أرسلت هدى جادو (22 سنة، مصر) تقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كيف حالك يا دكتور؟ آمل أنك تتذكرني، قد تعتبر هذه هي المرة الثالثة التي أقرأ فيها هذا الموضوع، وعندي تعليقان:
أولهما: دور المرأة تكميلي في العادة وليس رئيسياً؛ فهي وراء كل عظيم، وهي راعية من نجح، ومعينة من كافح، ومساعدة وخادمة الرجل والابن، وهي التي تقف في الخلف لتدفع للأمام، أي أنها المدرسة الأولى، ودار الحضانة الكبرى. ثم ما يلبث أن يتغير الحال، وقد ينطبق على وضعها بعد ذلك قول الشاعر:
أعلّمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني.
حتى أن أحد أساتذتي قال مرة: وراء كل عظيم امرأة نجح في إزاحتها من أمامه!.
والمرأة في علاقتها بالرجل كثيراً ما تأخذ دور (الأرض) ويأخذ الرجل دور (البذرة)، أو أن تكون الأدوار مشتركة، أي أن يتبادلا الدوران فيصبح كلاهما أرضاً وبذرة في ذات الوقت، ويقدم كلاهما لكليهما الرعاية. بينما لا يمكن أن تكون الأدوار معكوسة أبداً، فلن يقبل بها الرجل ولن يصبح حينها له أي بريق في عين المرأة. إلا وأنه قد يرضي غرور المرأة أن تشعر أنها الأكثر ثراء وعطاء ومرونة وتعدداًَ في الأدوار.
وثانيهما: عن أي امرأة تتحدث؟
فقد يختلف الشرق ونماذجه في طريقة التنشئة والثقافة عن النماذج الغربية. فالتنشئة القائمة على فكرة التمييز والتفرقة والتهميش والاعتمادية، لن تتساوى مع التنشئة القائمة على الاستقلال والعدالة وتنمية القدرات الشخصية للفتاة.
كما أن القوة ليست منحصرة في القوة العضلية، فلقد أعجبني قولاً مشاكساً للفنانة ماجدة في فيلم "حواء على الطريق" إذ قالت لزوجها "الثور أقوى من الإنسان لكن عمره ما قدر يسيطر عليه!"، والذي دفعت ثمنه "روسية في دماغها"، وحديث حضرتك عن تفوق الرجل في أغلب المجالات قد يتعارض مع مظاهر التفوق الأنثوي التي ذكرتها حضرتك في (ضرب الزوجات للأزواج).
أضف إلى ذلك ما ذكرته حضرتك من أن العمل والنجاح بالنسبة للرجل يعادل الأمومة بالنسبة للأنثى، فالمرأة تترك التفوق العملي غالباً من أجل أمومتها، بينما لو أرادت احتراف مجال ما، فقد تتفوق في ذلك على الرجل. وقد قرأت عن دراسة (لا أعلم مدى مصداقيتها) أن الدراسات التي تقوم بها النساء تفوق الدراسات التي يقوم بها الرجال من حيث الكيف في حين أن الأخيرة تفوق الأولى كمّاً. فلا أعزو في رأيي نجاح وظهور الرجال إلى تفوقهم الفطري على المرأة، وإنما أعزوه إلى انشغال المرأة بدور آخر.
وعن الحركات النسائية الداعية لتحرير المرأة، ومساواة المرأة، وحقوق المرأة، وجمعيات النساء المتحدين والعوانس المتحدين وما إلى ذلك، فيوجد الآن جمعيات ذكورية أيضاً صارت تطالب بحقوق الرجل والمساواة والحماية له من المرأة اللعوب والمرأة الشرسة والمرأة الذئب. فهناك عصور تشهد ازدهاراً للرجال على حساب النساء وهناك عصور تشهد العكس، أي يوم لك ويوم عليك.
وربما ترجع كثرة الحركات النسائية هذه إلى أن المرأة لا تجد غضاضة في الشكوى والتعبير عن الاحتجاج على الظلم والشعور بالقهر، بينما يستكبر الرجل أن يعلن شعوره بالظلم فيلجأ للصمت أو العنف. وأعتقد أن سبب تبعية كثير من النساء هو طبيعة التنشئة والتربية، وأن شعور المرأة بالاستقلال وتساويها في المكانة مقارنة بالرجل، لا يرتبط بالضرورة بعدم اعترافها بقوة الرجل الجسمانية وجلده، وحقه في قيادة الأسرة قيادة غير مستبدة، ولا يرتبط بكون المرأة مسترجلة، كما لا يتطلب كذلك حدوث صراع بينهما.
وإن كان سر ارتباط الناس ببعضهم البعض هو تحتية أحدهم وتبعيته لآخر، وأن المرأة لو كانت مستقلة كالرجل فلن تستقيم العلاقة فيما بينهما، فبمَ نفسر علاقة كالصداقة بين اثنين من ذات الجنس- جنس التوابع أو جنس القادة- على حد وصف حضرتك- أو اثنين يجمعان لصفات القيادة والاستقلال؟
ولماذا نرى عادة بضرورة نشوء صراع بين أي طرفين يجمعان صفات واحدة كالقوة على سبيل المثال، أو النبوغ في مجال واحد؟ وأنه لا بد وأن تكون بداخل كل منهما رغبة في الانتصار والتفوق على الآخر أو تهميشه أو تحطيمه؟ حتى أن وصل هذا التصور إلى التفكير في دلائل وحدانية الله، فكان الاعتقاد بأنه لو كان هناك أكثر من إله لتصارعوا.
فحتى –لو افترضنا جدلاً– في حالة وجود إلهين فالإله المتصف بصفات الكمال سوف يتصارع مع الآخر ليزيحه أو ليتفوق عليه، وسوف يشعر بالغيرة والحسد مثل الكائنات الضعيفة والناقصة.
ولماذا لا يكون كل من الرجل والمرأة مستقلين، وفي ذات الوقت يعترف كلاهما بدوره الأساسي داخل الأسرة؟ كما لا يعني الشعور بعدم التبعية لآخر، عدم الاحتياج له؟
وقد أرى –رأياً متواضعاً– أن الإنسان اجتماعي ويحتاج للآخرين احتياجه للأنس والمعية والصحبة والمشاركة.. وليس احتياجاً للشعور بالتبعية أو الشعور بالقيادة.
آسفة على الإطالة، فأنا أستمتع جداً بما أقرأ لحضرتك وأستفيد استفادة كبيرة، كما أنني أفتقد حديث الجلسات الممتع.
جزاكم الله عنا خيراً.
28/11/2008
الابنة العزيزة "هدى جادو"،
شكراً لك على اهتمامك وتفاعلك مع الموضوع، وشكراً لك على قراءتك النقدية للنص المكتوب. وكما تعلمين فنحن في العلم لا نكتب نصوصاً مقدسة، ولكن نرصد ونلاحظ ما هو قائم بصرف النظر عن رأينا فيه وموافقتنا عليه من عدمه، وهذا الواقع يصور حال أغلب الناس وليس كل الناس فلا ينكر أحد وجود نساء متفوقات في كل المجالات ذلك التفوق الذي يسبق الكثير من الرجال.
وحين يتغير الواقع سيتغير ما نكتبه. وهذا قد حدث حين تآكلت مساحة الرجولة وضعفت وتضعضعت تحت تأثير عوامل قهر وضغط، فكتبت مقالاً بعنوان "الرجولة في خطر" يصور هذا الوضع البائس للرجال، ويصور هبوط مؤشر الرجولة مقابل صعود مؤشر الأنوثة والمتمثل في كثير من النواحي، منها على سبيل المثال أن غالبية العشرة الأوائل في الثانوية العامة من الفتيات، وغالبية الحضور في الندوات والمحاضرات وورش العمل من الفتيات والنساء، وأن المرأة أقوى بيولوجياً من الرجل (تقاوم المرض والحوادث بشكل أفضل) على الرغم من أن الرجل أقوى عضلياً منها (فرق بين القوة البيولوجية والقوة العضلية)، وأن المرأة أقل قابلية للرشوة والفساد من الرجل... وهكذا.
نحن في المجال العلمي لا نكتب مداهنة أو مجاملة لجنس على حساب الآخر، ولكن نصف واقعاً في زمن بعينه وفي مجتمع بعينه، وقد يتغير ذلك الواقع في ظروف ما فنراجع ما قيل أو كتب طبقاً للواقع الجديد. ولا يتصور أحد أن الله جلّ وعلا قد جعل الرجل مخلوقاً من الدرجة الأولى وجعل المرأة مخلوقاً من الدرجة الثانية، ولكن الحكمة اقتضت أن يكون في كل منهما نقص يكمله ويعوضه الآخر حتى تعمر الحياة بهما "معاً"، إذ لو اكتمل كل منهما لشعر بالاستغناء عن الآخر وابتعد عنه، وهذا ما يحدث لدى بعض النساء أو بعض الرجال حين يشعر أي منهما بالاكتفاء والاستغناء فيعيش وحيداً.
إذن فالنقص يوقظ الشعور بالاحتياج، ذلك الشعور الذي يترجم في صورة شوق وحنين إلى الآخر الذي نكتمل به، ومن هنا ينشأ قانون الحب، وفي هذه الحالة تزول تفاصيل النقص هنا أو التفوق هناك، وتزول حالة الندية المؤلمة والمقارنة الجارحة، وتحل محلها رغبة في الاقتراب الودود والاكتمال المطمئن.
أما لو حل قانون الصراع محل قانون الحب فستبرز تفاصيل مؤلمة لدى كل طرف عن الآخر، حيث يحسب كم لديه من النقاط مقارنة بما لدى الطرف الآخر، وكم أخذ هذا وكم فقد ذاك، وتسود حالة من الحسد والحقد المتبادلين، والندية الصارخة. والتعلق ليس مرادفاً للضعف، والاحتياج ليس مرادفاً للتسول، والرغبة ليست مرادفة للضعف، كما أن التبعية ليست مرادفة للدونية، بل إن الحياة تفرض هذا وذاك بين جنسين مختلفين أو حتى بين اثنين من نفس الجنس (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ( الزخرف : 32) (...... وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً (الفرقان : 20 )).
والمساواة ليست هي التساوي، والعدل قد يوجد رغم التفاوت في الحظوظ والملكات؛ إذ لدى كل من الرجل والمرأة مساحات تتداخل لتكمل الشكل بصرف النظر عن رصيد كل منهما في ذلك الشكل.
وحتى آية القوامة التي وردت في القرآن جاءت مشروطة "الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، وهذا ما يؤيده الواقع إذا كانت المرأة أكثر ذكاءً وموهبة، أو أكثر إنفاقاً، فإن دفة القيادة تتحول إليها طبقاً لقانون الحياة الذي لا يجامل جنساً على حساب الآخر.
وأخيراً أشكر لك هذا الثراء في العرض، وهذا الحماس في الاعتراض مع الأدب الجم في الحوار، وأتمنى لك كل خير.
واقرأ أيضًا:
حقوق المريض النفسي بين الرعاية والوصاية / قراءة نقدية لمشروع قانون الصحة النفسية الجديد / الفلوس والنفوس / مشاعر أرملة عصرية.