يجب أن ننتبه كمصريين أن آلاف من شباب الإخوان ما زالوا حتى هذه اللحظة وبعد إبعاد مرسي عن السلطة يقفون في ميدان رابعة العدوية وميدان نهضة مصر, هؤلاء الشباب كانوا ضحايا لعمليات شحن لسنوات طويلة ولعمليات برمجة عقلية ووجدانية وروحية استغلت محبتهم للدين وإخلاصهم لقضايا الأمة الإسلامية ووظفت كل ذلك لتحقيق أحلام وأوهام وأطماع قادة الجماعة, وقد قام هؤلاء الشباب بعمل مجهودات خارقة أثناء المليونيات والانتخابات للوصول بالجماعة إلى سدة الحكم مدفوعين بمحبتهم لله ورسوله ومحبتهم لقادتهم الذين اعتقدوا أنهم يعملون لوجه الله ولنصرة شريعته. ولا ننسى أن هؤلاء الشباب انضموا للإخوان في فترة كانت تتميز بالفراغ السياسي وبغياب القدوة في الرموز لذلك اتجهوا للجماعة التي استوعبتهم وبرمجتهم ووظفتهم لصالحها, وهؤلاء الشباب انضموا للجماعة في وقت كانت الصورة أنها جماعة مجاهدة ومناضلة ومعارضة للنظم السياسية الفاسدة, وقد رأوا أن قادة الجماعة التاريخيين ضحوا كثيرا من أجل مبادئهم ومن هنا جاء إعجابهم بهم وإخلاصهم لهم.
وهذا الشباب أغلبه طاهر ونقي ويتمسك بدينه ويدافع عنه بالطريقة التي تربى عليها وفهمها, وكان يتعرض للقمع البوليسي أيام مبارك ويصبر ويحتسب ذلك لوجه الله. وهذا الشباب الطيب النقي الطاهر المتفاني المخلص لم ينتبه للتغيرات السلبية التي حدثت في قيادته في الفترة الأخيرة .. لم ينتبه أن القيادة انحرفت عن مبادئ حسن البنا .. لم ينتبه أن القيادة تشوه فكرها وابتعدت عم الحكمة والتروي .. لم ينتبه أن القيادة تخلت عن مبادئ الإسلامم من الصدق والشفافية والوفاء بالوعد وتوجهت إل مبادئ براجماتية انتهازية .. لم ينتبه أن القيادة التي عاشت سنين طويلة في السجون تشوه وعيها وتحكم في سلوكها رغبة دفينة في الانتقام من المجتمع الذي سجنها أو سكتت على سجنها .. لم ينتبه أن القيادة كرهت في داخلها الإنتماء المصري والروح المصرية واستبدلت ذلك بانتماءات غريبة مشحونة بالجفاء والغلظة والقسوة والقبح .. لم ينتبه أن القيادة أصبحت عمياء لا ترى ما يجري على أرض الواقعع وتتعامل بما يدور في عقلها هي ولا تستمع إلى نصيحة من مخلصين أو أصدقاء أو مشفقين, ولا تنتبه لإشارات بالخطر تظهر أمامها آلاف المرات في اليوم الواحد. لم ينتبه الشباب إلى أن منهج التربية الذي صاغوه به كان يصلح فقطط لفترة الإستضعاف والمراقبة والمطاردة والتجريم ولم يكن يصلح لإدارة وطن بحجم مصر ... هو منهج يصلح لمراوغة السلطة المتربصة ولا يصلح للتعايش مع أبناء الوطن .. هو منهج يصلح لهدم تظام يكرهه ولكنه لا يصلح لبناء وطنن .. لم ينتبه إلى أن قادته كانوا يغررون به ويدفعون به لمعارك خاطئة ويحرضونه على بقية أطياف شعبه ويملأونه بأفكار ومشاعر الصراع مع الآخر ويملأون وعيه بمعاني القتال والدم والموت في سبيل الله أو في سبيل الدعوة أو فيي سبيل الحفاظ على الجماعة .. لم ينتبه إلى توظيفهم للآيات والأحاديث في غير موضعها بحيث تجعل أبناء الوطن المختلفين معه سياسيا يأخذون أحكام الكفار والمنافقين.
هذا الشباب ربما يلام على تسليم عقله ووعيه بلا تساؤل أو تفكير نقدي, هو بالطبع مسئول عن ذلك, مسئول عن تسليم رأسه لقادة لم يرعوا الله فيه بل استغلوا هذه الطاعة وذاك التسليم في الحشد والتوجيه حيثما أرادوا. ربما نعذرهم في ذلك بأننا لم نرب أبناءنا على التفكير النقدي وعلى الإستقلال وعلى الحرية, بل ربيناهم على الطاعة والتسليم للكبار خاصة إذا كانوا من أصحاب السمت الديني.
ومن العدل محاسبة قادة الإخوان على ما اقترفوه من خطايا حين خطفوا الثورة وركبوها وشوهوها وانحرفوا بها عن مسارها وسخروها لخدمتهم, وحين وثق الناس بهم وأعطوهم أصواتهم واعتلوا كرسي السلطة انصرفوا لتمكين أنفسهم من مفاصل الدولة وتركوا الناس نهبا للبلطجية وقطاع الطرق وتركوهم يعانون أزمات نقص الوقود وانقطاع الكهرباء ونشروا الفرقة والإنقسام وزرعوا أفكارا عنصرية وحاولوا تغيير هوية مصر وطمس معالم حضارتها ودفن ثقافتها وحرضوا على العنف وصدروا عتاة الإجرام والإرهاب في مؤتمراتهم وعلى منصاتهم ووضعوا البلاد على حافة الهاوية وأخذوها إلى بداية الحرب الأهلية لولا لطف الله وخروج الشعب المصري بالملايين ليوقف هذا الجنون المتلبس بالشعارات الدينية الجوفاء. وأخطر جريمة ارتكبها قادة الإخوان الحاليين هي تشويه صورة الإسلام وتقديم نموذج مخيف ومنفر, ليس هذا فقط بل أيضا تشويه وحرق صورة الجماعة التي يعرف لها المنصفون مزايا وعطاءات خاصة في عصور ازدهارها تحت قيادات حكيمة مثل الشيخ عمر التلمساني وتضحيات كثيرة في مواجهة الإستبداد وتواجد شعبي في أعمال خيرية وتنموية. هؤلاء القادة لابد وأن ينالوا جزاءهم وأن يستبعدوا من المشهد الوطني جزاء ما أجرموا في حق الوطن وجزاء ما أجرموا في حق شباب استغلوا براءتهم وطيبتهم وحبهم للدين.
ومن الحكمة أن نفرق بين الجناة من القادة والضحايا من الشباب, وإذا كان إقصاء القادة بالمحاكمة أو العزل السياسي واجبا إلا أن احتواء الشباب وتأهيلهم وإدماجهم في النسيج الوطني واجبا حتى لايجد هذا الشباب نفسه منبوذا من مجتمعه أو محصورا في زاوية فيتجه إلى العنف يأسا وغضبا من الجميع. وهذا الأمر ربما يحتاج لتضافر جهود العقلاء والحكماء والعلماء للتفكير في صيغة مناسبة للتعامل مع هؤلاء الشباب فهذا الأمر ليس سهلا حيث أن هؤلاء الشباب عاشوا سنين طويلة يلقنون فكرا واحدا في غرف مغلقة, وتنمى لديهم فكرة أنهم على الحق وغيرهم على الباطل, وأنهم مستهدفين من أعداء الله وأعداء الإسلام . هذه الرؤية الأحادية والصراعية تضع هؤلاء الشباب في حالة تقاطع مع المجتمع وتجعل من الصعب عليهم التوافق مع تياراته المختلفة مع فكر الإخوان.
ويساعد على الاحتواء والتأهيل لهؤلاء الشباب أن يروا بأعينهم بأن المجتمع المصري لا يرغب في عقابهم أو الإنتقام منهم بل يحتضنهم ويحنو عليهم ويداوي جراحهم, فهم الآن وبعد انهيار السلطة الإخوانية وانهيار الحلم في المشروع الإسلامي الذي سوق له قادتهم فإنهم في حالة إحباط شديد وصدمة وغضب. وعلى الرغم من أن هذا المشروع كان وهما وسرابا, وأن القادة لم يكونوا يفكرون في شئ غير التمكين والسلطة والغلبة والثأر والخلاص من كل عقد الماضي.
ومن المطروح كأفكار استبقاء كيان رسمي للإخوان في صورة جمعية خيرية تحت رقابة الدولة واستبقاء حزب الحرية والعدالة يمارس دوره طبقا لقواعد اللعبة الديموقراطية على أن تستبعد القيادات القديمة التي امتلأت عقولها بأفكار الدم والرصاص والصراع والكراهية والتمييز والاستعلاء والعنصرية. قد يقول قائل لا, لا يصح بعد ما حدث أن تقوم للإخوان قائمة في مصر بعد أن كادوا يعصفون بمصر وحضارتها ويضعونها في جحيم الحرب الأهلية والتقسيم, ولابد من إنهاء وجود هذه الجماعة بالكامل من مصر, وهذا رأي غير موضوعي, لأن هذا التوجه الإقصائي لتيار كبير ومتجذر في المجتمع المصري قد يكون له عواقب وخيمة أقلها دفع هؤلاء الشباب للعنف أو سقوطهم في هوة الياس والإحباط والكراهية لمجتمعهم.
واقرأ أيضاً: