهتدي بنوره في دروب حياتنا. وأحسب أن الكثير منا يعلمون أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم هي كل قول أو فعل أو تقرير (ما رآه الرسول الحبيب وأقره)، فلماذا نتمسك بهديه في إعفاء اللحى ونترك هديه في معاملة الزوجات؟!
لقد كان الحبيب المصطفى -بأبي هو وأمي- يلاعب زوجاته ويلاطفهن ويتجمل لهن، يتحرى موضع فم السيدة عائشة في الإناء ليشرب منه، وتقول عنه السيدة عائشة: "بأبي وأمي، لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع"...
لم يمنعه تعبده لربه، وهموم الدعوة، من أداء حق زوجاته؛ فكان يقبل زوجاته وهو صائم، ويتكئ في حجر السيدة عائشة وهي حائض ويقرأ القرآن، ويرشد صحابته لأهمية الملاعبة بين الزوجين؛ فيقول لجابر بن عبد الله: "ما لك وللعذارى ولعابها" -كناية عن مص اللسان والشفتين.
ويبلغه خبر زوجين: الزوج من المهاجرين الذين اعتادوا الاستمتاع بالنساء مقبلات ومدبرات ومستلقيات، والزوجة من الأنصار، وقد كانوا يخالطون اليهود ويرون لهم فضلاً عليهم في العلم فيقتدون بهم، وكان من أمر أهل الكتاب أنهم لا يأتون النساء إلا على حرف (على جنب لأن هذا أستر للمرأة)، فقالت الأنصارية لزوجها: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، فنزل قوله تعالى: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم".
وتخبرنا زوجاته رضي الله عنهن جميعًا وأرضاهن أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل معهن من إناء واحد، حتى إنه يبادر السيدة عائشة فتقول له: "دع لي، دع لي"... فهل كانت هذه الروايات للتندر؟! أم لتعطي صورة عن أفضل قدوة وأكمل مثال؟!
وحتى تأتينا الإجابة عن هذا التساؤل لن أقول لك: يا أختنا الكريمة، ألا تستسلمين وتصبرين؟ ولكني سأقول لك: إن هذا الأمر لا يجب السكوت عنه والصبر عليه، كوني صريحة وواضحة وقوليها لزوجك: هذا حقي ولن أتنازل عنه، حقي عليك أن تروي عطش روحي وجسدي، إن كنت مريضًا أو بك علة فواجبنا معًا أن نلتمس العلاج، وإن كنت تريد مني أن أكون صورة أخرى أكثر إثارة ومتعة فأخبرني حتى أكون كما تريد... أما أن تتركني هكذا فهذا ما لا أستطيعه وما لا أحتمله.. لا تخجلي من المصارحة، ولا تيأسي من الطلب، فإن لم تجدي منه استجابة فاعرضي عليه مراجعة المعالج النفسي، وقد يكون التهديد بالطلاق القارعة التي تجعله يفيق، وآخر الدواء الكي.
أما بالنسبة لفعلك الإسترجاز كحل مؤقت، فلقد أفتى الكثير من علماء المسلمين بجواز هذا الأمر إن كان لتفريغ الشهوة، وبوجوبه إذا كان لمنع الوقوع في الزنا، فلا تضخمي من شعورك بالإثم، طالما أنك لا تفعلينها لاستجلاب الشهوة، ولكن ضعي في الاعتبار أن هذا الفعل قد يكون حلاً لمن لا تجد لها زوجًا، والأمر بالنسبة لك مختلف، ولن تصل متعة الإسترجاز بأي حال من الأحوال إلى متعة وجمال العلاقة بين الزوجين، فلا ترضي ولا تقبلي أن تستبدلي الأدنى بالأعلى، ولا تملي من المحاولة مع زوجك حتى يعطيك ما تريدين، ولا تنسي الاستعانة بالله عز وجل.
ودعواتنا لك أن يصلح الله لك زوجك، وأن يجمع بينكما في الخير، وتابعينا بالتطورات.
* وتضيف د. فيروز عمر:
مشكلتك يا أختي ذكرتني بسؤال كنت قد سألته لأستاذي في الفقه في "معهد الدعاة" منذ 6 سنوات، قلت له: لماذا يجب على المرأة أن تستأذن زوجها لصيام النافلة ولا يجب عليه هو أن يستأذنها؟ رغم أن المنطق يفترض العكس، فالرجل ربما يكون متزوجًا بأكثر من واحدة، فإذا صامت إحداهن فالأخريات موجودات، أما المرأة فلها زوج واحد فقط ولا بديل له! ضحك أستاذي، ولمحت في عينيه اتهامًا لي "بقلة الحياء".. ثم تلعثم قليلاً وقال: شهوة الرجل أربعة أضعاف شهوة المرأة!! ولكن ثبت لي -مع مرور الأيام- أن هذه العبارة التي قالها الأستاذ ليست صحيحة على إطلاقها.
ويبدو أن تراثنا الفقهي كله في هذه القضية يحتاج لإعادة نظر ليس لتجديده فقط، وإنما لإحياء مساحات تعمّد البعض إخفاءها من أجل تضخيم مساحات أخرى!! نجد الضوء مسلطًا بقوة على أن المرأة التي تمتنع من زوجها تبيت تلعنها الملائكة، وأن المرأة يجب أن تلبي رغبة زوجها ولو كانت على التنور، والإطناب في أهمية التزين و... و...
بينما نجد مساحات أخرى في الظل، مثل الأمثلة التي أشارت إليها د. سحر طلعت، ومثل الموقف الشهير لسيدنا عمر بن الخطاب عندما اشتكت له إحدى الزوجات من غياب زوجها للجهاد، حتى إنه رضوان الله عليه غير نظام الجيش بأكمله وجعل فترة تغيب الزوج لا تطول عن الفترة التي تطيقها الزوجة، وكذلك موقف سيدنا علي بن أبي طالب عندما اشتكت إليه المرأة من زوجها الصوام القوام الذي يتركها تتلظى وحدها في الفراش.
نجد إطنابًا وإسهابًا هنا، واختصارًا واختزالاً هناك، مما رسم صورة مشوهة في العقول، صورت المرأة على أنها هي الطرف السالب الذي يلبي فقط! ولن ينصلح الحال إلا إذا اعتدلت كفتا الميزان، وأخذت كل مساحة ما تستحقه من الفهم والوعي، دون الاهتمام بجانب على حساب الآخر، وإن لم يحدث هذا فستظل حاجة المرأة "تسولاً" وليس "حقًا" يعاقب تاركه، وسيظل إعطاؤها هذا الحق "فضلاً" وليس "واجبًا" مفروضًا على الزوج.
وكما ذكرنا من قبل في مشكلة "شهوة المرأة أساطير وأباطيل"، أن الصعوبة ليست في فهم هذا فقط، وإنما في وسيلة التطبيق أيضًا، فإن شهوة المرأة في غاية الدقة والرقة والتعقيد، وتلبية احتياجاتها تحتاج فهمًا وإحساسًا بأسرارها الوجدانية والجسدية، فليس ما يشبع المرأة هو ما يشبع الرجل، وليست الاحتياجات متطابقة كيفًا، وإن كانت متطابقة كمًا!
وأنتهي بالجملة التي قلتها لأستاذي: المنطق يقول أن يستأذن الرجل! وما زلت أؤمن بهذا، مع إدراكي للاختلاف فقط في "أسلوب" الاستئذان، فاستئذان المرأة قد يكون صريحًا واضحًا مباشرًا مهذبًا بما يناسب طبيعة علاقة الزوجة بزوجها، وهي التي لو جاز السجود لغير الله لسجدت لهذا الزوج، أما استئذان الزوج فيكون غير مباشر، لطيفًا، مداعبًا!
أختي السائلة: أذكرك في نهاية رسالتي بنصيحة أجد أنه من الأمانة أن ألفت نظرك لها: تقولين "شهوتي تزداد يومًا بعد يوم"، هذه العبارة توقفت عندها، وفي الحقيقة ليست "الشهوة" هي التي تزداد، ولكن "اهتمامك" بالشهوة -النابع من شعورك بالحرمان- هو الذي يزداد، وإذا استسلمت لهذا فستصبح هذه الشهوة محور تفكيرك واهتمامك، وعندئذ لن يكفيك زوجك مهما تحسن، أنا ما زلت أشجعك -مثل د. سحر طلعت- على أن تطالبي بحقك، ولكني فقط أحذرك من الانزلاق في التمحور حول الجنس، فالدنيا واسعة، والحياة أرحب مما تتخيلين، فتجولي في سبلها ولا تحبسي نفسك في حجرة واحدة من حجراتها. وأهلاً بك معنا.
التعليق: ما تطرقت إليه هذه الاستشارة ليس بغير المألوف في الحياة العملية للمعالج والطبيب النفسي. لا يشمل ذلك النساء فحسب ولكن الرجال ايضاً، ولا فرق بين الغرب والشرق. العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في غاية الأهمية وشكوى النساء من خمول رجالهم لا يصعب على أي فرد البحث عليها في التاريخ العربي الإسلامي . هناك من يتشدد في الأمر ويصنف نهي الرجل عن ممارسة الجنس مع زوجته بناءاً على طلبها حقاً يخول لها خلعه. غير أن الموقع ليس المكان للخوض في هذا الأمر الذي قد يثير عواطف سلبية عند الكثير.
هناك إنتاج سينمائي للمخرج ديفيد لين باسم علاقة قصيرة Brief Encounter عالج هذه المشكلة وهناك فيلم تم اقتباسه من هذا العمل للسيدة فاتن حمامة لا أذكر اسمه بالتحديد.
بعد أكثر من مراجعة يصبح واضحاً للطبيب أو المعالج النفسي بأن مشكلة المرأة هي ما استشارت به السيدة الفاضلة. يعرض الطبيب النفسي على المرأة علاجاً يشارك به الزوج.