حالة من الرعب لدى فئات كثيرة من النخبة والجماهير تجاه الصعود السلفي في انتخابات المرحلة الأولى لمجلس الشعب المصري 2011 م تتمثل في عبارات "كل الستات هايقعدوا في البيت وهايتنقبوا غصب عنهم"... "كل الرجاله لازم يربوا دقونهم ويلبسوا جلاليب قصيره"... "كل الأضرحه والمساجد المقامه عليها هاتتهد"... "هايتخرب بيتنا لو وقفوا السياحه"... "هايدخلونا في حرب مع إسرائيل أول ما يحكموا"... "مجلس الشعب مش هايناقش أمور سياسية أو اقتصادية لكن هايناقش قضايا شرعية وبس"... "هانرجع لورا 1500 سنه"... "طهايخلونا زي إيران وأفغانستان"، وتلك الحالة من الخوف التي ربما لا تخلو من مبالغات تمتزج بتعليقات ساخرة – كعادة المصريين - للتخفيف من حدتها، وقد حفلت صفحات الفيس بوك وتويتر بآلاف النكات حول هذا الموضوع نذكر منها:
"سواق تاكسي ركب معه سلفي.... السواق شغل الراديو، سأله السلفي: الراديو ده كان موجود أيام الرسول؟ رد السواق: لأ... قاله السلفي: طب اطفيه واتقي الله، راح السواق وقف وسأل السلفي: التاكسي ده كان موجود أيام الرسول؟ قال له: لأ... فالسواق قال له طب انزل واستنى البعير".
"واحد فتح محل، وكتب على يافطة المحل "هريدى وشركاه"... بتوع الضرايب سألوه مين شركاءك؟، قال مافيش فسجنوه، طلع من السجن غير اليافطة وسماها "هريدى واخوانه" قبض عليه أمن الدولة وسألوه... فين الإخوان؟... قال مافيش خدوه وعذبوه واعتقلوه، طلع من المعتقل... زهقان بقى من حياته، غير اليافطة وكتب "هريدى لا شريك له" السلفيين قتلوه!!!.
أحد مشايخ السلفية كان يوصي الشباب بأن لا ينزلوا ميدان التحرير ولا يشاركوا في الثورة لأن الخروج على الحاكم كفر ولا يجوز.... ولكن من يضطر إلى النزول لميدان التحرير فلا ينس "دعاء ركوب الثورة".
تجمع شباب السلفيين أطلقوا على أنفسهم "فتيان السادس من ربيع الآخر". واحد قاعد على قهوة مع صاحبه قال له الليبراللين عايزين يقلعوا أمي الحجاب، والسلفيين عايزين يلبسوها النقاب... مفيش حد انتخبه ويسيب أمي في حالها؟!!.
في أول جلسة للبرلمان وقف العضو السلفي يطالب في حماس شديد تغيير أغنية شيرين من "ماشربتش من نيلها" إلى "ماشربتش من زمزم" وطلب تسجيل ذلك في "اللوح".... وتغيير اسم مدينة "شرم الشيخ" إلى "فضيلة الشيخ".
"بقلوب لا تخشى في الله لومة لائم، قام رجال الحسبة أثابهم الله برئاسة فضيلة الشيخ..... بمداهمة منزل أحد العصاة بعد بلاغ صدر من أحد عيونهم شاهده وهو يهذب لحيته".
"أمر قاضي المحلة الكبرى الصارم بأمر الله..... بجلد أحد الزنادقة خمسين جلدة لتطويله الجلباب بمقدار بوصة واحدة عن الطول الشرعي".
"افتتاح فرع آخر لشركة مكة كولا في الصعيد ويقص الشريط المجاهد الأكبر..... حفظه الله".
"الحكم بالإعدام على نصراني تأفف من تضييق أحد المسلمين عليه أثناء مروره في الشارع".
والنكتة ليست فقط للترويح والضحك، وإنما هي سخرية تحمل معنى، وعدوانا متخفيا على من صدرت بحقه النكتة، (وقد استبعدت الكثير من النكات لمساسها ببعض المقدسات والقيم الإسلامية والأحاديث النبوية والأشخاص على الرغم من دلالاتها في هذا الموضوع وما تعكسه من خوف وتوجس من التيار السلفي حين يعمل بالسياسة والحكم). ورحت أسأل عديدا من الأشخاص ينتمون إلى تيارات مختلفة، ومن أعمار متباينة عن رأيهم في موضوع الخوف من السلفيين، وفيما يلي أعرض لهذه الآراء بإيجاز شديد:
٠ الخوف من إعادة إنتاج النموذج الوهابي في الخليج خاصة وأن الصلات قوية جدا بين سلفيي مصر والوهابيين في الخليج
٠ الخوف من تكرار نموذج طالبان الذي قضى على ثورة التحرر في أفغانستان وأجهض قيام دولة إسلامية كافح من أجلها المجاهدون الأفغان سنوات طويلة، ثم جاءت حركة طالبان (وهم طلبة علم شرعي) فحكموا البلاد وكانت أولوياتهم: إخفاء النساء في البيوت بعد تنقيبهن، وتحطيم تماثيل بوذا (مما أثار العالم كله ضدهم)، وإقامة الحدود في الشوارع والميادين، وتكفير كل من يخالفهم
٠ التشدد السلفي في كثير من الأحكام، واختزال الإسلام في جزء من المذهب الحنبلي، وإهدار آراء علماء الإسلام والاكتفاء بأقوال ابن تيمية الذي عاش في ظروف احتلال التتار لدولة الإسلام فصدرت فتاواه متأثرة بهذه الظروف
٠ ليس لهم خبرة بالعمل السياسي، ولهذا تكثر الأخطاء في تصريحاتهم وفي خطواتهم
٠ هم ينتمون إلى الفئات الشعبية والقروية، ولهذا يأتي خطابهم بدائيا وبعيدا عن الرقي الحضاري
٠ موقفهم المعادي لغير المسلمين بما يهدد السلام الاجتماعي ويدفع نحو الصراعات الطائفية
٠ معارضتهم للثورة ثم ركوبهم لها واستغلالها بعد ذلك، ولم يعتذروا بعد ذلك عن وصمهم للثوار وتسفيههم للثورة والإفتاء بحرمتها
٠ خضوعهم واستسلامهم للنظام السابق وعلاقاتهم معه ومع جهاز أمن الدولة
٠ اعتبار قادتهم وشيوخهم بأن الديمقراطية كفر وضلال
٠ رغبتهم الأكيدة في إقامة دولة دينية بكل معنى الكلمة
٠ الخوف على منجزات الحضارة المصرية، حيث لا يترددون في التصريح عن ضيقهم لوجود التماثيل والرموز الوثنية في الأهرامات وأبو الهول والمتاحف، ورغبتهم الأكيدة في إزالة الآثار والمتاحف التي تمتلئ بتلك الرموز الوثنية حين تتاح لهم الفرصة لذلك (سمعت هذا من أكثر من رمز من رموز السلفية).
٠ تصريح المتحدث باسم الدعوة السلفية، وأسد السلفيين –كما يسمونه– عبد المنعم الشحات بأن أدب نجيب محفوظ هو أدب دعارة ومخدرات، ذلك التصريح الذي يحمل رفضا لكل جوانب الإبداع في الثقافة المصرية مع احتمالات التخلص من هذه الأشياء حين يتمكن التيار من ذلك. كما أظهر تغطية تمثال بالإسكندرية ضيق السلفيين بتلك الأشياء التي لا يرون فيها غير مصادر فتنة وغواية.
٠ الصورة النمطية للسلفي: ثوب قصير وشبشب ولحية كثيفة منتشرة وجسد ممتلئ وعقل غير قادر على التفكير لذلك يكتفي بحفظ النصوص وفرضها على الناس.
٠ اختزال الدين في العقيدة والعبادات مع ضعف الاهتمام بالمعاملات والأخلاق
٠ ميلهم للترهيب ووضع الناس تحت مقصلة الخوف والرعب من العذاب
٠ لجوء بعض دعاتهم إلى تغيير ما يرونه منكرا بالقوة حيث يذهبون إلى الحفلات الجامعية ويصرون على فضها وإنهائها بكل الوسائل.
٠ إهدار العقل وإعلاء قيمة النقل
٠ تغيير تركيبة المجتمع المصري (في حالة وصولهم للحكم) مثل فرض النقاب على كل النساء، وفرض اللحية والثوب القصير على كل الرجال، وممارسة دور رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشوارع والطرقات بما ينتج عنه من تكون مجتمع من المنافقين يصلي في الشارع ويرقص في البيت.
٠ موقفهم من المرأة واعتبارها كائنا مسكونا بالغواية يجب إخفاؤه عن العيون وتخزينه في قاع البيوت لاستخدامها عند الحاجة لتلبية احتياجات الرجل الجسدية
٠ إسقاطهم لأبعاد الزمان والمكان وإلحاحهم عل العيش بنفس آليات الزمن الماضي ووسائله وعدم القدرة على فهم متغيرات الزمان والمكان، وفهمهم للسلفية على أنها العيش بنفس طريقة السلف وبشكل حرفي يسقط عوامل الزمان والمكان والظروف المستجدة.
وسألت بعض زملائي من العاملين في مجال الطب النفسي وعلم النفس ورحت أعرض ما أراه من سلوك بعض السلفيين (والذي يمكن أن يكون محل مخاوف وانتقاد) على المنهج العلمي فوجدت التالي:
1 – تضخيم قيمة اللفظ على حساب المعنى
2 – إعلاء قيمة المظاهر الخارجية للدين على حساب المعنى الروحي العميق
3 – إعاقة النمو النفسي والاجتماعي والروحي
4 – إعاقة التكامل الشخصي
5 – الميل للعيانية، بمعنى التفسير الحرفي والحسي للنصوص والمواقف
6 – جنسنة المرأة بمعنى إدراكها كجسد مسكون بالرغبات الجنسية ومثير للغواية، ولهذا يجب إخفائه بشكل مطلق واتخاذ احتياطات هائلة لمنع الشرور المترتبة على وجودها (وهذا عكس أنسنة المرأة وهو يعني إدراكها كإنسانة) .
7 – الانشقاق بين ما يبديه الشخص من مظهر ديني وبين ما يضمره من أفكار وأحاسيس وما يمارسه من سلوكيات مع الآخرين
8 – بعض السمات النفسية السلبية مثل التقليدية والتزمتية والمسايرة والجمود والتعصب والتشكك والتشاؤم والإنطواء والإحساس بعدم الأمان والكف والخضوع والقلق والقمع والاتكال السلبي والتصلب
9 – تضخيم الذات وتعظيمها والرغبة في السيطرة على الآخرين (عموم الناس) بحجة الاستعلاء الديني، أو تحقير الذات والإنسحاق تحت توجيهات المشايخ .
وإحقاقا للحق لابد وأن نقول أن هذه العيوب لا تنطبق على كل المنتمين للتيار السلفي حيث نجد فيهم –كأي تيار– علماء بارزين، ومحققين علميين، وقادة اجتماعيين.
وقد لا تخلو العبارات السابقة من مبالغات أو تحيزات ولكن مع ذلك هي تسكن عقول الناس أو بعضهم في مصر وخارجها..... وهنا يأتي السؤال: إذا كان السلفيون بهذه الصورة التي يخشاها الناس ويتندرون عليها فكيف حصلوا في الجولة الأولى للانتخابات على نسبة 20% من أصوات المصريين؟... والإجابة بحثت عنها لدى من أقابلهم من الباحثين في شئون الجماعات الإسلامية فقالوا:
1 – الكاريزما الهائلة لدى مشايخ السلفيين ودعاتهم في مجتمع يحترم الرموز الدينية
2 – الانتشار الهائل في المجتمع المصري عبر المساجد والزوايا والجمعيات الخيرية
3 – الثقل في العلم الشرعي حيث لديهم عدد كبير من العلماء والمحققين
4 – فطرية المنهج وبساطته حيث يخاطب الطبقات المتوسطة والدنيا بشكل بسيط فيصل إليهم من أقرب طريق
5 – الاهتمام بجانب العقيدة والعبادات وهما جانبان لهما بريق خاص لدى الناس
6 – الإعلام المصري الحكومي والخاص هاجمهم كثيرا فتعاطف الناس معهم ضد إعلام يعرف كذبه وتحيزه
وتبقى المعضلة والسؤال: لماذا يخاف الناس من السلفيين؟ وتأتي الإجابة هذه المرة من بعض السلفيين: عموم الناس لا يخافوننا لأن ما ندعو إليه لا يخيفهم ففي مصر 44% تحت خط الفقر وهؤلاء لا يهمهم تطبيق الحدود أو منع العري أو تحريم الخمر، بل يهمهم أكل عيشهم ودينهم، ونحن معهم في ذلك. إن من يخافنا هم النخبة الذين يشعرون بتهديد مكانتهم التي صنعوها على شاشات التليفزيون وهم بعيدون كل البعد عن واقع المجتمع المصري وخريطته التي نعرفها جيدا ونتعامل معها. كما أن هناك فئة ينقصها العلم بالإسلام فيتخيلون أن الدعوة السلفية لا تأتي إلا بالجلد وقطع الرقبة واليد. والأخطر من ذلك هو الخلط الحادث بين السلفيين وجماعات أخرى مثل طالبان والجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية حيث يشترك كل هؤلاء في اللحية الكثيفة والثوب القصير ولكنهم يختلفون في المنهج.
- هل يعني هذا أيها الأخ السلفي أن الخطأ لدى الناس وأنكم تسيرون على الطريق الإسلامي الصحيح؟
- من حيث المبدأ نعم، ولكن هذا لا يمنع من وجود أخطاء تكتيكية وقع فيها بعض السلفيين، فمثلا إثارة قضية كاميليا شحاته لم يكن في التوقيت الصحيح على الرغم من شرعية المطالبة بها، كما أن من يتصدرون الإعلام لا يحسنوا مخاطبة الناس (دعك من أسد السلفيين عبد المنعم الشحات!!!). ولا ننس وجود بعض العناصر الدخيلة على السلفيين من صناعة أمن الدولة والحزب الوطني.
- وهل ترون ضرورة لعمل شيء ما لطمأنة الناس وعلاج الرعب الدفين تجاهكم؟
- لا بأس في ذلك فعلى سبيل المثال يجب على السلفيين عمل مراجعة داخلية لأخطائهم التي وقعوا فيها في الشهور الماضية خاصة أنهم كانوا حديثي عهد بالممارسة السياسية وليسوا كالإخوان الذين قضوا ثمانين عاما يعملون قريبا من السياسة. كما أنصح السلفيين بالتوقف عن التصريحات ذات الأثر السلبي، وأن نفرق بين النشاط الدعوي والنشاط السياسي فنبعد المشايخ عن حزب النور ويبقوا كمرجعية دينية فقط، وأن نزيد التفاعل مع طبقات المجتمع التي لم يصل إليها صوتنا وهم طبقة النخبة والطبقة الاجتماعية الأعلى. وقبل كل هذا نطلب من الإعلام عدم تشويه صورتنا، ونطلب من الناس أن يجربونا كما جربوا التيارات الأخرى ويعطونا فرصة، ونقول للجميع احترموا نتائج الصندوق حتى ولو لم تكن على هواكم.
وانتهى اللقاء بالأخ السلفي ولكن لم تنته بعد المخاوف في الداخل والخارج من تيار دعوي قديم (جدا) دخل معترك الحياة السياسية (حديثا جدا) بأبجديات وخطط وتصورات تتقاطع مع ظروف ومعطيات العصر بشكل حاد ومثير للقلق حتى لدى المحايدين الموضوعيين.
واقرأ أيضاً:
مللت السذاجة..سئمت الغباء/ كيف خسر السلفيون في معاقلهم انتخابيا؟/ "العسكري" يتعجل الصدام مع الإسلاميين