على عكس كثيرين لم تزعجني أبداً هذه الصورة التي يظهر فيها الرئيس مبارك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت كأنهما صديقان قديمان بينهما من الود الدافئ ما يكفى لإذابة جبال جليد القطب الشمالي.
ولست أدرى بأي حق ينتقد المغرضون صورة كهذه دون أن يدركوا أن من حق الرئيس أن يضع يده على كتف من يشاء، كما أن من حقه أن يسمح لمن شاء من ضيوفه بوضع يده على كتفه، فإذا كان المرؤوس حراً في كتفه يتصرف فيها كما شاء ، فما بالكم بكتف الرئيس وهى بسبعين مليون كتف مما تعدون.
يقول هؤلاء المغرضون أن السلام الذي بيننا وبين إسرائيل سلام بارد لا يستوجب كل هذا الدفء وكل تلك الحفاوة في الاستقبال خاصة أن إسرائيل كانت قبلها بيوم قد قتلت مع سبق الإصرار اثنين من أبنائنا على حدودها.
وردى عليهم أنهم ليسوا أهلاً لكي يقرروا للرئيس ما ينبغي أن يفعله وأن مقتل اثنين من أبناء شعبه ليس كافياً لكي يجعله يعرقل مسيرة السلام التي ينبغي أن تسير كتفاً بكتف مع مسيرة الإصلاح السياسي التي تسير في شارع عبد الخالق ثروت، (بقى لها كذا خميس).
خاصة ونحن نعلم أن الرئيس مبارك لا يحب العنتريات والشعارات، وأن حكمه حكم متدين جداً بدليل أنه كلما قتلت إسرائيل بعض جنودنا على الحدود فإننا لا نطلب من إسرائيل سوى"التفسير" وفي ذلك قمة التدين الذي يملي على المؤمن الرضا بقضاء الله، وأن الحي أبقى من الميت، ويا بخت من مات مغدور وما ماتش غادر.
لقد تفاءلت كثيراً عندما شاهدت هذا (التكاتف) الذي يبدو جلياً في الصورة فقد رأيت فيه مؤشراً لسياسة جديدة أعتقد أن الرئيس مبارك سينتهجها في الفترة القادمة التي ستكون فترة حالمة هادئة مليئة بالمودة والمحبة وخالية من أي تصعيدات أو أزمات، لذلك أتوقع قريباً أن نرى صورة مشابهة للرئيس مع رئيس وأعضاء مجلس إدارة نادي القضاة يضع فيها الرئيس يداً على كتف المستشار زكريا عبد العزيز وأخرى على كتف المستشار هشام البسطويسي بينما يظهر في الصورة المستشارون الخضيري وأحمد مكي ومحمود مكي وناجي دربالة وغيرهم من فرسان نادي القضاة، وهم ينتظرون دورهم في التصوير بجوار الرئيس ليضع يديه على أكتافهم بمودة خالصة وحب حقيقي.
أتوقع أيضاً أن أرى صورة للرئيس مبارك مع قيادات حركة كفاية ولو أنه سيكون من الصعب على الدكتور هاني عنان أن يحظى بوضع الرئيس يده على كتفه فهو أطول من اللازم وسيشوش جو المودة اللازمة للصورة، لذلك يمكن أن يتم إصدار توجيه للدكتور نظيف بوضع يده على كتف هاني عنان بينما يحظى كل من جورج إسحاق وعبد الحليم قنديل بهذا التكاتف الرئاسي، على أن يسجل الراغبون في تكاتف مماثل أسماءهم مسبقاً حرصاً على وقت الرئيس الثمين.
وفور خروج قيادات حركة كفاية من الصالون الرئاسي سيدخل فوراً قيادات حزبي الوسط والكرامة الذين لقوا كل تعنت وهم يحاولون إصدار ترخيص رسمي لحزبيهما اللذين سيمثلان دفعة جبارة للعمل الحزبي في مصر بعد أن كاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، سيقف أبو العلا ماضي وعصام سلطان عن يمين الرئيس –باعتبارهما ممثلين لليمين – وحمدين صباحي وأمين اسكندر عن شمالهم – باعتبارهما ممثلين لليسار – وستسطع الضحكات صافية وشاهدة على دخول مصر مرحلة جديدة في العمل السياسي.
بالطبع سيأتي بعدها دور نقابة الصحفيين التي سيصطحب أعضاء مجلسها وفداً مكوناً من الصحفيين الذين صدرت عليهم أحكام في قضايا نشر أو الذين ينتظرون الحكم عليهم في قضايا نشر، وستأتينا عبر الوكالات صور مبهجة للرئيس وهو يتكاتف مع كل هؤلاء الصحفيين فرداً فرداً ليثبت لهم تقديره الخاص للصحافة التي عاشت في عهده أزهى عصور الحريات.
بعدها دعوني أبشركم، ستتوالى لقاءات التكاتف بين الرئيس مبارك وقيادات نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين والصيادلة وغيرها من النقابات والهيئات والأحزاب التي عاشت أجواء من الحرب الأهلية مع أجهزة الدولة طيلة السنوات الماضية، بل ولربما حدثت المعجزة فشاهدنا لقاء للرئيس مبارك مع قيادات حركة الإخوان المسلمين بمن فيهم اللذين تم إخراجهم من السجون، يتم فيه السماح لهم بإنشاء حزب سياسي شريطة أن يحلوا وجود جماعتهم غير القانوني ليعملوا في النور ويحلوا مشكلة الصراع القائم بينهم وبين أجهزة الدولة.
يااااااه، هل يمكن لنا أن نتخيل يد الرئيس على كتفي الدكتور عصام العريان والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، بس حيلك حيلك، أعلم أنك تقول لي هذا الآن لكي تردعني عن غيي وتوقفني عن المضي قدماً في شطحات خيالي، لكن من قال لك أن ما قلته شطحات خيال أو حلم ليلة صيف لا تكييف فيه، مع أن كل ما حلمت به يستند إلى تحليل منطقي واقعي عقلاني لهذه الصورة التي أغضبت البعض منكم، وجعلت الدماء تغلي في عروقه.
يا سادة يا كرام إذا كان الرئيس مبارك مشكوراً قد صفح عن فعلة إسرائيل الشنعاء ولم تأخذه العزة بالإثم ، فيقرر إلغاء لقاؤه بإيهود أولمرت أو تأجيله إلى أجل غير مسمى أو يوجه له احتجاجاً شديد اللهجة أو حتى يكتفي بلقاء دبلوماسي فاتر معه، بل قرر أن يحتفي به ليثبت له أن مصر أكبر وأجدع وأوسع صدراً وكتفاً، فبالتأكيد لن يرضى سيادته ألا يحظى القضاة والصحفيون وأعضاء حركة كفاية وجماعة الإخوان وقيادات النقابات المهنية التي ينكل بها بشرف مماثل وتكاتف أكثر حرارة.
هل تريدونني أن أصدق أن الرئيس مبارك لن يفسح صدره لهؤلاء جميعاً، وهم من خيرة أبناء مصر وأنضج عقولها وأخلص قلوبها، بينما يفسح صدره لرئيس وزراء دولة ظلت تعادينا سنوات طويلة وخاضت معنا أربع حروب مدمرة ثم وقعت معنا اتفاقيات سلام أكثر أوصافه تسامحاً أنه سلام بارد، مع أنها في حقيقة الأمر تخوض معنا حرباً باردة تتجلى في محاربتها لنا بألف سلاح وسلاح بدءاً من ضغوط اللوبي الصهيوني داخل أمريكا وانتهاءاً بقضايا الجاسوسية التي تم ضبطها، وما خفي كان أعظم.
ورغم ذلك فإن الرئيس مبارك لم يجرمه شنآن الإسرائيليين على ألا يضع يده على كتف رئيس وزرائهم ولا يستقبله استقبالاً حاراً، لقد فعل الرئيس مبارك ذلك بانحياز كامل للسلام في مقابل الأصوات التي تدق طبول الحرب.
وهو أمر يجب أن نشكره جميعاً عليه فلسنا في حاجة لحرب جديدة تأكل ما بنينا طيلة السنوات الماضية، كما أننا لا يمكن أن نتصور أن الرئيس مبارك والذي يسعى لكي يعم السلام المنطقة، سيغفل عن أهمية أن يسود السلام ربوع الوطن فتهدأ حالة الغليان التي تسود الشارع السياسي ويتم الاستماع لمطالب النخب السياسية والمهنية التي لم تكن يوماً ما متعنتة مثل المطالب الإسرائيلية، خاصة أن هذه النخب لم تضرب المجتمع بالطيران، ولم تقصف جنود مصر بدانات المدافع، ولم تنسف مساعي السلام في المنطقة.
لقد مدات هذه النخب يدها لأجهزة الدولة طالبة الحوار المرة تلو المرة، ولم يسمع لها أحد، بل على العكس تم سحل رموزها في الشوارع والزج بهم في السجون، بل ووصل الأمر إلى هتك أعراض الناشطين والناشطات جهاراً ونهاراً وهو أمر لو كان قد حدث لإيهود أولمرت ولو بالصدفة لاندلعت حرب مدمرة في المنطقة بل وفي العالم بأسره.
إنني لا أتخيل أبداً أن يكون إيهود أولمرت أقرب إلى رئيسنا منا فيحظى بكل هذا القدر من التكاتف الرسمي برغم فعلاته الشنعاء بأهلنا في فلسطين، بينما لا يحظى المعارضون في مصر إلا بالأكتاف القانونية والأمنية التي تكبل نشاط أحزابهم وإصدار صحفهم ونزولهم إلى الشارع للتعبير عن أرائهم، ولا يمكن أن أتصور أن يكون لرئيس وزراء الدولة الصهيونية الحظ في أن يضع يده على كتف الرئيس ويضع الرئيس يده على كتفه، بينما اليد الرسمية الوحيدة التي تمتد إلى كتف المعارضين في بلادنا هي اليد التي تزغدهم لتزج بهم داخل البوكسات المتجهة إلى السجون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يبقى الآن أن ننتظر تحقق أحلامي في مصالحة وطنية يتبناها الرئيس مبارك، وإلا فليحضر كل كتفه ليوم الزغد العظيم.
نقلاً عن الدستور
اقرأ أيضا:
على باب الله: معركة الخيال/ على باب الله: المرايا الكاذبة