نحن أمام حالة من العبث باستقرار مصر ومستقبلها، وهيبة القانون، واستقلال المؤسسات فيها، يقف خلفها ـ بالأساس ـ مجلس الـ 19 عسكري، هذا المجلس الذي صدق المصريون يوما أنه سيحمي ثورتهم، لكنه سرعان ما افتضح أمامهم بممارساته، فما نكاد نُمسي حتى نُصبح على قرار جديد من قرارته، كل قرار منها أشبه بمفخخ جديد لتفجير الأوضاع، واشعال النار في البلاد، من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى الشمال.
المجلس "العسكري" لن يسلم السلطة، وهذا لم يعد سرًا، بل هي الحقيقة التي لم يعد يخالجها الشك، لأن هذا المجلس طامع في السلطة، بل ومستميت على التشبث بها إلى آخر رمق، أولاً: لأن جنرالاته لا يريدون أن يتركوا ما تحصلوا عليه من مكاسب، وهي كثيرة لا شك.
ثانيا: لأن شهوة السلطة التي كانت متملكة ولي نعمتهم "مبارك" أصابتهم بما لا يملكون معه فكاكا، وليس أدل على ذلك من تلك الإجراءات التي يتخذونها منذ نجاح الثورة، سواء عن طريق القضاء أو غيره، والتي تصب جميعها في اتجاه بقائهم بشكل أو بآخر.
وهذه الحقيقة ليس لها علاقة بصعود الإسلاميين عبر الانتخابات، لأن المجلس الحاكم منذ رحيل مبارك لن يسلم الحكم إلى سلطة منتخبة من الشعب، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، اللهم إلا إذا أتت الانتخابات بأحد رجالاته من العسكر السابقين، وحيث أنها لا يمكن أن تأتي به بطريقة مشروعة فإنها حتما ستأتي به بطرق غير مشروعة، كما حدث من تدليس لزرع شفيق في الانتخابات الرئاسية، ثم تزوير الجولة الأولى منها، وما هو متوقع من تزوير على نطاق واسع في الجولة الثانية.
يخطأ من يظن أننا أمام إعادة لإنتاج النظام السابق، إطلاقا، نحن أمام نظام قهري من نوع آخر، أبرز ملامحه البجاحة في استخدام الأساليب القذرة، والتلويح المباشر باستخدام القوة، واستعذاب كرامة المصريين، واسترخاص دمائهم، والاستهانة برؤيتهم لمستقبل بلدهم، والخلط المفضوح بين السلطات، والشراكة المباشرة مع كل أنواع البلطجة، في الداخل والخارج.
لكن طبيعة الشعب المصري، وما ذاقه من ويلات، وما ضحى به للفكاك من أنظمة القهر، والإصرار الذي يبديه على استكمال الثورة حتى تتحقق أهدافها، تؤكد ـ بما لا يدع مجالا للشك ـ أن المواجهة باتت حتمية وقريبة إن لم يرفع العسكر أيديهم عن الحياة السياسية، ويكفوا عن تدخلاتهم، ويسلموا الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة، كما هو متفق عليه.
سوف يكتب التاريخ أن الفشل على كافة الأصعدة، وكل أشكال العبث بالدولة، من انهيار للمؤسسات، وتداخل للسلطات القضائية والتنفيذية وخلق الفتن بينها وبين السلطة التشريعية، وفساد الأجهزة سواء كانت أمنية أو إدارية، إلى هذا الحد، لم تعرفه مصر التي مرت بحقب تاريخية مديدة، سوى على عهد المماليك والفرنسيين والإنجليز، ثم خلال المرحلة الانتقامية التي حكم فيها "المجلس العسكري".. وأسوأ من ذلك سوف يسطر التاريخ نفسه، أن الثورة الشعبية المصرية التي تحدثت بها الدنيا، حتى باتت شعوب العالم المقهور تحلم بها وتتلمس خطاها، صارت أضحوكة العالم نفسه بفضل جهود العسكر.
فكغيرهم من فلول مبارك لم يصدق مجلس الجنرالات أن ما وقع في الـ 25 من يناير كان حدثا فاصلا بين عهدين من تاريخ البلاد، وهو الحدث الذي سطره المصريون بدمائهم وأرواحهم وفلذات أكبادهم، ما يؤكد على استحالة العودة إلى ما كان قبله، مهما كان، لكن أخشى ما أخشاه أن يأخذ الجنرالات غرور القوة، فيستهينوا بهذا الشعب وبتضحياته، باعتباره شعبا أعزلا، فيقع ما لا تحمد عقباه.
اقرأ أيضا
قراءة في أول خطاب رئاسي للدكتور مرسي / ما زلنا ننتظر النتيجة / دولة الإخوان في مصر وصعود الإسلاميين / الشيخ عبد الرحمن وغضب الأمريكان