كان يوما غريبا، كأنما أتاح الله لي أن أرى عقيدتي متمثلة أمامي في تصرفات هؤلاء الأشخاص في تلك المواقف:
الموقف الأول:
أنا واثنان آخران مع صديق لنا في سيارته، ذاهبين جميعا لتلبية دعوته الكريمة -التي لا تخلو من مصلحة- لالتهام وجبة سمينة، كان صديقي يبحث كالتائه عن موضع يوقف فيه سيارته، راح وجاء حول موقف الانتظار، لا يدري من أي البابين يدخل، أمن الذي كتب عليه (خروج فقط.. ممنوع الدخول)، أم من الباب الذي وقفت في عرضه سيارة فارهة كتب على لوحتها من الوراء (هيئة دبلوماسية)!
بالقرب من السيارة كان يقف رجل مصري يعلق في رقبته سلسلة ذهبية ويلبس أساور بدا لي أنها من نفس نوع المعدن سابق الذكر، وحوله تقف ثلاث فتيات أجنبيات شقراوات.
ناداه صديقي بأسلوب ابن البلد البسيط: من أين أدخل؟
انتفش الديك، وضع يده خلف أذنه بطريقة مستفزة، كأنه لا يسمع، ثم اقترب من الزجاج وقال بلهجة ساخرة حادة: ماذا تقول؟ أنا لم أسمعك!
أجابه صديقي في سذاجة: كنت أقول: أين مكان الدخول؟
صاح الديك مؤذنا: وهل أنا صبي الموقف؟ هل تراني كذلك؟ لماذا تسألني أنا؟
كان متجهما غاضبا، بينما على بُعد كانت تقف الفتيات هادئات مبتسمات، يحدث بعضهن بعضًا، غافلات عن هذا القرف!
هدأت الموقف واعتذرت للديك المنفوش، ثم اتجهنا إلى موضع آخر أوقفنا فيه السيارة.
كانت بداية غير مشجعة.
الموقف الثاني:
سلكنا الطريق متجهين إلى المطعم، كان بعيدا بعض الشيء، شعرت كأني في ثكنة عسكرية، يعج المكان بالعسكر والشرطة من أجل حماية الأجانب بالطبع، فنحن بلد كريم مضياف.
في وسط الميدان كان يقف رجل أجنبي، طويل القامة، نحيف القوام، كان واقفا ينظر إلى خلفه في خشوع كأنه تائه.
كان يسير بجواري أحد الأصدقاء، طويل القامة، كنا نرميه بأن قدمه لا تدري موضع نزولها، وأنها تطيش على الأرض، فجأة امتطت قدمه قدم الأجنبي في منظر نادرا ما يتكرر، التفت الأجنبي مذعورا، أحسست أنه سيصفعه على وجهه، لكن الأجنبي قال في أسى: ((I'm Sorry))!
مر صديقنا الذي لم يكن يتقن الإنجليزية أو حتى الاستماع إلى أحد في سرعة، لم يلتفت، قلت للأجنبي بالنيابة عنه: ((Never mind)) ،((you are welcome)) سألني صديقي: ماذا قال؟ قلت له: إنه يسبك ويسب اليوم الذي رآك فيه!
الموقف الثالث:
بعد أن تناولنا الوجبة الموعودة وفي طريق العودة رأينا عاملا مصريا أسوانًا، من هؤلاء الذين تراهم مستعبدين في بلادهم وفي غير بلادهم، وكما يقول المثل البلدي: خايب بلاده خايب بلاد الناس!
كان العامل يحمل فوق ظهره حملا ثقيلا، انحنى له ظهره، وبينما كان يمر في الطريق مس دون قصد المؤخرة المصونة لامرأة خليجية عريضة، قد سدت الدرب على المارة، التفت الرجل واعتذر بأسف بالغ رغم حمله الذي أحنى رقبته، لكن المرأة انفجرت فيه قائلة: عَمَى.... كلب، حيوان، كانت كأن شياطين جهنم تتقافز في وجهها، وكأنها المرة الأولى التي تُمس فيها مؤخرتها!
أشار بعض الرجال المشاهدين للموقف للرجل حتى ينجو بنفسه، بينما راح آخرون يهدئون المرأة ويعتذرون لها عما أصاب مؤخرتها المصونة!
هل لاحظ أحدكم الفرق فيما بيننا وبينهم؟! ربما لا!
واقرأ أيضاً:
برنامج ((على البحر)) البذاءة تعلن عن نفسها! / مسرحية الإسكندرية.. فوضوية الاستهزاء