شاهدت منذ قليل مؤتمر صحفي للتحالف الوطني من أجل الشرعية، ولاحظت أن لهجة المتحدثين أكثر هدوءا وأكثر عقلانية على الرغم من سخونة الأحداث ومأساويتها في الأيام القليلة الماضية. وقد شدد المتحدثون على التمسك بالسلمية مهما كانت الظروف، وأعلنوا إدانتهم لحرق الكنائس والهجوم على أقسام الشرطة وقتل الجنود في سيناء، وطالبوا بكشف الفاعلين ومحاكمتهم.
أعتقد أن هذا أمر مهم جدا أولا لكشف الغطاء عمن يمارس أعمالا إرهابية أيا كانت هويته أو كان انتماؤه، وثانيا حتى لا يندفع أي شاب متحمس أو غاضب أو محبط لعمل عنيف وهو يعتقد أنه يدافع عن قضيته. العنف هو أخطر شيء يواجه الجميع الآن بلا تفرقة، ولا أقصد فقط العنف الجسدي، ولكن أيضا العنف اللفظي، وهو ما نلحظه في كثير من الكلمات والتعليقات والحوارات في كل مكان حتى من المتعلمين والمثقفين، فقد نشأت خلافات عميقة بين زملاء العمل والأصدقاء والأزواج والأبناء بسبب عدم القدرة على قبول رأي مختلف، وبسبب سوء التعبير عن الاختلاف.
وهناك ثمة شواهد في خطاب المتحدثين في المؤتمر اليوم (20/8/2013م) يوحي بالتحول التدريجي للعمل السياسي (الحقيقي)، وهذا مطلوب بشدة في الفترة القادمة، إذ لا يمكن أن تعتمد على وسيلة المواجهة والحشد والصمود في الشوارع والميادين طول الوقت، فهذه مجرد أدوات قد تمهد لخلق ظروف تفاوضية أفضل ولكنها لا تغني عن التفاوض.
أتمنى أن يلتقط الطرف الآخر هذه التحولات حتى لا يكتفي بالحل الأمني وحده الذي أدى إلى مشكلات كثيرة في عهد مبارك دفعت إلى قيام الثورة، وأن نرى في الأيام القادمة مبادرات (ويا حبذا لو من أطراف عادلة وعاقلة ومحايدة) نخرج بها من حالة الانسداد والعناد السياسي لكي يتوقف نزيف الدم، ونغلق الباب أمام الداعين للفتنة والمحرضين عليها مهما كانت هويتهم أو انتماءاتهم، فنعمة الأمن والأمان لا يعرفها جيدا من لم يقرأ حديث رسول اللهه صلى الله عليه وسلم: "من بات آمنا في سربه معافا في بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها"، فقد ذكر الأمان قبل الصحة وقبل القوت.
وكما ترون فحين تعمل ماكينة العنف والعنف المضاد تسيل دماء ذكية وبريئة وتضيع الحقيقة وسط الغبار ويتبادل الجميع الاتهامات وتكثر الأكاذيب والإسقاطات والتلفيقات والشائعات، ويصبح الجميع مهددين بالعنف والقتل حتى ولو لم يكونوا أطرافا في الصراع الدائر.
ربما تكون أحد أسباب أزمتنا الحالية في مصر هي حالة الجفاف السياسي التي وصفها الأستاذ محمد حسنين هيكل، والتي ترسخت في عهد مبارك حيث تقزمت الأحزاب، وزورت الانتخابات، ونكل بالمعارضين، واكتفي بالحل الأمني والضبط الأمني والقمع الأمني طول الوقت، ولم تكن هناك سياسة بالمعنى الصحيح، ولذلك لم نتعود على الممارسات السياسية التي يتم من خلالها عمليات تفاوض وحل صراعات واحترام المؤسسات الدستورية. وحين تفشل السياسة تشتعل الشوارع بكل ألوان الصراعات والحشود والعنف بلا نهاية.
حمى الله مصر وأهلها من كل سوء.
واقرأ أيضاً: