ثورة الشباب العربي (4)، ثورة من أجل دساتير ديمقراطية، تكون فيها السيادة للشعوب.....1
عندما تحرك الشباب في تونس، وفي مصر، وفي اليمن، وفي الأردن، وفي البحرين، وفي السعودية، وفي فلسطين، وفي لبنان، وفي الجزائر، وفي العراق، وفي المغرب، لم يتحرك من أجل أن يتحرك، ولم يتظاهر سلميا من أجل التظاهر، بل لأن الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وعطالة الخريجين، وغيرهم، وحرمانهم من إبداء رأيهم فيما يجري: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، بسبب سيادة الظلم، والقهر، والاستغلال الهمجي للكادحين، من قبل الحكام، ومن قبل الطبقات الممارسة للاستغلال، هو الذي جعلهم يمتلكون الوعي بالواقع، في تحولاته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. وهذا الوعي هو الذي جعلهم يدركون مدى الخطورة التي تتهدد مستقبلهم، فتبين لهم أنهم لا يمكن أن يكون لهم رأي، إذا لم تصر السيادة للشعب، الذي يتمكن من تقرير مصيره بنفسه، بناء على امتلاكه لتلك السيادة.
والشعوب العربية، من المحيط إلى الخليج، لم تعرف في تاريخها الحديث، ومنذ تخلصها من الاحتلال الأجنبي، تمكينها من امتلاك سيادتها على نفسها. فالأنظمة التي كانت، ولا زالت تحكم في البلاد العربية، اعتمدت، منذ البداية، أسلوب الحديد، والنار، مما جعلها جميعا أنظمة مستعبدة للشعوب العربية، ومستبدة بها، ومستغلة لخيراتها الطبيعية، ولقوة عملها في مختلف المجالات الإنتاجية، والخدماتية، ومرتبطة بالمؤسسات المالية الدولية، وخاضعة لتوجيهاتها، وممكنة الشركات العابرة للقارات من الاقتصاديات الوطنية، التي أصبحت تسيطر على معظمها، عن طريق الخوصصة، وتابعة للدول الرأسمالية الكبرى، التي أصبحت تتحكم في معظم الدول العربية، التي تخضع للالتزام بإملاءاتها.
وسيادة الشعوب العربية على نفسها، لا تتم إلا باعتماد دساتير ديمقراطية، تضمن سيادة الشعوب على نفسها. فالدستور الديمقراطي، هو بالضرورة دستور شعبي، لكونه يجعل من الشعب مصدرا لكل السلطات، التي تمارسها الدولة الديمقراطية، القائمة على أساس الدستور الديمقراطي.
والدستور الديمقراطي، لا يكون كذلك، إلا إذا:
1) تم وضعه من قبل مجلس تأسيسي، منتخب انتخابا حرا، ونزيها، بعد القضاء على كل أشكال الفساد الإداري، والسياسي، في مختلف المؤسسات، وفي المجتمع، وبعد أن يمتلك أفراد الشعب الوعي بأهمية سيادة الشعب على نفسه، التي تمكنه من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وبعد أن يتقرر، شرط أن يكون الدستور متلائما مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبعد إيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تضمن، في حالة إيجاد حلول لها، حرية الانتخابات، ونزاهتها، ومنها انتخاب المجلس التأسيسي.
فالمجلس التأسيسي، يحتاج إلى قيام حكومة ائتلافية وطنية، تكون مهمتها الأساسية إنضاج الشروط الموضوعية، المساعدة على إيجاد مناخ مناسب لانتخاب هذا المجلس، الذي توكل إليه مهمتان أساسيتان:
المهمة الأولى: وضع مسودة الدستور، الذي يخضع للمناقشة الواسعة، من قبل جميع أفراد الشعب، قبل المصادقة عليه، عن طريق الاستفتاء الذي يجب أن يجرى تحت إشراف هيأة مستقلة، حتى يصير الدستور قائما.
والمهمة الثانية: وضع التشريعات الضرورية، التي تقتضيها شروط التحول، التي يعرفها المجتمع، حتى لا تتوقف الحياة العامة، في انتظار انتخاب مجلس البرلمان.
كما أن هذا المجلس، لا يمكن انتخابه إلا إذا كانت هناك ضمانات كافية، لتسييد الممارسة الديمقراطية الحقيقية، وبمضامينها الشمولية، وبتعبيرها عن إرادة الشعب، وبردعها لكافة أشكال التزوير، التي يمكن أن تعرفها محطات الاستفتاء، أو المحطات الانتخابية.
2) تم ضمان سيادة الشعب على نفسه بنص الدستور، حتى يستطيع الشعب أن يصير مصدرا للسلط القائمة في المجتمع، وأن يقرر مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن مصير الشعب، كمصدر للسلطة، يوجد بيده، لا بيد غيره. فهو الذي يعمل على تحرير الأرض والإنسان: تحرير الأرض من الاحتلال الأجنبي، ومن التبعية للرأسمالية العالمية، ومن الخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الدولية، وهو الذي يعمل على استكمال تحرير الجيوب، التي مازالت محتلة في كل بلد من البلاد العربية، وهو الذي يعمل على تحرير الإنسان من الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
فالاستعباد السائد في البلاد العربية، يسيء إلى كرامة الإنسان، والاستبداد ينفي إمكانية تحقيق الديمقراطية، والاستغلال يستنزف الخيرات المادية، والمعنوية، وينهك قدرات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في القطاعات الإنتاجية، والخدماتية. وسيادة الشعب المدسترة، هي المدخل لتحقيق الكرامة الإنسانية، التي تعتبر بدورها مدخلا لتحقيق العيش الكريم.
3) نص على الفصل بين السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية؛ لأن عدم الفصل بين هذه السلطات، يتناقض مع كون الدستور ديمقراطيا، ويجعل كل السلط في يد شخص واحد، وعلى جميع المستويات: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، مما يجعل السلطة التنفيذية تتحكم في السلطة التشريعية، وفي السلطة القضائية. وهو ما يحول الدولة، من دولة الحق، والقانون، إلى دولة التعليمات.
فالتنصيص على الفصل بين السلط، عن بعضها البعض، يجعل كل سلطة مستقلة عن الأخرى، كما يصير منطلقا لتحديد اختصاصات كل سلطة، بموجب قانون، وبالتالي، فكل سلطة تعرف من أين تبتدئ مهامها، وأين تنتهي هذه المهام، ليتكرس بذلك احترام الفصل بين السلط، الذي يستفيد منه الشعب في كل بلد عربي، ولا يمكن أبدا أن يستغله الحكام، وبأي صفة كانت؛ لأن الحكام كذلك يتصرفون ضمن الاختصاصات الموكولة إليهم، بموجب قانون، وهو ما يقتضي الحد من استغلال النفوذ، الشائع، بشكل كبير، في دواليب الإدارة في كل دولة من الدول القائمة، في البلاد العربية.
ذلك أن الاستغلال الذي صار أساسا لتفشي كافة أشكال الفساد الإداري، والسياسي، وتفشي ظاهرة الرشوة، والتهريب، والاتجار في المخدرات، والمؤسسات الإنتاجية السرية، والدعارة، والدروس الخصوصية، وغيرها، مما يعبر عن خلو المجتمعات العربية من القيم الإنسانية النبيلة، التي تحصن كرامة الشعوب، وتقوم الشباب. فالتنصيص على الفصل بين السلط، يعتبر شرطا لقيام دستور ديمقراطي.
4) أقر ضرورة تمتيع جميع أفراد الشعب، بجميع الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأن يكون الإقرار الدستوري ملتزما بالمصادقة عليها، حتى تصير مصدرا للتشريع على مستوى كل دولة عربية على حدة، سواء كانت تلك المواثيق ذات طابع عام، أو ذات طابع خاص، ومن أجل أن تصير جميع القوانين المعمول بها في إطار كل دولة عربية على حدة، ملتزمة بإشاعة، وأجرأة احترام حقوق الإنسان. وإلا، فإنه إذا لم يتم إقرار تمتيع جميع أفراد الشعب، بجميع الحقوق. وإذا لم يتم الإقرار بالمصادقة على جميع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان العامة، والخاصة، فإن أفراد الشعب سيبقون معرضين لكافة أشكال الانتهاكات الجسيمة، وباسم القانون.
5) نص على طبيعة المؤسسات المحتمل انفرازها عن أي انتخابات حرة، ونزيهة، يمكن إجراؤها في كل بلد من البلاد العربية، حتى تكون تلك المؤسسات في خدمة جميع أفراد الشعب، على مستوى الدولة الواحدة، أو على مستوى جميع الدول العربية؛ لأن التنصيص على طبيعة المؤسسة المنفرزة عن الانتخابات الحرة، والنزيهة، يجعل مصالح الشعب بيد المؤسسات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، التي تمثل مجموع أفراد الشعب الواحد، لا بيد الأفراد، الذين يقدمون مصالحهم الخاصة، على مصالح الشعب، والاحتكام إلى المؤسسات يقف وراء جعل الدولة دولة للمؤسسات.
6) نص على طبيعة الدولة الوطنية، المتسمة بالتعدد اللغوي، والعرقي، والديني، في إطار الوحدة الوطنية في كل بلد عربي، حتى يصير ذلك التنصيص منطلقا لتسييد التعدد، الذي يخدم الوحدة، في أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مع ضرورة التنصيص على تجريم النزعة الطائفية، التي تتناقض تناقضا مطلقا مع طبيعة الصراع المشروع في المجتمع الواحد؛ لأن الصراع لا يكون إلا طبقيا، وأساليب الصراع الطبقي معروفة، ويمكن أن يتم التنصيص عليها في الدستور، وفي القوانين المعمول بها.
أما الصراع القائم على أساس عرقي، أو عشائري، أو قبلي، أو ديني، أو لغوي، فإنه صراع غير مشروع؛ لأنه يؤدي إلى شرذمة الشعب، بينما نجد أن الصراع الطبقي صراع قائم على أساس وحدة الشعب، في إطار الترسيمة الآتية: (وحدة ـ صراع ـ وحدة).
7) نص على طبيعة الدولة، التي تصير حسب الدستور، وما يقره، دولة للحق، والقانون، سواء كانت هذه الدولة دولة جمهورية، أو ملكية. والمهم هو أن تصير برلمانية، حتى تعكس قدرة الشعب على التحكم في مؤسساته،ا ومن أجل أن تتشكل الحكومة من الأغلبية البرلمانية، حتى تكون مسؤولة أمام البرلمان، ومن أجل أن تصير الحكومات العربية مسؤولة أمام برلماناتها، التي تنتخبها الشعوب انتخابا حرا، ونزيها، بعيدا عن كل أشكال الفساد السياسي، التي تعودنا على تفشيها في البلاد العربية، كلما كانت هناك انتخابات تجرى في إطار ديمقراطية الواجهة، وفي أي بلد من البلاد العربية.
ويتبع>>>>>>> : ثورة الشباب العربي: ثورة من أجل دساتير ديمقراطية (2)