كتبت مقالا مبكرا بعد توليك منصب الرئاسة مباشرة تحت عنوان: "من يصنع صورة الرئيس" وأرسلت به لأكثر من جريدة ولكن لم يكتب له الظهور فأودعته صفحات الإنترنت عسى أن يصل إلى من يهمه الأمر. وتسارعت الأيام وأنا أتابع بعين مواطن مصري متخصص في العلوم النفسية ملامح صورة الرئيس وهي تتشكل في وعي وإدراك المصريين، وسأعكس ذلك لسيادتكم بإيجاز شديد، وأطمئنكم إلى أنني أفعل ذلك متجردا من أي مصالح شخصية أو سياسية ومتحررا من أي استقطابات فكرية أو حزبية، بل منطلقا من حياد علمي وحس وطني.... وصورة الرئيس في هذه الآونة ليست أمرا شخصيا نتركه وشأن صاحبه ولكنها يتعلق بها مشروع نهضة بمرجعية إسلامية تم التنادي به، وتحقيق أهداف الثورة – كما أعلنتم عن ذلك في خطاب ميدان التحرير وجامعة القاهرة – ويتعلق بها أيضا تاريخ جماعة الإخوان بأكمله كجماعة دعوية سياسية بما يحويه من مساحات بعضها مضئ وبعضها ملتبس ولكن المؤكد أن الجماعة قدمت شهداء وضحايا في مواجهة الأنظمة الدكتاتورية على مدى عقود من الزمن تستحق دماؤهم وتضحياتهم التعامل بمسئولية مع اللحظة الراهنة.
تعلم سيادة الرئيس أن صورتك لم تكن واضحة في وعي وإدراك المصريين قبل ترشحك للرئاسة وذلك بسبب تفرغك للعمل التنظيمي الحركي داخل الجماعة ولم يكف عملك البرلماني ليرسم صورة عامة لك لدى الجماهير لذلك بدأت الصورة تتشكل حديثا جدا بعد 30 يونيو 2012م (تاريخ تسلمك لسلطة رئيس الجمهورية). وصورة الرئيس – أي رئيس – تتشكل من مجموع قراراته ومواقفه وتفاعلاته مع الأحداث إضافة إلى ما يبثه الإعلام بوسائله المختلفة من أوصاف للرئيس سواء كانت معه أو ضده . فإذا أخذنا جانب القرارات والمواقف فهي لم تكن في صالحك بالمرة في الفترة السابقة، ونحن نعلم جميعا أنها فترة قصيرة ليست كافية للحكم لك أو ضدك، ولكن الزمن في فترات التحول والتغيير الثوري تحسب بالدقائق والساعات ولا يحتمل فيها الوقت الممتد لتحقيق الإنجازات بالتراكم لأن التغيير الثوري تغيير بالطفرة ويحتاج لقفزات واسعة.
أعلم أن طبيعة شخصيتك لا تميل إلى هذا النوع من التغيير بالطفرة وأنك تميل إلى التدرج الهادئ والحركة المحسوبة، وأعرف أنك تتحرك وسط تعقيدات وحسابات واستحقاقات وضغوطات هائلة، بعضها مصدره الجماعة والبعض الآخر مصدره الحزب إضافة إلى تحديات وضغوط من المؤسسة العسكرية، ويبدو أن المعلومات والمطالبات والنصائح تأتي متناقضة ومتشابكة وملتبسة، ولهذا نرى المخرجات من القرارات والمواقف مهزوزة ومرتبكة وضبابية ومترددة ومتردية وغير مؤثرة. معذرة لهذه الأوصاف السلبية، ولكن الخطر القائم يستدعي المصارحة، كما أنني وعدتك أن أعكس لك الصورة الذهنية للقرارات والمواقف الرئاسية كما أتلمسها في وعي المصريين على اختلاف توجهاتهم . ربما يعود ذلك إلى القرار بعودة مجلس الشعب ثم الرجوع فيه وقد كان خطأ كبيرا ربما يلام عليه مستشاروك القانونيون ولكنك تحملت النتيجة في النهاية. وهناك أحداث (لاندري ان كانت مقصودة أوغير مقصودة) تتجه في مجملها إلى "شرفنة الرئيس" بمعنى جعله يصل إلى مصير عصام شرف، وذلك من خلال إغراق الرئيس في أزمة بنزين ثم أزمة كهرباء ثم أزمة طائفية وأخيرا العدوان على الجنود المصريين في رفح. وجاء تكريمك لبعض الرموز القضائية غير مفهوم خاصة من كان له دور في خروج المتهمين في قضية التمويل الأجنبي، وجاء أيضا مدحك للمجلس الأعلى في مواطن كثيرة مبالغا فيه لأن الناس تعرف ما يجري وما يدور في الكواليس، وقد تجاوز مدحك المجاملات الدبلوماسية إلى إعطاء مشروعيات لأشخاص ربما تظهر الأيام وجوها أخرى لهم تستحق المحاسبة .
وأسرفت في الوعود والتطمينات بما ليس لك به طاقة، وتحدثت عن خطة المائة يوم ومضى منهم الكثير دون ظهور تغيرات ملموسة، والناس ضاقت وملت تحت ضغط الفقر وشح الوقود وانقطاع الكهرباء والماء (في جو شديد الحرارة) وترويع البلطجية وضعف الأمن غير المبرر حتى الآن. ويتوالى رسم الخطوط والملامح لصورتك في هذا الجو المضطرب.
وإذا جئنا إلى العنصر الآخر لرسم صورة الرئيس وهو ما يبثه الإعلام بكل وسائله فهو للأسف في مجمله ليس في صالحك، والأمر لا يتوقف فقط على الكارهين والرافضين لك والذين تجاوزوا كل الحدود المهنية والأخلاقية في نقدك ووصلوا إلى حد التورط في السب والقذف والتجني السافر باستخدام أوصاف يعف قلمي عن تكرارها، ولكن أيضا المنصفين والمعتدلين من الكتاب والمفكرين يعبرون عن إحباطهم خلال الأيام الماضية من طريقة التعامل مع الأحداث ومن القرارات التي صدرت.
نعرف جميعا الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، ونعرف أن ثمة قوى وتيارات تريد لك الفشل، بل وتتمنى حرق صورتك وصورة جماعة الإخوان والتيار الإسلامي السياسي بأكمله، ولكنك تصديت للمسئولية وأعلنت قدرتك على تحملها، ولن يعذرك أحد في التراجع.
وقد كانت أمامك فرصة أن تأتي بحكومة قوية تشكل رافعة لبرنامجك الإصلاحي وذراعا قوية لك، ولكن للأسف جاءت الحكومة باهتة الملامح عديمة الجذور مجهولة الأشخاص والبرامج والمشروعات، مما أثار غضب الناس عليها والذي تبدى في هجوم الجماهير على رئيس الوزراء أثناء جنازة شهداء مقتلة رفح.
وإذا كان من نصيحة في نهاية هذا المقال لسيادتكم انطلاقا من الصورة الذهنية التي تكونت في الأسابيع القليلة الماضية، فهي أن الزمن يتميز بإيقاع سريع ولابد من ملاحقته، وأنك تحتاج لأن تتخلص من الكثير من تعقيدات اتخاذ القرارات والمواقف وتجعل الصالح الوطني هو المحرك الأساس لكل القرارات والمواقف، وأن تتخلى عن منهج "الزعامة الأليفة" و"الزعامة المستأنسة"، ولك في عصام شرف عبرة، وإن كان عصام شرف بما وقع فيه من خطأ قد أضر بالثورة ضررا بليغا، فأنت لو نجحت خطة "شرفنتك" فلن تضر بالثورة فقط ولكنك ستضر بمصر وبالجماعة التي عشت مخلصا لها شطر عمرك وبتاريخك الشخصي وربما بالمشروع الحضاري الإسلامي على مستوى مصر والعالم العربي والإسلامي كله . يحتاج الأمر لمزيد من الشجاعة والصلابة والخطوات الواسعة والقرارات الحاسمة كي تهرب من أوصاف شانئيك الذين يلاحقونك بها محاولين وصمك بالعجز والفشل والتردد والارتباك. الأمر جد خطير ويحتاج لنقلة نوعية في التفكير والتدبير والتأثير قبل فوات الأوان. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
واقرأ أيضًا:
عائدا من ماسبيرو ذاهبا للجهاز / عائدا من ماسبيرو ذاهبا للجهاز مشاركة / أحداث ماسبيرو: تداعيات تغييب القانوني وتغليب السياسي