إنه حلم جميل يود الإنسان ألا يفيق منه، ففي ليلة 25 يناير لم يتصور كائن ما كان أنها ثورة، وأنها سوف تحقق حلم الملايين في إزالة النظام البائد. فهذا كان الحلم وتحقق، والحمد لله، فهل نعيش في الحلم أم نفيق للواقع وندرك دورنا اللازم لتحقيق باقي أحلام الثورة.
لقد عجب البعض من ثورة 25 يناير، لأنها ثورة فريدة من نوعها، فهي الثورة الوحيدة في العالم التي عقب انتصارها سلمت الحكم لآخرين ليديروا البلاد وليحققوا حلم الملايين في بناء الدولة الحديثة العادلة.
وإن كانت هذه المقولة تعبر عما يبدو في الصورة، إلا أن ما يبدو لم ينتج عن نقصٍ في وعي الثورة ولكنه نتج عن نضجٍ حقيقيٍّ لأحلام الشعب المصري، فهذه المقولة تتوهم أن من يحكم مصر الآن لا يمثل الثورة.
إلا أن هذه ليست الحقيقة فمن يحكم مصر الآن هي ثلاثة جهات مشتركة في الحكم: أولها وأهمها نبض الشعب لأنه حينما يشعر الشعب بعدم الاطمئنان فهو ما زال قادرا على الخروج للشارع حيث أسقط الديكتاتور، وثانيها هو شخص رئيس الوزراء "عصام شرف" الذي هو جزء من الثورة وكان من أوائل من خرجوا مناديين بإسقاط النظام، ولأنه يتسم بالعقل والحكمة فقد ولاه الشعب ووهبه ثقته، وثالث تلك الأطراف هو المجلس العسكري الذي يملك الكلمة الأخيرة في كل القرارات، وهو أيضا محل ثقة الشعب لأنه ورغم شبهة إفساد بعض قياداته فقد استجاب لإرادة الشعب وخلع رأس الفساد، ويرجع ذلك لكون الجيش المصري وكما كان طوال تاريخه ممثلا لكل شرائح الشعب المصري، ولذلك فهو جزء منه فلكل عائلة مصرية عضو في هذا الجهاز الشريف.
ويصطدم كل ذلك ببطء الحركة مما أدى لأن يتهم البعض المجلس العسكري، وحتى منهم من اتهم عصام شرف، بالتخلي عن الثورة، وهذا بلا شك ليس حقيقيا، فإن قرار المجلس العسكري الانضمام للثورة وتبنيها هو الذي أتم نجاح الثورة المصرية بأقل خسائر ممكنة، وإلا لما عزل مبارك وإلا للقت مصر مصير ليبيا واليمن، أعان الله شعبيهما.
إن هذا البطء الذي نتملل منه جميعا هو ليس خروجا عن الثورة، إنه بطء مؤلم نتج عن عدة أسباب:
1- أن الثلاثة جهات المشتركة في إدارة مصر ليس لدى أي منها أدنى خبرة بشؤون إدارة البلاد.
2- أن النظام الذي سقط رأسه في 11 فبراير، بل منذ 25 يناير، بقي منتفعوه الذين لديهم قدرة عالية على توجيه الأمور.
3- أن هناك كثيرا من الأظافر التي تسعى لنهش وتحطيم الثورة لتعارضها مع مصالحها وتود لو عادت عقارب الساعة للوراء، منها عناصر داخلية وعناصر خارجية، منها بعض الأنظمة العربية والغربية، بالإضافة لإسرائيل.
والأهم من كل ذلك، هو الناتج عن تلك الأسباب الثلاثة، وهو الفارق بين الحلم والواقع، فتحقيق الحلم لا يكون بالاستمرار فيه وإلا لتحولنا إلى نائم لا يريد الاستيقاظ أو مراهق يعيش أحلام اليقظة إلا أن الشعوب ليست كذلك، فالشعوب تنضج ثوراتها بمرور الوقت ولذلك فهي تستيقظ وتعمل بجد لتحقيق أحلامها. وهذا لا يتعارض مع استمرار الحس الثوري ولكنه يقوم بتوجيه ذلك الحس فيحوله من فورة إلى ثورة، فالخروج للشارع وإسقاط الديكتاتور ونظامه هو الفورة وتحويلها إلى ثورة يكون هو الطريق لتحقيق الحلم. إلا أن البعض يعرقل خطواتنا بتأجيل خطوات العمل متناسيا أن النظام قد سقط.
إن التخوف من البطء هو أمر مشروع، ولكن أن يتحول هذا التخوف إلى مشروع لتقسيم الثورة فهو أمر غير مشروع وهناك دليلان على ذلك:
أولهما الانقسام حول تظاهرة 27 مايو وأهميتها ودورها، وواكبتها الظاهرة الثانية والتي تمثلت في تخوين المجلس العسكري. والأمران خطيران فكلاهما سوف ينتقل بالثورة المصرية إلى نقطة الجمود، ونحن أمام منعطف خطير وتاريخي ألا وهو الانتخابات النيابية، وعدم دخول تلك الانتخابات ككتلة واحدة هو الطريق لهزيمة الثورة.
لقد اختلفنا على قبول الدستور من عدمه، ولكن لا خلاف أن الاستفتاء على الدستور كان نظيفا في إجراءاته، أما التساؤل حول استغلال البعض لجهل قطاع من الشعب لاستمالته نحو اتجاه دون الآخر هو تساؤل يتسم بالسذاجة فكل هذه الأمور هي وللأسف جزءا من الممارسة الديمقراطية بصورتها التي نعيشها في الغرب. حقيقة مؤسفة ولكن يجب أن نتعلم التعايش معها ونحن مقدمون على خوض مرحلة البناء التي ستبدأ بالانتخابات النيابية وستشمل بناء الشخصية المصرية.
إن اختلافنا على قبول الدستور من عدمه لا يغير الواقع وهو أن الإعلان الدستوري أصبح واقعا وعلينا التعامل معه كخطوة من خطوات إرساء الديمقراطية دون أن ننسى أنها ممارسة بشرية بعيدة عن الكمال، إلا أننا لو أقدمنا على انتخابات مجلس الشعب بهذا الانقسام سوف ينتج لنا مجلس تركيبته غير مواكبة للثورة وأحلامها.
إن الطريق هنا واضح فعلينا أن نوقف سيل الاتهامات المتبادلة بين أطراف الشعب المصري وأن نعود جميعا للمفهوم المشترك الذي هدفه الأوحد نجاح الثورة، نجاح يتمثل في استرداد كرامة المواطن المصري.
إن العودة لافتعال قضايا ليست على قمة الأولويات هو الخيانة الحقيقة للثورة، ومن تلك القضايا:
1- أنه لا بد من محاكمة النظام السابق وهذا أمر حتمي لا جدال فيه، ولكن أن يكون محور اهتمامنا هو كم مرة بكى مبارك أثناء التحقيق فهذا هزل وإهدار للثورة واستخفاف بإرادة الشعب، وهل سينفد البعض بجريمته؟ نعم سوف يحدث كما يحدث في كل الجرائم ولذا وجب علينا أن نركز كل جهدنا في البناء وليس في ترقب المحاكمات فالحكم الأهم قد صدر وقد أدين نظام بأكمله إدانة شعبية وتاريخية.
2- إنه لا بد من التعامل بجدية مع المشكلة الطائفية والتي فجرها النظام الأسبق بحادثة الزاوية الحمراء، ولكن أن لا يكون هم لنا إلا عبير وجاكلين فهذا هزل. كما أن يقوم حقير بدعوة إسرائيل والولايات المتحدة لحماية الأقباط فهذه خيانة. إلا أن الأمر لن يستوي إلا بالمساواة الكاملة بين المسلمين والأقباط أفرادا ومؤسسات.
3- إنه لا بد أن تعود مصر لدورها في التعبير عن آمال الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، وهو ما بدأ تحقيقه بالمصالحة الفلسطينية والتي كان عمر سليمان هو العقبة الرئيسية في طريقها، وفتح معبر غزة الذي كان إغلاقه منافيا لكل الشرائع السماوية والأرضية. إلا أنه محاولة البعض توريط الثورة المصرية في معركة غير محسوبة باقتحام السفارة الإسرائيلية فهذه خيانة للثورة.
ويتضح من ذلك أن خيانة الثورة لا تأتي ممن يحكمها، وهو نبض الشعب وعصام شرف والمجلس العسكري. إنما الخيانة الحقيقية تنبع ممن يسعى لإحراز مكاسب فئوية وامتيازات بالتسلق على أكتاف الثورة والادعاء بحمايتها أو استرداد حقوق البعض. مثل: وقفات الاحتجاج الفئوية، مظاهرات الأقباط والسلفيين، محاولة اقتحام السفارة الإسرائيلية، حصار الكنائس، وتخوين بعضنا البعض.
إن الثورة لم يمر على نجاح مرحلتها الأولى سوى أربعة أشهر، وأربعة أشهر في تاريخ الشعوب ليست بالكثير ولإيماننا بالثورة وخوفنا عليها نردد يوميا السؤال الملح علينا جميعا هل نجحت الثورة؟ والإجابة واضحة، إن مرحلتها الأولى قد نجحت فقد تم تنفيذ قرار إزالة البناية العفنة بزوال الطغيان، ولكن خطواتها يجب ألا تتعثر في إقامة بناء قوي سليم. فعلينا أن ندرك أننا نمر بأحرج مراحل الثورة وهي المرحلة التي قد تستمر لعام آخر حيث يجب أن يتم تثبيت دعائم الثورة، أمر لن يتحقق حتى يسقط من القاموس المصري كل أشكال استغلال النفوذ واستقواء بعضنا على بعض، وهي المرحلة التي بدأت خطواتها بسقوط آل مبارك.
وسيتواكب مع ذلك المرحلة الثانية والتي تتمثل في انتخابات مجلس الشعب المؤقت والرئيس مؤقت، واللذان ستكون مهمتهما تسيير الأمور ووضع دستور جديد، وهي من أحرج مراحل الثورة حيث يجب علينا التكاتف حتى ننتخب رئيسا ترضاه الأغلبية ومجلسا نيابيا ينتج عنهما دستور يرضى عنه كل الشعب المصري، والرضا هنا لا يعني الموافقة على كل بنوده بل قبول مجمله كأسلوب للعيش بكرامة.
وعند ذلك تبدأ المرحلة الثالثة وهي بناء الدولة، ولن تبدأ هذه المرحلة حقيقة إلا حين يتم انتخاب رئيس ومجلس نيابي وفقا للدستور الجديد. مرحلة سوف تمتد سنوات عديدة وتحتاج جهد كل مصري داخل مصر وخارجها وعندها فقط سوف يبدأ جني ثمار الثورة بعد أن يكتمل نمو زرعها فيحل لنا حصادها وتؤتي ثمارها. وهل منكم من قرأ في التاريخ عن ثورة أثمرت قبل تمام دورتها؟
إنه قد آن للشعب المصري أن يعمل بجد مدركا أنه هو الجاني الوحيد لثمار عمله وليس شياطين النظام المخلوع.
2 يونيو 2011
واقرأ أيضًا:
الشباب العربي وملامح ثورة جديدة/ كيف نفسـر الثورة التونسية؟/ سيكلوجية الشعوب بعد ثورة الشباب المصرية/ أي ثورة نحتاج؟/ حول قابلية الدول العربية لحضانة الثورات/ متلازمة الغطرسة... والسلطة