كنت أمضي في طريقي إلى منزل جدتي القريب، كي أوصل لها النقود التي تعودت أمي إرسالها معي أول كل شهر على أنها نقودا خاصة بالجمعية التي تنظمها جدتي مع نساء المنطقة.
لحسن الحظ كان اليوم هو أحد أيام شهر رمضان، ولهذا السبب فقط سمحت لي أمي بالسهر خارج المنزل حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل، فقد كانت أمي تخشى على من السهر وبالأخص خارج المنزل، وحين كنت أحاول التودد إليها وقضاء جميع طلباتها من احتياجات المنزل كي تتركني أمارس حقي في السهر قليلا كانت ترفض ذلك وتتحفني بجملتها المملة:
< يا بني الليل مش لينا لوحدينا >
في إشارة واضحة منها في أن الليل يمثل ملكية خاصة للجان والعفاريت، يمارسون أشغالهم فيه مثلنا في النهار، أعتقد أنها كانت مؤمنة تماما بهذا الهراء، كنت أعلم أنه هراء تقوله الأمهات دائما كي يؤثرن على أولادهم خاصة الأطفال ممن هم في مثل سني.
ها هو منزل جدتي يقترب، أنه منزل كبير تحيط به حديقة واسعة له أسوار من الحديد المدبب تماما مثل الفيلا التي كان يمتلكها الأخ عماد حمدي في فيلم لا أذكر اسمه حاليا، لن أندهش إن وجدت شادية تداعب طفلها وتغنى له < سيد الحبايب يا ضنايا أنت > فهذه الأمور تحدث كما تعلمون.
ها هي جدتي تقترب في بطء لتفتح لي، كنت أستطيع ملاحظة ما يجري داخل المنزل من خلال ثقب في هيكل الباب، ثقب صغير جدا لا يراه أحد إلا من هم في مثل طولي أو أقصر قليلا كثيرا ما كنت أستمتع بالتلصص عليها خاصة حين تتشاجر مع جدي.
أخيرا فتحت الباب فلأحاول التظاهر بالوداعة والأدب معها علها تعطيني جنيها أو اثنين كي أتمكن من تأجير دراجة أو شراء بعض الحلوى فأنا في الحقيقة إنسان يعشق الحلوى ولكنها لم تعطني تلك العجوز الغبية، حتى بعد أن قلت لها <كل سنة وحضرتك طيبة> وبعد أن أعطيتها نقود الجمعية كاملة غير منقوصة هذه المرة، لم تعطني منها حتى ولا ربع جنيه
كنت كثيرا ما ألعنها في سري فأنا لا أرتاح لها على الإطلاق على عكس زوجها حيث كان جدي من أغنى الرجال بالحي يمتلك إلى جانب هذا المنزل محلا لبيع الكشري وأيضا صالون للحلاقة وكان ينفق كل مكاسبه على النساء والخمر لذلك فقد كانت تكرهه، أستطيع أن أرى ذلك في نظراتها له، أمي أيضا كانت تكرهه رغم أنها ابنته الوحيدة كانت دائما تقول لجدتي ألست أنا وابني أولى بكل هذه النقود التي ينفقها على الكلام الفارغ؟
وكنت أنا لا أحمل لجدي أي ضغينة فهو دائما ما يعطيني النقود حين أطلبها وفي أحيان أخرى كان ينهرني بشدة ويقول لي اذهب إلى أمك وهي تعطيك عندها فقط كنت أعلم أن الأمور ليست على ما يرام بينه وبين أمي فقد كانت دائمة الشجار معه في الأيام الأخيرة، ولم أكن ألومه على كل حال فأنا أعلم لسان أمي الذى لا يطاق في الحقيقة، كنت فقط لا أحترمه تأثرا بكلام جدتي وأمي عنه وإطرائهم المستمر على شخصيته مثل أنه كذيل الكلب لن يستقيم أبدا أو أنه كبر وخرف على آخر الزمان
بعد نهاية مهمتي وفشلي في التحايل على جدتي كي تعطيني بعض النقود قررت الرجوع إلى منزلي حتى أتمكن من اللحاق بوجبة السحور، إن أكثر ما يضايق أمي في الحقيقة هو تأخري عن اللحاق بمواعيد الغذاء، خاصة في شهر رمضان، لا أخفي عليكم سرا فأنا لا أصوم لا أستطيع تحمل الجوع ولا العطش، ثم أني لا زلت صغيرا على الصيام فما بالكم بجدي وهو في مثل هذا السن لا يصوم أيضا فهل أتحمل أنا صيام شهر بأكمله؟
لكن أمي لم تكن تعلم فقد كانت تعتبرني مثالا للطفل المثالي، لم أكن أهتم في الحقيقة، المشكلة في أنها كانت تتحكم في حياتي بشكل أو بآخر، لذلك فقد حرصت على إخفاء الأمر عنها.
لقد اقترب منزلي ولكن ما سر هذا الصوت ؟ انه يبدو كوقع لأقدام شخص ما يتبعني إن إحساسي لا يخيب، فأنا أسمع هذا الصوت منذ خروجي من دار جدتي التفت فجأة فوجدته كيف لم أنتبه ؟ من المفترض أن أتوقع أنه يضمر لي الشر، فقد رآني اليوم وأنا أتلصص على أخته وهي تقوم بالاستحمام، فأنا بلا فخر أفضل متلصص رأيته حتى الآن، ولكن هل هذا وقت تفاخر؟
أطلقت ساقي للريح عائدا لمنزل جدتي، وفي أقل من دقيقتين كنت أقبع في ظلام الحديقة، اقتربت من الباب كي أتمكن من تنبيه جدي أو جدتي لإنقاذي في حال تمكن من اللحاق بي ولكنه لم يأت لحسن الحظ، انتظرت لبضع دقائق أخرى يبدو أنه قد صرف نظر عن الانتقام هذه الليلة أخذت استرجع مشاهد اليوم...... الفتاة تستحم، نظرات عينيه عندما رآني، وعدم ظهور أي ردة فعل على وجهه، كنت قد توهمت بأنه سيحاول نسيان الأمر، حتى لا يجلب العار على أخته.
يبدو أنني استغرقت في التفكير، ولم أنتبه إلا على صوت جدي وهو يتجشأ ويصيح في جدتي بأن تحضر له كوب العصير المفضل لديه حتى يمكنه هضم وجبة دسمة كتلك، وبحركة لا إرادية أخذت أتلصص عليهم من ثقب الباب كالعادة: شاهدت جدتي وهي تخرج من باب المطبخ وتحمل بيدها كوب العصير، ثم توقفت فجأة وأخذت تتلصص هي الأخرى على جدي، عندها انتبهت وقررت مواصلة المشاهدة يبدو بأننا عائلة تهوى التلصص، وعندما وجدته غير منتبه وشارد تماما أخرجت من طيات ثيابها زجاجة شبيهة بدواء الكحة الذي أكرهه، وقامت بتفريغ محتويات الزجاجة داخل كوب العصير..... اكتفيت بما شاهدت اليوم وقررت الرجوع للمنزل، سلكت طريقا آخر للرجوع في محاولة للتمويه، ولم يكن يتبعني لحسن الحظ
في صباح اليوم التالي علمت أن جدي قد مات إثر نوبة قلبية، وبعدها بمدة قصيرة استضافتني جدتي للعيش معها، وكانت في الحقيقة تجذل لي العطاء أكثر مما طلبت، فقد أهدتني بجهاز بلاي ستيشن رائع، ولم أعد أتوسل في طلب النقود، فأي شيء أطلبه كانت تعتبره أمرا واجب عليها تنفيذه، فأشياء مثل التدخين ومصاحبة الفتيات، كانت من الأمور المحرمة فيما مضى ولكنها الآن أمور عادية، نقود الجمعية أيضا كانت من نصيبي، ولكن الأمر الذي يدهشني حقا، هو عدم اعتراض أمي على أي من أفعالي إنها تتصرف كأن هناك اتفاقا قد تم بيننا، وأنا على حد علمي لم أتفق إلا مع جدتي
واقرأ أيضاً:
همسة إلى مدخن / فين المصري؟؟؟ / عيال صايعه..... بس عندها منطق! / حدث في يوم شم النسيم...... / يا عيني ع الدكاترة.... / حتشبسوت... قفلوا عليك يا حلوه تابوت / بسم الله.... حلال الله أكبر.... / هل أنت مصاب بالفضول المرضي؟؟