تقرير خطير لـ (رويتر) عن حياة أطفال الشوارع في مصر:
فتيات صغيرات يتعلمن ألف باء الحياة في شوارع القاهرة
طفلة يغتال الشارع براءتها
في تقرير يهز من كان له قلب أو ضمير في هذا البلد يعكس الوضع المأساوي لملايين من المشردين في مصر، حيث أصبح الشارع وقسوته هو حياة هؤلاء الذين تمت استباحتهم وباتت هناك مناطق كاملة تعيش خارج نظاق الدين والإنسانية.
ويومياً ينضم لهؤلاء آلاف وآلاف بعد أن عجزت السلطات المحلية عن التعاطي مع هذا الملف الخطير، في الوقت الذي يزداد فيه الفقراء فقراً ويزداد فيه اللصوص والفاسدين غناً وسطوةً ونفوذاً.
تقول (رويتر) في تقرير لمراسلتها في القاهرة (سينثيا جونستون): تهز نورا التي أصبحت أماً وهي في الرابعة عشرة من عمرها مجموعة من المفاتيح أمام وجه ابنتها الرضيعة فتبتسم الطفلة التي ولدت أثناء حياة أمها في شوارع القاهرة.
ونورا واحدة من مئات الآلاف من الأطفال الذين تقول الأمم المتحدة أنهم يعيشون في شوارع مصر ومنهم عدد متزايد من الفتيات يأتين من سن الرابعة أو الخامسة هرباً من الفقر أو سوء المعاملة أو التفكك الأسري.
وفي حين تلعب الطفلة شيماء بِخُفٍ ترتديه أمها وصفت الأم الصغيرة كيف استبدلت ضرب أخويها لها وهي في السادسة أو السابعة من عمرها بالجنس المفروض بالقوة في سن صغيرة في حياة الشوارع بالقاهرة وحملت بعد البلوغ مباشرة.
وقالت نورا: "الرجال لا يُفرقون. لا يعنيهم إن كنتِ صغيرة أو كبيرة. خطفوني." ـ مستخدمة كلمة تعني بها بنات الشوارع في مصر الاغتصابـ.
وإلى جانب بريق المدينة بسياراتها الفارهة ومتاجرها الفاخرة هناك الصعوبات الاقتصادية التي تركت خُمس الشعب المصري في فقر مدقع مما دفع العديد مثل نورا إلى ترك منازلهم في ظل الضغوط على الهيكل التقليدي للأسرة المصرية.
وفي المجتمع الإسلامي المتحفظ اجتماعيا في مصر فإن الحياة في الشارع قد تُلحق أضراراً لا علاج لها بالفتيات الصغيرات، وتقول "سهام إبراهيم"، التي تُدير منظمة "طفولتي" التي ترأسها، مأوى لأطفال الشوارع "الانتهاكات الجنسية هي ألف باء هذه الظاهرة. ليس فقط لبنات الشوارع بل للصبيان أيضاً".
وتعيش نورا في مأوى من هذا النوع مع شيماء، لكن لم تسنح مثل هذه الفرصة لكثيرات غيرها، وحُكم على زعيمين لعصابات أطفال الشوارع بالإعدام في مايو / أيار لاغتصاب وقتل ثلاثة على الأقل، وربما يصل العدد إلى 26 من أطفال الشوارع في القاهرة وشمال مصر.
وفي قضية منفصلة الشهر الماضي اعتقلت الشرطة المصرية رجلاً في اتهامات بحبس ستة شبان وإيذائهم جنسياً وإجبارهم على التسول في الشوارع. وقد تنام فتيات الشوارع، وهن من بنات الريف أو الأحياء العشوائية الفقيرة، على الأرصفة أو في الحدائق العامة، وتواجهنَ تهديداً دائماً بالاغتصاب، ويقمنَ بشم الكلة ـوهي نوع من الغراء يُستخدم كمخدرـ لمقاومة البرد والألم.
وبعضهن يتسولن أو يبعن علب المناديل الورقية ويتحركن بين السيارات في مفارق الطرق. وقالت إلهام وهي طفلة هادئة في الحادية عشرة من عمرها أنها أمضت أسبوعا تنام خارج مركزٍ للشرطة ويُقدم لها الضباط الطعام بعد أن انفصل والداها وأحرقتها قريبة لها بأداة معدنية ساخنة. ويتحول بعضهن إلى ممارسة الدعارة.
وقالت "عليا مسلم" التي تعمل في مجال حماية الطفل لدى صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة (يونيسيف): "تجاربهن الجنسية بحكم حياتهن في الشارع تبدأ في وقت مبكر! لذلك من الطبيعي أنها عندما تكون مع أحد تنشأ بينهما علاقة جنسية."
وقالت نورا أنها في وقت ما عاشت "زواجا" غير رسمي مع أحد أولاد الشوارع "كانت لديه حجرة، ولم أكن أريد البقاء في الشارع."
ويقول العاملون في مجال رعاية أطفال الشوارع في القاهرة أنهم بدؤوا يُلاحظون ظهور فتيات الشوارع في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكن يحلقن شعرهن ليظن الناس أنهن صبيان فيدرأن عن أنفسهن بعض الخطر.
وزادت أعدادهن بدرجة كبيرة منذ ذلك الحين، وقالت "مسلم" أن ما بين 20 و30 بالمائة من أطفال الشوارع حالياً من الفتيات، ويُنظر إليهن باحتقار في مصر حيث يُنتظر من الفتاة أن تُحافظ على عُذريتها حتى الزواج، وتوصم ضحايا جرائم الاغتصاب بالعار.
وبالنسبة لماجدة وهي طفلة (11 عاما) ذات أسنان أمامية مكسورة وتقص شعرها على شكل ذيل حصان وتريد تتعلم الكاراتيه، كان انفصال والديها وضرب جدتها لها هو ما دفعها إلى الشارع منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتقول وهي تشرب من علبة عصير: "كان الأمر سهلاً، كنت أنام على الرصيف في الليل عادة." وأضافت: "كان هناك أشياء نخاف منها.
كنا نخاف أن يأتي صبيان في الليل."، وتمكنت من ترك الشارع بسرعة نسبياً ووجدت مأوى حيث التحقت بمدرسة وبدأت تخطط للمستقبل؛ فهي تأمل في الالتحاق بالجامعة.
وكانت فتاة أخرى هي "أماني" تواجه الضرب بسبب سوء أدائها في المدرسة فهربت من المنزل مع صديقة في الإسكندرية، لكن صديقتها تركتها عندما نفد ما لديها من مال.
وقالت "أماني" (15 عاما)" "جاء شاب وهاجمني وأفقدني عُذريتي". واكتشفت بعد ذلك أنها حبلى، ورغم أنها فقدت الطفل إلا أنها تخشى العودة إلى منزلها.
وأظهرت دراسة حكومية أُعدت عام 2006 أن نحو نصف فتيات الشوارع مارسن الجنس ونحو 45 في المئة منهن اغتُصبن. ويقول القائمون على رعاية الفتيات أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك، وعادة كما يقولون فإن الاغتصاب من أوائل التجارب التي تمر بها الفتاة عندما تخرج إلى الشارع. وفور حدوث ذلك كما حدث لياسمين يُصبح من الصعب للغاية العودة إلى المنزل.
وقالت ياسمين وهي تلف أصابعها حول طرف غطاء رأسها الوردي "خُطفت. وأبقوني أربعة أيام... كانوا ثمانية... وضعوا كلاباً حولنا حتى لا نهرب. وعندما تأتي فتيات جديدات كانوا يتركوننا نرحل. وقالت أنها حاولت العودة إلى دار إيواء بعد الاغتصاب ولكن رغم أنها كانت قد أقامت فيها من قبل إلا أنهم لم يقبلوها. وبعد سنوات حملت بصبي تقول أن والده مسجون بتهمة السرقة.
وتقول مسلم أن حمل بنات الشوارع لا يكتمل، إما عن عمد أو بسبب صعوبة حياة الشوارع، وأضافت "أنهن يتعاطين الكلة... وبعض أنواع الأدوية العادية التي قد تؤدي جرعات زائدة منها إلى حالات من الهلوسة.
وهن يُطلقن أسماء على هذه الأدوية؛ أحدها يُسمى "صراصير" لأنهن عندما يتعاطينه يتخيلن صراصير تهاجمهن". ويُمكن للفتيات الحوامل الحصول على مساعدة أثناء الولادة إذا ذهبن إلى دار إيواء، وإلا فإن ظروفهن تكون في غاية الصعوبة.
ويقول طارق علي المسئول الإداري في جمعية قرية الأمل التي تُدير مأوى لأمهات الشوارع: "أنهن يحملن ويُنجبن في الشارع. وهذا يُعرضهن للتلوث، وهو سلوك غير حضاري". والعديد من الأمهات لا يتمكنَّ من استخراج شهادات ميلاد لأطفالهن لأن الأب مجهول أو يُنكر البنوة.
وبطفل على كتفها تجد فتاة الشارع أنه أصبح من شبه المستحيل عليها التكامل مع المجتمع مرة أخرى؛ وتقول ياسمين وهي تُربت على بطنها الممتلئ في مأوى تُقيم فيه: "الناس ينظرون إلينا بكراهية. أريد أن أقول لهم أن يُغيروا نظرتهم لنا".