قرأت باهتمام ما نشر في جريدة الدستور في عدد 3 مايو 2005 من هواية تمزيق صور الفنانات في الحقيقة أعتقد أن التطرف ليس هو الإجابة الصحيحة تماما ... بل القضية أعقد من هذا وتحتمل عدة تفسيرات.
1– إن الجماهير تعامل الفنانين كأصنام تصنعها ثم تعبدها ثم تحرقها في أول فرصة بتلذذ وحشي ورجل الشارع يعجب بالممثلة الفلانية لكنه كذلك يحمل نحوها مزيجا معقدا من الاشتهاء والمقت والشك، وبالتأكيد سيرحب جدا بفضيحة لها تنشرها جريدة صفراء ولهذا تزاحم الفرنسيون لرؤية مشهد إعدام ماري أنطوانيت كما كانوا يتزاحمون لرؤية موكبها قبله أسابيع، تمزيق صور الفنانين هو إذن نوع من الإعدام الرمزي لهم.
2– في مصر يمكنك أن تكتشف بسهولة حقيقة أن الكبت الجنسي والحرص الزائد على الأخلاق هما وجهان لعملة واحدة يسهل على المرء أن يبدي تذمره بسبب الإباحية المتفشية لكنه في الآن ذاته يتذمر بسبب إحباطه الجنسي الخاص على طريقة (وأنا ما ليش) وكل عاشقين يعرفان أن الرجل الذي ينهرهما أو يكتفي في الصبح سيب النعجة يا خروف!، لا يفعل ذلك بسبب حرصه على الأخلاق فقط بل أن هناك قدر لا بأس به من الحقد في هذا التصرف وهو – للغرابة – النوع الوحيد من الحقد الذي يرحب به المجتمع لأنه يدل على شدة التقوى.
3– في جريدة (سوشيالست ريفيو) يتحدث"بات ستاك" عن جماعة دينية أيرلندية تمزج العقاب الجسدي للخطاة مع مداعبتهم جنسيا ويقول أن هؤلاء المتدينين هم الأكثر احتراما بالنسبة للمجتمع الأيرلندي كانت نشأتهم نموذجا للكلوستروفوبيا الدينية حيث تعرضوا لما يسميه (سادية دينية) في التربية ولديهم استعداد شديد للعنف، وفي صور الفنانات الممزقة يسهل أن تجد نوعا من الغل والسادية الواضحين، هناك رائحة ما من انتقام المحرومين، ولذا أرتجف عندما أرى هذه المشاهد كأنني أرى حادثة اغتصاب وقتل حقيقية لأنني أعرف أن نفس سفاح تعبر عن نفسها بتمزيق صور الصدور والسيقان هذه، وهو نوع من الاغتصاب الرمزي symbolic يعرفه الأطباء النفسيون جيدا.
لقد كان أحد هؤلاء يحكي لي كم بلغ الفساد بنا! وراح يحكي لي ما كانت تلبسه –أو لا تلبسه– تلك الممثلة أو تلك فرأيت عينيه الحمراوين واللعاب الذي كاد يسيل من فمه، فأقسمت في سري على أن هذا وجه شهوة لا وجه تعفف لكنها الشهوة الوحيدة التي يمكن أن تتخفى في ثياب التعفف، هل كان رجال محاكم التفتيش مخلصين للدين حقا في عقابهم للنساء بتلك الطرق البربرية التي نقرأ عنها اليوم، أنها مجرد سادية اتخذت شكل ورع ديني.
هل يبدو الأمر واضحا؟ للأسف هو ليس كذلك بالنسبة لأكثر الناس من يمزق صور الفنانات في الإعلانات هو رجل عفيف النفس لا يحب الحال المايل، وما عدا ذلك سفسطة، أما عن حكمة ومسئولية تعليق صور مثيرة في شوارع مكبوتة ارتفع فيها سن الزواج واستحالة الزواج نفسه فموضوع طويل ليس هنا مجاله على كل حال.
عن جريدة الدستور: عدد الأربعاء 11/5/2005
واقرأ أيضا:
يوميات رحاب: يرعبني الصراخ / يوميات رحاب: يوم أسود.. لا أياام / يوميات رحاب: الحجاب في التلفاز / يوميات رحاب الآه / يوميات رحاب عدوة النساء!!!!