"التاريخ يعيد نفسه"، وعدنا خطوات إلى الوراء، ونعيش في مأزق تمر به الثورة المصرية العظيمة، ولا مفر من بداية الثورة من جديد، وهذا إخفاق وانكسار بعد كثير من الإيجابيات الرائعة، لكن "لا تبتئسوا"، من مصر، ومن موقعي كطبيب نفسي أكتب:
خطأ أو أخطاء وقعت, وأدت في النهاية إلى ما يحدث الآن بعد أكثر من 9 شهور من انطلاق الثورة المصرية العظيمة في يناير الماضي، وقبل أي كلام لابد أن نحني رؤوسنا تقديراً واحتراماً لأولئك الشباب الرائعين الذين تقدموا الصفوف ورفعوا رايات الاحتجاج النبيل في ثورة يناير، ثم عادوا إلى ميدان التحرير مرة أخرى يقدمون في جرأة نادرة الأرواح والدماء من أجل الحرية، لقد قدموا لنا نموذجا رائعا وانتشلونا من اليأس إلى الأمل.
والآن تتابع الأحداث بسرعة، تحرك الساكن وانتفضت الجموع مرة أخرى بعد انكسارات الثورة التي أصابت الكثير منا بالإحباط، والمشكلة تشبه العلاج الجراحي لجراح ملوثة بالميكروبات دون تنظيف جيد أدى إلى مضاعفات انتشار العدوى تتطلب إعادة العملية من جديد، ورغم ذلك، ونحن في قلب الأحداث، فلا تزال الصورة من وجهة نظري –أنا الطبيب النفسي- ليست سلبية على الإطلاق.
نعم ورغم كل ما شهدته الأحداث في مصر من الأمور المؤسفة.... دماء شهداء وجرحى، قمع، ترويع، وحرب نفسية لتفريغ مضمون الثورة استخدمت فيها كل الوسائل من القتل، وحتى التشكيك في الثورة والثوار!!!!، لكني لا أزال أرى أن الجوانب الايجابية أكثر وتفوق كثيرا كل السلبيات، إرادة تتفجر، والشعب لازال حيا، وطاقات الشباب عادت لتعلن عن نفسها بعد شهور من الهدوء والشد والجذب، منذ أيام الثورة الأولى، روح جديدة تبشر بمستقبل مشرق.
وحين أتأمل الواقع من حولي هذه الأيام رغم -جو الضباب والالتباس- أجد أنها لا تزال بالفعل حالة إبداع، ولحظات نادرة حافلة بالمشاعر الايجابية و الثقة بالنفس والوطن، والمعنويات العالية، وعلينا -من موقعنا نحن الأطباء النفسيين- أن نكون مع الناس وأهلنا من حولنا لمساعدتهم، وبث الأمل والثقة والطمأنينة، والدعوة إلى التماسك ورباطة الجأش، ونبشر بقدوم غد أفضل، يتدفق فيه نهر الحياة بعد هذه الانتكاسة للثورة حين تمكنت فلول نظام الاستبداد السابق من إدخال الثورة عمدا أو جهلا في نفق مظلم و حالة جمود معقدة.
وكل التقدير إلى الإنسان العربي الثائر في كل ربوع الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، ونداء إلى الجميع: أن التاريخ يعيد نفسه لأن البعض لا يصغي إليه في المرة الأولى، والمتخلفون هم الذين يكررون أخطاءهم ولا يعون دروس الماضي، لنتعلم من أخطائنا، وعلينا أن نستمر في حالة الثورة حتى تتحقق أهدافنا ونحصل على حقنا في الحرية والحياة الكريمة التي تليق بمكانة الإنسان المصري والعربي، وأمل في غد مشرق مع نسمات الأمل والحرية.
ورغم ما كان وما يحدث "لا تبتئسوا"، قال تعالى: "هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)" (آل عمران)
ويتبع >>>>>>>: يوميات الثورة 2: ماذا فعلت بأخيك!؟
واقرأ أيضاً:
رؤية طبيب نفسي لخطاب السيد المشير/ قانون العزل السياسي، قانون التفافي/ لماذا عادت الثورة من جديد؟/ افهموا سيكولوجية الثائر يا ولاد الطغاة