قد نتفق مع الإخوان المسلمين أو نختلف معهم فذلك من طبيعة الأشياء, قد ندين بعض تصرفاتهم أو ننتقد قراراتهم وتوجهاتهم, هذا مشروع وربما يكون واجبا خاصة وهم الآن في موقع السلطة ويحتاجون لكل رأي مخلص ومتجرد لتصحيح المسيرة, أما ما حدث من هجوم على المركز العام بالمقطم باستخدام الموليتوف والعصي والحجارة وبعض الأسلحة فهذا ما لا يقبل أو يجوز بأي حال من الأحوال. والأمر لم يتوقف عند المركز العام بل امتد ليشمل عددا من مقرات الحرية والعدالة بالمحافظات حيث كانت هناك عمليات إشعال وتدمير وسطو ونهب وترويع.
وللأسف الشديد راح بعض المثقفين والكتاب والزعماء السياسيين يبررون ما حدث ويعزونه إلى أخطاء الإخوان وممارساتهم, بل لقد بدا على بعضهم الشماتة والتشفي وكأن لسان حاله يقول "سيبهم يستاهلوا أكتر من كده". وهذا منزلق خطير, إذ نجد مبررا للأفعال الإجرامية والسلوك العنيف ما دام ذلك موجها نحو خصم سياسي, وهذا يسقط الثوابت التي يجب أن يتمسك بها أي مجتمع رشيد, ويعطي الفرصة للعدوان والعدوان المضاد, والقتل والثأر, وندخل في دوامة عنف لا نهائية لا ينجو منها أحد بل ربما تصيب أول ما تصيب أولئك الذين شمتوا أو تشفوا. ولنا أن نتخيل لو أن شباب الإخوان استفزوا أو استنفروا للرد على الهجوم على مقراتهم بالهجوم على مقرات أحزاب أو صحف أو قنوات فضائية ... ماذا سيصبح حال البلاد حينئذ ؟؟ ... أليست هذه بداية الحرب الأهلية ؟؟.
وقد يكون مقبولا أن يتظاهر سلميا مجموعة من الناس في مكان ما يختارونه ليعلنوا رأيهم أو رفضهم, ولكن ليس مقبولا بأي حال الهجوم على المكان أو تشويهه أو حرقه أو تهديد من فيه, وهذا لا ينطبق فقط على مقرات الإخوان وإنما على كل مقر أو منشأة لأي حزب أو هيئة أهلية أو حكومية, ويجب أن نعلم الأجيال الصغيرة تلك الأصول والثوابت فهي من تقاليد الديمقراطية المحترمة في العالم كله, وهي تكفل الحماية لكل الأطراف, وتكفل الحرية في التعبير بشكل آمن للجميع .
للأسف الشديد سقط عدد ليس بالقليل من النخبة في هذا الامتحان, إذ كانوا ينتفضون حين يمس أي متظاهر في أي مكان طالما كان غير إخواني, ولم نسمع لهم صوتا وهم يرون شبابا من الإخوان يحرقون ويسحلون, ويرون مقرات تحرق ويحاصر من فيها بالنيران. أرجوك لا تبرر ما حدث بأن هؤلاء بدءوا بالعدوان, أو أن هذا نتاج تراكم للأخطاء , فأحيانا يكون تبرير الجريمة جريمة أبشع من الجريمة الأصلية, ولو تركنا هذا الأمر يمر فعلينا أن نقبل ونتوقع تكراره على يد صبية أو بلطجية من أي تيار تجاه أشخاص من تيارات أخرى أو تجاه أي مقرات لأحزاب وصحف أو قنوات فضائية. ولقد سبق وقمنا بإدانة محاصرة المحكمة الدستورية وإدانة محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي وإدانة الهجوم على المعتصمين في الاتحادية وإدانة الكثير من أخطاء الإخوان والسلفيين وجبهة الإنقاذ وغيرهم, وعلينا اليوم أن نتحلى بالموضوعية والشجاعة والعدل كمثقفين وسياسيين أو حتى أفراد عاديين وندين ما حدث من اعتداءات على مقرات الإخوان حتى لا نعطي ككبار ضوءا أخضر أو مشروعية لأعمال إجرامية يقوم بها بعض الصغار أو البلطجية المندسين بينهم تحت غطاء سياسي أو وطني, فالعنف خط أحمر أيا كان مصدره وأيا كانت وجهته, والحفاظ على السلام الاجتماعي يجب أن يكون على رأس أولوياتنا, ولنختلف ما شئنا أو ننتقد ما شئنا دون إراقة دماء .
وما حدث عند المركز العام بالمقطم , وما حدث في المقرات الأخرى في المحافظات كان تراكما لعملية اغتيال معنوي لجماعة الإخوان المسلمين شارك فيها الكثيرون بحيث شكلوا حالة من الرفض العنصري للإخوان وصلت إلى درجة دعوات شهدناها على الإنترنت تقل : "لو وجدت إخوانيا في أي مكان فاقتله", فهل هناك عنصرية أكثر من ذلك, بل إنها نوع من التطهير العرقي الذي يعتبر جريمة ضد الإنسانية . للأسف الشديد شارك إعلاميون كثر في خلق هذه الحالة من الكراهية والبغض والرغبة في التطهير العرقي لجماعة الإخوان, وهذه حالة خطرة لا يبررها أي أخطاء ارتكبتها الجماعة, فهم في النهاية مصريين ولهم أنصارهم ومحبيهم ولهم تواجدهم في الشارع المصري ولهم حسناتهم ولهم أخطاؤهم ولا يجب أن يصل الأمر أبدا إلى تلك الحالة من الرفض العنصري والكراهية المطلقة .
وكاتب هذه السطور لم يتردد في انتقاد أخطاء الإخوان أكثر من مرة (وربما أغضبهم ذلك أو أغضب بعضهم) ولكن بشكل يهدف إلى الإصلاح والتوافق وليس إلى الإقصاء أو الإلغاء خاصة وأنهم جزء من النسيج المصري ولهم مشروعهم الفكري والدعوي والسياسي الذي نتفق مع بعضه ونختلف مع بعضه الآخر بالوسائل الديمقراطية والسلمية الراقية . وقد كانت المرحلة الانتقالية بعد الثورة كاشفة وفارزة للكثير من الأخطاء لدى كل التيارات بما فيها التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين على وجه التحديد, ولا مانع من التعامل مع هذه الحالة من الانكشاف بمزيد من التصحيح والتصويب حتى نصل جميعا إلى حالة من النضج والصلاح, ولا يتم ذلك إلا في حالة من السلمية في المنافسة وتبادل السلطة والحفاظ على الثوابت القيمية والأخلاقية والنبل والفروسية في الصراع السياسي .
واقرأ أيضاً:
السيد الرئيس.. الشبكه واقعه!/ مازوخية المصريين: باي باي ثورة!/ فرط الطمأنينة في خطاب الرئيس/ من يوقف هذا السلوك الانتحاري الإخواني ؟