استخدم الدين في الانتخابات التشريعية بعد الثورة لتوجيه الناخب إلى خيارات بعينها، ولهذا وصفها الليبراليون بأنها "كانت نزيهة" ولكنها ليست عادلة على أساس أن أحد الأطراف استغل سلاحا خاصا يفترض أن لا يستخدم في لعبة الانتخابات السياسية فغير موازين القوى لصالح من حمل هذا السلاح. أما في الانتخابات الرئاسية التي نحن بصددها الآن فربما يستخدم الدين أيضا ليجذب فئة من الناس ناحية ما يسمى بالمرشح الإسلامي ويجذب فئة من الناس ناحية ما يسمى بالمرشح المدني أو الليبرالي.
الأخطر من كل هذا هو أن لاعبا جديدا يدخل المعركة الانتخابية هذه المرة وربما يقلب النتائج عكس ما نتوقع جميعا خاصة وأن هذا اللاعب الجديد قد تم تجهيزه ورعايته وتسمينه وتقويته منذ أيام الثورة الأولى لكي يؤدي الدور المنوط به الآن، وكل من ساهموا في إعداده ينتظرون منه النتيجة والثمرة. ذلك اللاعب الذي سيكون رئيسيا وحاسما في الانتخابات القادمة هو "الخوف"... الخوف من... أو الخوف على... أو الخوف من أجل... ذلك الخوف هو الوحش الذي نشأ منذ أيام الثورة الأولى وتضخم كثيرا في المرحلة الانتقالية واستخدم كثيرا لتحقيق أغراض من بيدهم الأمر في هذه الفترة.
هو الخطة 100 التي كانت في أدراج وزارة الداخلية والتي نفذتها يوم 28 يناير حين انسحبت الشرطة من الشوارع تماما وتركت البلاد في حالة فوضى لكي يشعر الناس بالرعب فيتعلقون بسلطة مبارك بحثا عن الأمان والاستقرار المزعوم. ولم تنته الخطة في هذا اليوم بل استمرت طوال المرحلة الانتقالية من خلال أحداث طائفية مفتعلة أو مدفوعة ومن خلال التغاضي عن أعمال البلطجة وقطع الطرق ومن خلال حرائق تشتعل هنا وهناك دون سبب واضح ومن خلال تراخ أمني متعمد في أغلبه ومن خلال السماح للفلول بالخروج لإثارة الفزع لدى الثوار ومؤيديهم، ومن خلال الدفع بعمر سليمان للترشح ليؤدي وظيفة الرعب بشكل تكتيكي ثم يعود إلى مخبئه.
إذن فقد بات واضحا أن إستراتيجية المرحلة الانتقالية هي تنويعات للخطة 100 التي تسربت من أدراج وزارة الداخلية وهي وضع الناس في حالة خوف، والخوف شعور بدائي حين يسيطر على الإنسان يدفعه دفعا للبحث عن الأمان من أقرب طريق ويجعله احتياجا يحظى بأولوية تسبق احتياجات أخرى أرقى مثل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. وهذا ما حدث ويحدث بالفعل، إذ تحت تأثير الخوف والرعب من الفوضى وعدم الاستقرار وتهديد لقمة العيش يرضى الناس (أو كثير منهم على الأقل) بالتخلي عن أهداف الثورة العظيمة التي قاموا بها أو أيدوها أو انبهروا بها مقابل أن يعودوا لحالة أمان نسبي.
ولم يكتف رعاة لعبة الأمن بالانفلات الأمني والفوضى وتهديد لقمة العيش للناس كمثيرات للخوف، بل استغلوا بدهاء شديد رغبة فصيل إسلامي سياسي في التمكين والوصول إلى الحكم ففتحوا له الطريق ومكنوه من المجالس التشريعية وفتحوا شهيته للمزيد من الاستحواذ فانزلق وتورط ووقع في الفخ وحاول السيطرة على تأسيسية الدستور ففشل وتشوه، وحاول المزاحمة على كرسي الرئاسة الذي وعد أن لا يقترب منه فتشوه، وحاول إسقاط الحكومة ففشل وتراجع وتشوه، وحاول السيطرة على المحكمة الدستورية ففشل وتراجع وتشوه، وأكملت جحافل الإعلام عملية تشويه صورة هذا التيار بشكل أكبر حتى بدا كيانا مرعبا طامعا في السيطرة على مقدرات البلاد، وتغير إدراك الناس له من تيار إسلامي يدافع عن المبادئ والقيم ويعارض الفساد ويقدم التضحيات من أرواح أبنائه في سبيل ذلك، إلى جماعة مصالح تسعى للوصول إلى غنيمة الحكم والسيطرة بأي ثمن وإلى قوة براجماتية تسعى لتأسيس دولة دينية من خلال المناورة السياسية. هذه الصورة المرعبة التي ساهم في خلقها ذلك التيار السياسي الإسلامي نفسه بأخطائه في المرحلة الانتقالية، وتلقفت تلك الأخطاء أصابع خبيرة فضخمتها وجعلت منها ديناصورا هائلا، كل هذا خلق ما يمكن أن نسميه "فوبيا الإسلاميين".
إذن فقد تجهز المسرح السياسي قبل انتخابات الرئاسة بمساحات هائلة من الخوف، وفي هذا الجو يتقدم رجلان من رموز النظام السابق عاشا تحت مظلته وشاركا في قراراته وفي تثبيت دعائمه ولهما ولاء شديد تجاهه، وهم يمثلان ماضيا بغيضا قامت الثورة من أجل محوه، ويمثلان مدرسة بالية في التفكير والحكم خرج شباب مصر الحر لإزاحتها، ويمثلان عداءا ظاهرا أو خفيا لمبادئ الثورة وروحها الشابة الوثابة ذات الإيقاع العصري السريع الذي يختلف بالضرورة مع إيقاع قلوبهما البطيئة وطريقة تفكيرهما. ومع كل هذا نجد أعداد ليست بالقليلة من المثقفين ومن البسطاء وغيرهم يقولون بأنهم سيصوتون لعمرو موسى أو لأحمد شفيق بزعم أنهما قادران على استعادة الأمن والاستقرار. وهنا يظهر الخوف كطريقة جديدة لتزوير إرادة الشعب حين يتم اللعب به بهذه المهارة والحرفية وهذا اللؤم والدهاء، ولو نجحت هذه الخطة فقد تقوم الثورة من جديد أو نحتاج سنوات أخرى لإيقاظ وإنضاج الوعي الشعبي كي يغير هذه الأوضاع البالية ويستعيد ثورته ومكاسبها من بين أنياب الخوف.
واقرأ أيضاً:
مرشحو الرئاسة والبيئة/ عمر سليمان.. السيناريو الأسود/ بروفيل مرشحي الرئاسة2/ لعبة وخيوط تتحرك في مصر/ مسار الثورة: رقعة الشطرنج/ نداء جبهة علماء الأزهر