أيام قليلة ونشهد ذكرى ميلاد رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات وأتمّ التسليم، الحبيب المصطفى شفيعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون.
اعتدنا الحصول على إجازة في هذا اليوم المبارك باعتباره مناسبة تستحق الاحتفال، لن أخوض في شرعية هذا الاحتفال فلهذا المجال كتابه ومتخصصوه، ولكن ما يعنيني هنا –لو جاز شرعاً الاحتفال بهذه المناسبة– هو شكل هذا الاحتفال. فالمناسبات والأعياد لدينا ارتبطت بالماديات البحتة وخاصة بالطعام، ولا أدري لمَ؟ وكأن وسائل الاحتفال انعدمت ولم يعد لنا من وسيلة للفرح سوى الطعام.
ويتفنن الناس في ذكرى المولد النبوي الشريف في صناعة الحلوى أو ما اصطلح الناس على تسميته "حلوى المولد" ويصنعون ما يسمى عروس المولد أيضاً. والمتابع للشارع المصري قبل حلول هذه الذكرى بأسبوعين أو أكثر يلاحظ اختلافاً واضحاً في شكل ومداخل ولافتات محال الحلوى، فهذا نصب سرادقاً ضخماً أمام محله مخصص لعرض حلاوة المولد للفت انتباه المارة، وهذا علق لافتة ضخمة تهنئ المواطنين بهذه الذكرى الطاهرة معلناً تقديمه لأفضل تشكيلة من الحلوى!، مما يثير الاستنكار في ظل ظروف اقتصادية عادية باعتباره نوع من التبذير، فما بالك والظروف الاقتصادية متردية وتتحول من سيء لأسوء؟!
يبدو الأمر وكأنه إدمان لعادة سيئة لا نعرف طريقة للتخلص منها؛ فالارتفاع المجنون في أسعار كل شيء وانخفاض الدخول أولى بنا أن نرشد استهلاكنا ونخفض إنفاقنا، لكن الملاحظ أن هذه السلوكيات لا تؤخذ على أنها مشكلة تثير المجتمع، وكأننا نعيش أزهى الحالات الاقتصادية! فإذا كانت النفقات كثيرة ومرتفعة والدخول محدودة، لم إذاً كل هذا الإنفاق على الطعام؟ وفي مناسبة لا علاقة لها بالطعام من قريب أو بعيد؟! إن المنطق يقول أن من أراد الاحتفال بمولد الهدى صلى الله عليه وسلم أن يتخذ من خطوات عملية سبيلاً لهذا الاحتفال كي يَسعد ويُسعد صاحب الوسيلة والمقام المحمود.
الاحتفال الحقيقي يكون باتباع سنته عليه أفضل الصلاة والسلام، بتقصي خطواته في كل شؤون حياتنا، فأبسط الأمور الحياتية أرشدنا كيف نسلك فيها وكيف نتعاطى مع المواقف المختلفة، حتى دخول الخلاء ولبس الحذاء لهما سنة عن نبينا الكريم، وهذا كأبسط السلوكيات التي لا نعتقد ولو للحظة أننا لو تصرفنا فيها كنبينا الكريم فلنا بإذن الله أجر وثواب اتباع سنة حبيبه. وهذا جنباً لجنب مع سلوكيات المعاملة والعلاقات الاجتماعية المختلفة مع الأهل والجيران والزملاء والأصدقاء، ففي كل علاقة وفي كل سلوك سنجد سنة مهداة لرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.
الاحتفال الحقيقي يكون بزيارة مدينته حيث عاش وتعبد وعامل الناس بالرحمة والمودة والرأفة.
الاحتفال الحقيقي يكون بدراسة سنته والخروج منها بالعبر والدروس المختلفة.
الاحتفال الحقيقي يكون بكثرة الصلاة والتسليم عليه.
فلا أظن مطلقاً أنه –عليه السلام- سيسعد أننا نحتفل بذكرى ميلاده بالحصول على إجازة لتناول الحلوى!
اقرأ أيضاً:
كيف نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف ؟