بسم الله الرحمن الرحيم
في السنة الخامسة من دراستي.. بدأنا مجال طب النساء والولادة.. وفي هذا القسم رأيت عجبا...
•سيدة صغيرة تمسك بكيس ممتلئ بالأوراق بمختلف قطوعها.. تدخل على طبيب النساء في العيادة.. يميل علي-حيث أجلس بجواره أتعلم منه- ويقول لي قبل أن تأتيه المريضة: هذه المريضة تشتكي العقم.. ترتسم على ملامحي الدهشة. كيف عرف؟؟. جلست السيدة .. وقالت:
سبع سنين يا دكتور وربنا ما أذنش!! .. وتسترسل ويسترسل الأستاذ الطبيب في عرض الحالة من جانبها والأسئلة من جانبه.. والانتهاء بعد ذلك للخطوة المقبلة.. في اتجاه العلاج...
سألته: كيف عرفت أنها تشكي تأخر الإنجاب؟؟ ابتسم وقال: نحن في عيادة النساء وهي تحمل حقيبة أوراق.. يعني لفت ودارت على الدكاترة تخضع للتحاليل والتصاوير بحثا عن سببٍ لعدم الإنجاب... وتتوالى الحالات كل بتفاصيل مختلفة ودوافع أكثر من مختلفة.. لا أستطيع طرح رؤيتي وكأنها نتيجة إحصائية.. فلا أملك أدواتها.. ولكني لاحظت أن إقبال السيدات على تلك العيادات يدور من منطلق واحد.. سيرد فيما بعد من تلك السطور..
المهم أني لاحظت أن الطبيب يغفل الجانب النفسي والاجتماعي للحالة المرضية التي بين يديه.. في البداية كنت أنا أربت بكلماتي المتواضعة على المريضة وأسوق لها الكلمات المثبتة.. أمسح بها دمعها وأدخل اليقين بالله وبعطائه على قلبها طبعا قدر المستطاع وأشعر بأنهن متعطشات للكلام في غير ما جئن إليه.. يحتجن لمن يقول لهن: لا ذنب لك.. هكذا قد خلقت وهكذا كتب عليك قدرك.. وليس لأحد محاسبتك ومعاقبتك إلا بما اكتسبت يداك.. ولكن لا أحد يقول.. وبعد ذلك بدأ الأستاذ يتذمر فأنا أطيل فترة مكوث المريضة عنده.. وإحنا هنا مش جمعية خيرية..!!!!
فأصبحت آخذ المريضة على جنب وأصر على الاستماع لها والحديث إليها.. كانت نتيجة الاستماع غير الإحصائية.. أنهن موقنات بأمر الله وقضائه وقدره.. ولكن.. الزوج وأمه وأمها.. يسقينهن الويلات كل يوم بل كل لحظة على هذا النقص فيهن وكأنه من صنعهن...
(عيني مكسورة يا دكتورة.... الراجل هيتجوز عليَّ ويرميني في الشارع... وأمه بتسمم بدني.. الست ما تبقاش ست إلا بالخلفة.. أنت أرض بور مافيش فيك رجا.. ... )
أقول: معلش هم مشتاقون للعيال فلتعذريهم.. ربنا يهديهم.. تقول ما أنا كمان مشتاقة.. بس خلاص تعبت من الأدوية والتحاليل والشكشكة والعمليات.. أشعر بأن جسدي لم يصبح لي.. بل لغيري.. يفعل به ما يشاء!!!
إذا .. الدافع لهن الأغلب .. هو الزوج الساخط وأمه الأسخط.. ولولاهما لما كانت تلك العذابات...ولا كان هذا السعي.. بل سيكون الرضا والقناعة .. أحسب السيدة منهن ترتاح بالقرب من الزوج وتسعى له أكثر من سعيها للولد.. وأن سعيها للولد ليكون قربا للزوج.. بدليل أن لو القصة عكست وكان الزوج هو العقيم لما فكرت يوما في تركه جريا وراء العيال..
لكنّ الله...
** وفي نفس العيادة.. تأتي قائلة: أنا عايزة أربط!! أسئلة وأجوبة تروح وتأتي بين الطبيب والسيدة.. تنتهي باستحالة إجراء تلك العملية لأسباب قانونية... لأن الحالة تخلو من أي مرض تكون معه الولادة خطر محدقا بحياة السيدة.. أستشيط غضبا.. بس كده.. هو ده السبب المانع؟؟؟
شغل الدكتور عنها لبعض الوقت فتناولتها قائلة لها وسائلة: عندك كم طفل؟ أربعة ..ربنا يخلي هم لك وعندك كم سنة؟؟ خمسة وثلاثين.. جرى إيه لو عملت العملية من هنا .. ورجعت لقيت بعد الشر - الله يحفظهم - أولادك جرى لهم حاجة؟؟؟ سكتت.. زاغت عينها... وقالت: هو الربط ما بيتفكش؟؟ قلت: لا طبعا.. استرسلت: هل ترين السيدة المحزونة هناك؟؟ قالت؟ نعم.. قلت: هذه السيدة لها عشر سنوات زواج من غير إنجاب.. وزوجها قال لها مهددا لو لم تحمل سيطلقها.. هل استوعبت نعمة الله عليك.. التي حرم منها أناس آخرين في الوقت الذي حباك بها.. وللأسف تريدين بيديك زوالها...
قامت من مكانها.. وذهبت.. ولما رجع الطبيب سألني أين ذهبت؟ قلت له: سمعت كلامك يا دكتور وذهبت لحال سبيلها!!!!
**في غرفة الولادة..آلام فظيعة.. تنم عليها ما يخرج من أفواههن من صراخ.. وللعجب أن كل مرة تقول الواحدة فيهن: خلاص دي آخر مرة... توبة
من دي النوبة .. كفاية.. حمل وولادة.. أصل الراجل ما بيشعرش بالي أنا شعراه!!!؟؟
وبعد ما تضع وليدها.. وتأخذه وتضع حلمة ثديها في فمه النونو.. أسألها: هل لا زلت مصرة على أن تكون هذه هي المرة الأخيرة..؟؟
ترد وهي مبتسمة:لا.. كمان مرة ولا مرتين!! دي نعمة من ربنا يا دكتورة.. ربنا مايحرمش حد منها أبدا..
أقول : آمين..
تباين وتضاد.. ولكل حكمته من الخالق عز وجل.. يضمن هذا التباين التوازن السكاني في العالم لأنه عز وجل كل شيء عنده بقدر....ولا معقب لكلماته..
مودتي
اقرأ أيضاً:
يوميات رحاب: عن الازدواجية واللون / يوميات رحاب: العمل التطوعي / يوميات رحاب: سنن الفطرة.. / يوميات رحاب: العالمانية / يوميات رحاب: المنغولي