في علوم التفاوض والمحاورة، وفي التواصل الإنساني والعيش الكريم، لابد من فهم (النقد) وحسن تعلمه، واستثماره!!!
ويقولون للمتحدث:
احرص على أن يكون نقدك ودودا (النقد الودود)!!!
ويقولون للمستمع:
استفد من كل نقد، وبخاصة غير الودود، لأنه أكشف، وأخدش (النقد غير الودود)
ويحذرون الجميع من النقد المدمر!!! وهو الذي يأتي تدميريا في محتواه، وفي شكله!!!
أين نحن؟؟
1 مارس
مثل الجمعة الأولى من كل شهر، ذهبت إلى اللقاء المنتظم في دار المقطم للصحة النفسية، وهناك شاهدت مع الحاضرين فيلم: "البنات دول"، وهو وثائقي إنساني يتحدث عن حياة مجموعة من بنات يعشن في شوارع منطقة الدقي والمهندسين!!!
درجنا على تسمية قطاع من أهلنا مواطني مصر بأطفال الشوارع، واعتبرناها ظاهرة تقع على كاهل "الدولة" أن تنهض بتقديم حلول لها!!!
والبعض وجد فيهم سبوبة حلوة تجيب قرشين تمويل أجنبي، والبعض (القليل منا) تعاطف إنسانيا، وندرة لا يقاس عليها رأت مسئوليتها التضامنية في التعامل مع هؤلاء الخلق (كثيرا ما نسميها مشكلة)!!!
ثم كانت 25 يناير، وما بعدها..... خرج الشعب، كل الشعب ضد السلطة، كل السلطة، أذكركم أن الداخلية بلطجية، وأنها لم تكف عن التنكيل بالناس يوما واحدا، وأن هذا كان نهجا مقصودا، يتربى عليه طالب كلية الشرطة، فلا يستمر في التعامل مع الناس إلا إذا استكمل تشوهه النفسي، إلا من رحم الله، ورأيت بنفسي من لا يستطيع البقاء في الخدمة، لأنه لا يستطيع تحمل كل هذه المظالم، والمفاسد!!! رقم صحيح!!
(ميزانية الداخلية تزيد على 80 مليار جنيه سنويا) الرقم صحيح!!
كانوا (ناس الشوارع) في مقدمة الصفوف دوما، يفتحون صدورهم للرصاص، وينتقمون ممن أذلوهم، وأذاقوا بقية الشعب المرارة، والمهانة، وكانوا عصا الفرعون، وسوطه على أهل بر مصر!!!
وسقطت السلطة المهلهلة (الافتراضية)، وتبين للمصريين إن اللي بيطوفوا حوله، يطلبون عونه، ومدده، ونظرة عطف منه، ويعتقدون أن تحت القبة شيخ، فإذا بالقبة تحتها خواااااااااااء، ورماد دولة وهمية كانت تمص دمنا، ولا يصلنا منها سوى التنكيل!!!
مع ارتخاء القبضة السوداء للسلطة العمياء خرج ناس الشوارع، وانتشروا باعة جائلين، وبعضهم لا تعليم، ولا مهارة، ولا بضاعة، والمصير بالتالي: إما حرامي، أو شحات، أو بلطجي!!
القوة التي أسقطت السلطة كانت خليطا من ناس الشوارع، وناس البيوت، ولم تكن هناك أية مشكلة حين كنا "معا" في الشارع نأكل ونشرب ونغني ونصلي ونتجمع ضد الظلم، نحن الأقوى، ونحن معا!!! ثم.... ماذا حصل؟؟
عاد ناس الشوارع إلى جحيم الشارع يستفرد بهم، وصرنا لا نجتمع إلا في مواجهة الداخلية، وغرق ناس البيوت في جحيم إحباطهم، وضعفهم، وحياتهم القديمة اللزجة الخاوية من النبض، عادوا مسوخا في قبورهم!!! وعدنا نعتبرها مشكلة، ونتساءل في بلاهة: مين دول اللي في الشوارع؟؟ وفي الميادين؟؟ إيه الأشكال دي؟؟
رغم أننا رأينا وعرفنا أن هؤلاء بعض قومنا، وأهلنا ظلمناهم، وغفلنا عنهم، ولما قامت القيامة انحاز بعضهم للثورة، وكانوا مع الثوار، وبعضهم ظل يقبض من الداخلية، وأخواتها عشان يستمر في الحياة، ودي ناس مش فارقة معاها حاجة أصلا!!!
وليس لديهم ما يخسرونه، والفيلم يعرض هذا بإيجاز، ووضوح!!!
ممكن أن نرى أنفسنا جميعا بشكل قبيح، ممكن أن نرى القبح في كل واحد، وفي كل جماعة، وفي كل فئة، أو طبقة!!!
وممكن أن نرى الأجمل معا، الاختيار لنا، ممكن أن نرى البلطجة فينا جميعا، وسوء الأخلاق، والتطجين، وسوء الأحوال!!!!
وهؤلاء قوم لديهم ما يقدمونه، وجربناهم، وحين اقتربنا، وكنا بشرا نهتم، ونحب، ونتواصل -كانوا مثلنا- أجمل، وحين نقسو ونغترب ونستعبط، نصبح جميعا أوباش!!!
هؤلاء، ونحن جميعا، يمكن رؤيتنا كأفواه جائعة، ويمكن رؤيتنا كطاقات معطلة!!!
فكرت في لحظة خيال أن شبكة ناس الشوارع يمكن أن تكون نواة لأمن شارع مجتمعي، بدلا مما هي مصدر للخوف، أو نعتبرها مشكلة تتطلب حلا!!! والله أعلم
ما رأيكم؟؟