آفاق بلا حدود يفتحها خيالي حين ينطلق
في طفولتي كنت أتخيلني في مواقف كثيرة، وأحيانا أندمج في تقمص أحد أدوار الرواية التي أتخيلها، وأدخل في نمط من المونودراما الفردية، فأنا الممثل والجمهور والنقاد، وما زالت تلك الطقوس الدرامية معي، لم أتخلص منها، ولكن الوقت المتاح تقلص كثيرا!!
ربما في مرحلة الطفولة تجتاح المرء خيالات سحرية وأسطورية، "ولدي" ذي السبع سنوات يتخيل نفسه "سامواري" جاك الذكي، ذالك المحارب الياباني ذي السيف البتار، يواجه الأعداء وينتصر عليهم بسرعته وحنكته، ولأنه البطل، وهكذا يريد ولدي أن يكون: بطلا وذكيا.
فاجأني ذات مرة. ويدهشني جدا حين يفعل، فقال: سأروي لك نكتة... ذهب الصياد ليصطاد- ألقى بالشبكة- لم تخرج له أية سمكة- دخل بالشبكة على شبكة الإنترنت "هكذا قال نصا"!!- فاصطادت له الشبكة- "لم يوضح أيتهما"؟! اصطادت له سمكة من الخيال!!
ومرة أخرى التفت لي وقال: عارف يا بابا.. اللي ربنا بيحبهم، حيبص لهم يوم القيامة، وساعتها حيفرحوا قوي، نقلتني كلماته في لحظة إلى هناك في يوم الحشر، ومرت على مشاعري نسمات ذالك الإحساس الرائع الفريد الذي تصوره "علي" وصوره لي!!
هل يرزقنا الله قوة الخيال، وطاقة التخيل ثم يقضي عليها التعليم والكبت، وآلاف القيود والسدود إلا فئة قليلة هي المبدعين، والروائيين، والشعراء الحقيقيين؟!
وأقرأ في القرآن فأجده كتاب خيال في بعض أجزاءه وصوره، وأجد والإيمان هكذا يعتمد على الخيال القوي حين ترحل بأفكارٍ ومشاعر وصور وأصوات ألوان وأحاسيس إلى أعماق التاريخ السحيق ومشاهده، أو لوحات ولمحات من اليوم الآخر بنعيمه وجحيمه، وأشعر بالبؤس، وأنا أرى خيالنا قد صار محتلا بالصور المكررة المصنوعة، والمعاني سابقة التجهيز المبثوثة المسموعة والمصورة!! أو المسلسلات المملة أو المقالات المعادة.
يبدو أن ما ينجو من قهر التربية والتعليم تستلمه تشويهات الإعلام، ويطير كل خيال البشر عندنا على متن طائرات معطوبة غالبا، فيكونون أكثر عرضة للحوادث والكوارث!!
تمنيت أن يكون لدينا من يكتب أغاني بشعره وروايات أفضل، وتمنيت لو نعيش خيالا أكثر ثراءا وتنوعا وجمالا، لأن أشياء كثيرة- تتعلق بالتغيير والنفع ومصلحة الفرد والمجتمع إنما تبدأ بخيال إنسان دعوب يسعى وراءه ليحققه، ونحن خيالنا قاحل ينتصب في عقولنا عالما بديلا عن الواقع المفتقد لأساسيات أحيانا، ولا يكون بذالك مقدمة لتغيير أو حلم بثورة أو نهضة أو ما شابه، ولكن يكون جزءا من عملية تسكين وتخدير تزيد من بؤسنا!!
عندما سألوني ماذا تريد أن تكون أبواب موقعك الشخصي،askdrahmed.com طلبت قسما كاملا للخيال والمبادرات والشطحات وأسميته "إفتكاسات" لو كنت مثل "علي" أحمل سيف "ساموراي" لقطعت به فورا كل أغلال الخيال ليتحرر وينطلق ويحلق مواسيا لمن حياتهم بعيدة عن أمانيهم، أو تفتقد للحد الأدنى الإنساني من المقومات، فيكون لديهم على الأقل حلم بأمل، وبالتالي رغبة وقدرة على عمل شيء في سبيل الغد، وليكون الخيال معالجا لمن تتناقض مطالبهم مع ظروفهم أو قدراتهم، أو تتعارك قيمهم مع إغراءات البيئة من حولهم، أو ضاقت بهم السبيل، والأرض بما رحبت، هؤلاء جميعا وأولئك أدعوهم ليصطحبونني محلقين فوق السحاب.
اقرأ أيضا:
على باب الله التعبير والتفكير / على باب الله العيش موتا في أوطان تنتحر