ثورة الشباب العربي (3)، ثورة من أجل قيام دولة الحق، والقانون.....2
ثورة من أجل قيام دولة الحق، والقانون (1)
وبالنسبة لاعتبار دولة الحق، والقانون، دولة علمانية، فإن هذا الاعتبار يقتضي:
1) الحسم مع المنطلقات الغيبية، مهما كان مصدرها، سواء كان دينيا، أو خرافيا، أو غيرهما من الغيبيات، التي تفرض على الشعوب العربية بطريقة، أو بأخرى.
فالمنطلقات الغيبية في التشريع، والتنفيذ، هي التي كانت مصدرا لكل أشكال التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي تعاني منه الشعوب العربية، في ظل حكم الدول الاستبدادية القائمة في الدول العربية منذ قرون. ولذلك كان الحسم مع الغيبيات ضروريا، للتخلص من التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
2) اعتماد واقع الشعوب العربية، منطلقا رئيسيا، بالإضافة إلى منطلقات واقعية أخرى، محلية، وإقليمية، ودولية، في التشريع، والتنفيذ، حتى تصير ممارسة الدولة متعاطية جدلا مع الواقع، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وفي علاقة هذا الواقع مع المحيط الإقليمي، والدولي.
فاعتماد واقع الشعوب منطلقا للتشريع، والتنفيذ، يساهم، بشكل كبير، في تجنب تفعيل عوامل التخلف، ويدفع بعملية التطور، في مختلف المجالات، إلى الأمام، وينمي قدرات الإنسان العربي المختلفة، مما يمكن من التسريع بعملية التطور في مختلف المجالات.
3) بناء البرامج التعليمية المختلفة، باعتماد نفس المنطلقات، من أجل إيجاد تعليم شعبي ديمقراطي، قائم على أساس احترام الاختيارات الديمقراطية، التي تمكن الشعب، في أي بلد عربي، من ممارسة سيادته، ومن اعتبار نفسه مصدرا للسلطة.
ذلك أن خلو البرامج التعليمية من الغيبيات، أنى كان مصدرها، يجعل التعليم مجالا خصبا، لإعداد أجيال عقلانية، غير مستلبة بالغيب، وترتبط، في تفكيرها، بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يجعلها تساهم، بشكل كبير، في التفاعل، جدلا، مع الواقع، مطورة له، ومتطورة به، دون اللجوء إلى أي ممارسة فكرية، مضللة لمختلف الفئات العمرية، للمجتمع المستهدف بهذا النوع من البرامج التعليمية، مما يجعل منها برامج علمانية بامتياز. والبرامج التعليمية، عندما تصير برامج علمانية، تصير برامج شعبية ديمقراطية بامتياز؛ لأنها لا تهتم إلا بإعداد الأجيال المتعاقبة، إعدادا معرفيا، وعلميا، وتكنولوجيا، حتى يمتلكوا القدرة على المساهمة في البناء الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، والتكنولوجي.
4) نهج سياسة إعلامية واضحة، لا علاقة لها بأي شكل من أشكال الغيبيات، ويعتمد ما يجري في الواقع، منطلقا لممارسة إعلامية هادفة، تسعى إلى ملامسة الحقيقة، ولا شيء إلا الحقيقة. والحقيقة لا تكون إلا موضوعية، سواء تعلق الأمر بالاقتصاد، أو الاجتماع، أو الثقافة، أو السياسة، حتى يصير المستقبل، لذلك الإعلام، على دراية كافية بما يعتمل في الواقع الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو السياسي. واعتماد الوضوح، والموضوعية، يجعل من الإعلام إعلاما علمانيا، يقطع الطريق أمام إمكانية استغلال الإعلام لممارسة التضليل، الذي يجعل المتلقي يفقد القدرة على امتلاك حقيقة ما يجري في الواقع الموضوعي، في أبعاده المختلفة.
5) القطع مع الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، باعتبارها ممارسات تعتمد الغيب، منطلقا لممارسة تخدير كافة أفراد المجتمع، حتى يقبلوا باستعبادهم، والاستبداد بهم، واستغلالهم.
ذلك، أن القطع مع هذا النوع من الممارسات المضرة بواقع، ومستقبل المجتمعات، يمكن من عملية فضحها، والعمل على نقضها، والسعي إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، باعتبارها أهدافا كبرى، لا تتحقق إلا ببرنامج قائم على التحليل الملموس، للواقع الملموس، الذي لا علاقة له بالمنطلقات الغيبية. فالتحليل العلماني، هو تحليل يقوم به الإنسان القائم في الواقع، والذي ينطلق في تحليله من معطيات الواقع، من أجل أن يصل إلى نتائج، تهدف إلى تغيير الواقع إلى الأحسن؛ لأن المحلل علماني، والمعطيات علمانية، والمنهجية المتبعة في التحليل علمانية، والنتائج المتوصل إليها علمانية، وفعل تلك النتائج ينتج نتائج علمانية. ولذلك، فالقطع مع الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، لا يمكن أن يأتي إلا في إطار الممارسة العلمانية، التي لا وجود فيها لشيء اسمه التضليل. والعلمانية، التي يمارس في ظلها الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، كما هو حاصل في بعض الدول العربية، التي تعتبر نفسها علمانية، لا يمكن أن تكون علمانية، كما نفهم نحن العلمانية.
6) بناء مؤسسات الدولة، على مستوى الدستور، باعتباره قانون الدولة، وعلى مستوى إيجاد مؤسسات تمثيلية: محلية، وإقليمية، وجهوية، ووطنية، وعلى مستوى الحكومة، وهيأة القضاء، على أساس الارتباط بالواقع، في تحولاته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبناء على ما يتوفر في ذلك الواقع من معطيات، حتى تصير الدولة دولة علمانية، لا علاقة لها بالغيبيات، مهما كان مصدرها، حتى تصير الدولة إفرازا للواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي. ودولة كهذه، لا يمكن أن تكون إلا دولة علمانية، لا دولة دينية؛ لأن الدولة الدينية، هي التي تأتيي من خارج الواقع، ولا تخدم إلا مصالح الطبقة التي تتحكم في المجتمع، انطلاقا من ذلك الغيب، بينما نجد أن الدولة العلمانية الحقيقية، تكون في خدمة جميع أفراد المجتمع.
7) قيام العلاقات الاجتماعية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، على أسس موضوعية، قائمة على المعطيات المتفاعلة في الواقع، حتى لا تصير تلك العلاقات من إنتاج الغيب، كيفما كان هذا الغيب، حتى لا تصير هذه العلاقات قسرية، بحكم الغيب، ومن أجل أن تبقى مجرد علاقات اختيارية، ترتبط باختيار الأشخاص المعنيين بتلك العلاقات.
ذلك، أن العلاقات الغيبية، تقوم على شيئين أساسيين:
الأول: نفي الواقع، باعتباره فاعلا في الإنسان، ومتفاعلا معه، من منطلق أن ما يظهر لنا على أنه هو الواقع، ليس إلا صياغة غيبية، وما يعتمل فيها موجه من الغيب، بما في ذلك العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع، وبين الشعوب، وبين الدول، وبين الحاكمين، والمحكومين.
والثاني: نفي اعتبار أفراد المجتمع الواحد، للعلاقات التي ينسجونها فيما بينهم، علاقات قسرية، فكأنهم لا يفكرون، ولا يتعاملون مع غيرهم من أفراد المجتمع، وكأنهم مجرد مسخرين للغيب، الذي يتحكم فيهم، ويوجه علاقاتهم المراقبة من قبل السلطة، التي تعتبر ممثلة للغيب، ووصية على تحكمه في الواقع.
وحتى تنتفي العلاقة الغيبية، لا بد من تأسيس العلاقات القائمة بين أفراد أي شعب عربي، على أسس موضوعية، لا علاقة لها بالغيب، من أجل جعل العلاقات بين أفراد الشعب، علاقات علمانية.
وهكذا يتبين، أن اعتبار دولة الحق، والقانون، دولة علمانية، لا يتأتى إلا بالحسم مع المنطلقات الغيبية، واعتماد الواقع الموضوعي للشعوب العربية، منطلقا للتشريع، والتنفيذ، وبناء البرامج الدراسية، اعتمادا على الواقع الموضوعي، لإيجاد تعليم شعبي ديمقراطي، ونهج سياسة إعلامية، لا علاقة لها بالمنطلقات الغيبية، والقطع مع الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، باعتبارها ممارسة تعتمد الغيب، لضمان استمرارها، وبناء مؤسسات الدولة، على أساس الارتباط بالواقع، وقيام العلاقات الاجتماعية على أسس موضوعية، سعيا إلى جعل العلمانية ممارسة يومية، تهدف إلى نفي الغيب، من التحكم في حياة الإنسان العربي.
وبناء على ما رأينا، فإن ثورة الشباب العربي، هي ثورة من أجل قيام دولة الحق، والقانون، التي لا تعرفها البلاد العربية، ولا يمكن أن تستقر الأمور في البلاد العربية، إلا إذا قامت في البلاد العربية، وبالمواصفات التي ذكرنا، في كل دولة عربية على حدة. وقد أظهرت تجربتا تونس، ومصر، أن ثورة الشباب في البلاد العربية، من المحيط، إلى الخليج، هي التي يوكل لها أمر قيام هذه الدولة الحديثة، فعلا، والتي يمكن اعتبارها دولة للحق، والقانون، إلى جانب كونها دولة وطنية ديمقراطية حديثة، وعلمانية، تعمل على تحقيق المساواة بين جميع أفراد الشعب، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو عقيدتهم، أو لغتهم، أو عرقهم، أو القبيلة التي ينتمون إليها، وتحفظ حقوق الجميع: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وتضمن حرية الاعتقاد، وممارسة الطقوس الدينية المختلفة، وتنضج شروط قيام نهضة حقيقية، وتعمل على أن تصير الخدمات الاجتماعية كفأة، وفي متناول الجميع، وبالمجان، وتحرص على تحرر الاقتصاد الوطني من التبعية للأجانب، وتتحرر من خدمة الديون الخارجية، والداخلية، وتستهدف بالدرجة الأولى تحرير الإنسان، والأرض... مما يمكن اعتباره ثورة في حد ذاته، جاءت نتيجة لثورة الشباب، في كل بلد عربي.
فثورة الشباب، إذن، في أفق قيام دولة الحق، والقانون، هي، في العمق، المدخل الحقيقي للتخلص من مجموعة من النفايات، التي عملت، ولا زالت تعمل على تكريس التخلف، في كل البلاد العربية.
فهل تستمر هذه الثورة، حتى تحقيق أهدافها القريبة، والمتوسطة، والبعيدة؟
إن الأمل في ثورة الشباب، وفي صموده، إلى أن تتحقق جميع أهدافه كبير، وما الشعارات المرفوعة من المحيط، إلى الخليج، إلا دليل على ذلك.
فهل تتحقق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية على يد الشباب الثائر؟
ويتبع>>>>>>> : ثورة الشباب العربي: ثورة من أجل دساتير ديمقراطية (1)