هكذا سمعتها في تقرير للجزيرة وأخذتني الكلمات.... وصف دقيق عميق بسيط للحالة التي تعيشها المحروسة، خاصة العاصمة رجال الشرطة الذين اختفوا منذ جمعة الغضب ولم يعودوا خلال ما يزيد على العشرين شهرا بعد الثورة، لولا أنهم اضطروا إلى ما يشبه الحضور في فترة حكم الرئيس محمد مرسي.... لكنهم ظلوا أقل وأكسل وأضعف من المطلوب لمجرد الحفاظ على الأمن والنظام في الشارع المصري..... ثم فجأة بعد الانقلاب على محمد مرسي وعزله، ظهرت الشرطة المصرية في الشارع تمارس مهامها بنشاط وسعادة... بل بنشوة وانتصار، شعور بوجود الأمن لكنه يبعث لا على الشعور بالأمان وإنما بالخوف.
الشرطة الآن عادت لكن شيئا ما يجعلها تبعث في نفوس الناس الخوف لا الاطمئنان، الشرطة عادت في ظروف حالة من الانقسام المجتمعي، تتخذ فيه الشرطة موقفا من أحد القسمين باعتباره خارجا على القانون ومتهما بالإرهاب، وتبدو في حربها معه قوة لا سقف لها ولا تلتزم في تعاملها معه بأي معايير باعتباره إرهابا ومصر تحارب الإرهاب، ومن أجل الحرب المعلنة على الإرهاب المحتمل تلك أصبح من اللازم فيما يبدو أن يستمر الجو المصري مشحونا بالخوف والغموض أو "مكهربا" كما نقول في مصر.
الشرطة التي عادت كانت طوال الفترة ما بين 28 يناير 2011 و3 يوليو 2013 تتصرف طبقا لأخلاق لم يستسغها العقل المصري، إذ لم يكن ممكنا رغم العلاقة شبه المعروفة بين الشرطة والبلطجية، أن يستوعب المصريون أن ما بدر من وزارة الداخلية عقب ثورة يناير كان شكلا من أشكال البلطجة تمارسه بنفسها،.... ثم أخيرا عادت الشرطة وإلى جوار رجالها وفي سياراتها الرسمية يظهر البلطجية تحت مسمى "المواطنون الشرفاء" فيعتدون على البلاد والعباد.... لم تعد الشرطة تهتم بإخفاء العلاقة بينها وبين البلطة والبلطجية عن العلن، بل هي تكاد تقول أن لا فرق بين الشرطي والبلطجي ماداما يتعاونان على إنفاذ إرادة سلطة الانقلاب! ومن المضحك المبكي أن كل ذلك موثق في مقاطع فيديو منتشرة على الإنترنت فضلا عن رؤية الناس للفضائيات وللبلطجية عيانا بيانا في كمائن اللجان الشعبية وفي كمائن الشرطة وأثناء التظاهرات.
من المعروف أن أهم ما يميز السلوك الذي يوصف بالبلطجة أن فيه اعتداءًا بالقوة على الحقوق لمجرد وجود القدرة على ذلك، ودون مراعاة لأي من القيم أو المبادئ، وكثيرا ما وصفت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها شرطي العالم أو بلطجي العالم لأنها كانت تتصرف بنفس الطريقة استغلال القوة في مواجهة الضعيف ثم التحكم فيه واستغلاله بلا أي وازع خلقي،.... وغني عن البيان أن ما فعله الانقلابيون كان في الأصل نوعا من البلطجة.... فاستنادا إلى قوةة الجيش (رغم ادعاء الاستناد إلى وجود رغبة الشعب) قام الانقلابيون بتدمير كل ما أنجز في المسار الديمقراطي وكأن ما قام به الشعب وأنجزه طوال سنتين ونصف كان عبثا، ولا حاجة لاستشارة أحد... أي منتهى الاستهانةة بالشعب واعتباره دون مستوى اتخاذ القرار وبشكل واضح... وهذه بلطجة لا خلاف فيها.
الناس في القاهرة خائفون متوترون الموظفون والعمال والباعة على اختلاف أنواعهم، الكل يبدأ توتره وتوجسه منذ الساعة الثالثة عصرا إن لم يكن من قبل، ووسائل المواصلات تختفي ربما منذ الخامسة والنصف مساء أي قبل موعد بداية حظر التجول بساعة ونصف، ثم ترى أغلب الناس يتحاكون عن نقاط التفتيش والكمائن وكيف أن فلانا أو فلانة استغرق 6 ساعات في مشوار لا يحتاج أكثر من نصف ساعة، وهو ما أصبح يدفع الأغلبية إلى إلغاء مشاويرهم لأنهم مهددون بالتأخر حتى بدء حظر التجول، وكيف أن فلان أو فلانة تعرض للإهانة من البلطجية أو "المواطنين الشرفاء" عند الحاجز، وكيف اضطر أحدهم لدفع غرامة 1000 جنيها.... وهكذا.... تنتشر الشائعات عن ذلك الذي ضرب بالرصاص لأنه خالف الحظر وذاك الذي أهانه البلطجية.... إلخ، وبشكل عام يعتور الخوف نفوس المصريين، سواء كانوا من مؤيدي الانقلاب أو معارضيه.
منطق الاستعانة بالبلطجية سواء من سلطة الانقلاب أو من وزارة الداخلية يعني في حد ذاته قبولا للبلطجة كمبدأ وكأسلوب تعامل مع الشعب..... والبلطجية موجودون في الشارع منذ عزل الرئيس محمد مرسي، وبالتالي لم يكن الحضور الأمني المصاحب للبلطجية في الشارع دافعا للشعب ليطمئن ويشعر بالأمان بقدر ما كان دافعا له أن يخاف لأنه يرى البلطجية في معية الشرطة حتى أنك لا تدري من يحرس من؟، وعندما تسأل الشرطة عن البلطجية ينكرون وجود أي بلطجية بل ويسمونهم بالمواطنين الشرفاء، وعندما ترى أن القبضة الأمنية خاصة بعد فرض حظر التجول صارت مفرطة طائشة القوة وتسأل مستنكرا ما الداعي لكي هذا إنكم تشعرون الناس بالخوف، يقال لك دون مواربة أن الشعب المصري "لازم يخاف عشان يتحكم"!... إذن فالأمن عاد والخوف ساد ولكن يبقى التساؤل هل سيستطيع الانقلابيون النجاة بكل جرائمهم وإحكام السيطرة على مصر؟!
واقرأ أيضًا: