منذ عدة شهور نحاول الاتصال بكم فيأتي الرد الإلكتروني المسجل "الرقم غير صحيح.. حاول أن تتأكد من الرقم وعاود الاتصال في وقت لاحق"، وحين نحاول الاتصال في وقت لاحق لا نسمع غير الرد الإلكتروني المسجل "التليفون الذي تحاول الاتصال به مغلق أو خارج نطاق الخدمة"، وفشلت أيضا كل محاولات الاتصال على الخط الأرضي بما فيها زيرو تسعمايه فلعل المانع خير.
نعرف ونقدر مشاغلك الكثيرة، ولا نريد أن نزعجك في هذه الظروف ولكن فقط نريد الاطمئنان فقد عودتنا في بداية عهدك أن تتحدث معنا، ثم بعد وقت قليل أصبحت تتحدث إلينا ثم انتقلت إلى الحديث عنا أو بالنيابة عنا ثم تحولت إلى الحديث علينا ثم صمتت فجأة، وأصبحنا نتحسر على تلك الأيام التي كنا نشكو فيها من كثرة خطاباتك وطول مدتها وتكرار تفاصيلها.
لم نعد نر اسمنا يتكرر على لسانك ولم نعد نر صورتنا في عينك.. هل تسمعنا سيادة الرئيس؟؟؟؟؟؟؟؟... أصوات السيارات والموتوسيكلات في موكبكم المهيب تجعلنا لا نسمعك.... حراسك يمنعوننا من الاقتراب... الطفل "عمر" بياع البطاطا ظل يصرخ من الجوع حتى قتلوه ظنا منهم أنه يصرخ ثائرا أو شاكيا... حماده صابر ظل يصرخ من التعري والسحل والإهانة والقهر بلا حدود وكادوا أن يقتلوه حتى لا يزعجكم صوته اللحوح... محمد الجندي لم يكن قادرا على الصراخ، فقط كان يئن تحت وطأة التعذيب فكتموا أنفاسه حتى لا يقلقكم أنينه، من حقكم أن تغلقوا التليفون وتستريحوا بعد عناء أيام شاقة، نأسف للإزعاج.
نأتي نحن إليك، نقترب من القصر، نصرخ في الحراس، نقطع الأسلاك الشائكة التي وضعوها، البعض يتهور ويكتب رسائله على جدران القصر، والبعض يتهور أكثر ويحاول القفز من فوق أسوار القصر، نستنكر تهورهم وفي ذات الوقت نعذرهم (أو نتفهم دوافعهم كما يقول المثقفون)... لا ندري من الذي وضع الحاجز الزجاجي السميك أمام القصر وحول القصر... نحن لن نحسدك على الرغم من ظهور آثار النعمة على ملامح الوجه وعلى تسريحة الشعر وفي البذل الفاخرة والكرافتات الأنيقة والقمصان الشيك... لم نعد نر علامات الفقر والقهر والحزن والمرارة والألم والغضب على وجهك، تلك العلامات التي كانت تشبهنا وكنا نعرفك بها... نرى الآن علامات الراحة والإرتياح والإستقرار والرفاهية والترف والثراء والسيطرة والتحكم والثقة المفرطة والتصميم على الرأي... لا بأس فقد عشت معنا أياما سوداء ومن حقك أن تنعم بقية العمر ولكن فقط حاول الإتصال بنا أو رد على تليفوناتنا من وقت لآخر.
يقولون لنا أن السبب هو أنك تجلس أوقاتا طويلة في غرف مغلقة وتعقد اجتماعات مغلقة في دوائر مغلقة لكي تقرر لنا أشياء تغير شكل حياتنا وتأخذنا نحلق معك في سماء النهضة، وهذا شئ ربما نشكرك عليه ولكننا نعاني بعض القلق من كثرة الأشياء المغلقة، ومن الاحتمالات المغلقة، ومن الحلول المغلقة، ومن العقول المغلقة، ومن التليفونات المغلقة.... معذرة ان كنا قد تجاوزنا الحدود في حضرة المقام الرئاسي الرفيع.
معاونوك يشوشون على الإتصالات، وأصوات مؤيديك تعلو على كل شئ، وصرخات معارضيك تخرق الآذان، والشبكة تضعف في أغلب الأماكن وأغلب الأوقات، وقذائف الإعلام (المحق والمتجني) تلاحقنا وتلاحقك ليل نهار، والضباب يلف الكون من حولنا والغبار بحجم الوطن... لم نعد حتى نرى صورتك أو صورتنا في المرآة المكسورة المتبقية لدينا.
وفي مرات قليلة ظننا أنك سمعتنا بأحد أذنيك، ولكن للأسف كانت هناك أصوات أعلى تأتيك من الأذن الأخرى شوشت علينا وأخذت منا الإهتمام. لا تقلق فنحن قد تعودنا على ذلك، كنا فقط نريد الإطمئنان.... نحن جموع المصريون... نراك على خير.
واقرأ أيضاً:
من مدرسة المشاغبين إلى باسم يوسف / هل تدخل مصر عصر الميليشيات؟ / السقوط الأخلاقي على خلفية السحل والتزييف
التعليق: كعادة حضرتك دائما كلماتك عميقة وبسيطة ونافذة.
قرأت صوتنا الداخلي وعبرت عنه.
سلمت يداك وحفظك الله سالما دائما ومبدعا :)