قبل الاستغراب والاستنكار من هذا العنوان دعونا نجيب بصراحةٍ عن هذه الأسئلة، ولتكن إجاباتنا بـ نعم، أو لا فقط:
* هل ينام صغارُنا أخيرًا بعد معركة يومٍ طويل؛ فتبدأ مشاعرٌ ممزوجة من الندم وبعض الحسرة تنتابنا على تصرفاتٍ كان يمكن أن تكون أفضل؟
* هل نراقبهم وهم نائمون... ونتنهد في عمقٍ، ويرتسِم على ملامحنا خطوط تُعبِّر عن الأسف؟
* هل ننحني عليهم لنُقبِّلَهم بعد نومهم قُبلات ونعتذر لهم وهم نائمون عن تهديدات طويلة وأوامر يوم لا تنتهي حتى ناموا؟
* هل نُقبِّلهم بعد نومهم قُبلات ونحن نراجع في ذهننا صورة لضربهم بغضب، أو الصراخ فيهم؟
* هل يكثر أن نظل نتقلَّب في سرائرنا ندمًا على تصرُّفاتٍ معهم، ثم نعد أنفسنا ألا تُكرَّر، ولا نفي بتلك الوعود إلا قليلاً؟!
إن الهدف من إجابة هذه الأسئلة ليس إثارة الشعور بالحسرة ولا الندم ولا الخجل... ولا إشعار أنفسنا أننا لسنا ناجحين بما يكفي كآباء وأمهات، ولكنه نوع من التذكرة والتحفيز نحو الأفضل.
قُبْلَة الندم
إن القُبلَة التي نُقبِّلها لهم بعد نومهم لن تصل إليهم، لن تُسمِعهم أننا فعلاً آسفين، لن تُذهِب مرارة الشعور بالسوء، وهي حتمًا لن تُربِّت على جرحٍ مؤلم، ولن تُعيد الثقة التي هزَّتها الكثير من الانفعالات والكلمات، ولن تُوضِّح كم نهتم، ولن تُخبِرهم أننا نُحبهم رغم ما كان مِنَّا على مدار يوم طويل.
التهديد: "سأُبرِّحك ضربًا لو...!"، "جرِّب وسترى ماذا سأفعل بك!"، "لن تلعب بها ثانيةً إن وجدتها في غير مكانها"، "والله سأ..."، "توقفوا وإلا سآتي إليكم!"، "سأُلقيها من النافذة إن أمسكت بها مرةً أخرى"، "ركز في واجبك وإلا ضربتك"، "سأُخبر أصدقائك عما فعلت!"، "سأرفع الطعام إن لم تُنهِه حالاً!"، "ستذهب حافيًا غدًا للمدرسة إن لم تضع حذاءك في مكانه!".
الاتهامات والسخرية: "ألن تفهم أبدًا؟"، "أنت تجعل حياتي بؤسًا!!!"، "ألا تستطيع أن تعتمد على نفسك أبدًا؟"، "ألن تنضج أبدًا؟!"، "أنت فعلاً غبي ومستفز!"، "متى ستكون محترمًا؟!"، "خلِّ عندك شخصية!"، "كل الآخرين أفضل منك"، "يا رب ما هذا الابتلاء؟"....
الأوامر: "تعالى"، "كف عن هذا الصوت"، "أكمل طعامك كله"، "لا أريد أن أسمع أصواتكم"، "ابدأ بالحساب ثم..."، "لا أسمعك... علِ صوتك، ولا تتحدّث بهذه الطريقة"، "توقف عن الإلحاح وكثرة الحديث"، "أنا متعبة اذهب بعيدًا الآن!"، "أنا مرهق من العمل فعلاً... هيا اذهبوا إلى غرفكم حالاً".
جسديًّا: الشد، الدفع، التعنيف أثناء لبس الملابس وخلعها، الضرب بكل مستوياته بدايةً من الضرب الخفيف على ظهر الكف، القرص، الضغط باليد والتعنيف، الضرب بأدوات...، القذف -وفيه قذف ما تجده اليد وقتها في متناولها-!".
ما الذي حدث؟
والإجابة ستكون إن هذا هو "غضبنا وانفعالاتنا غير المحسوبة" تُربِّي لنا أبناءنا وتتركنا في نهاية اليوم، وبعد نومهم نعاني الكثير من الندم الذي لن نلبث أن نعتاد، ونحاول إزالته بإظهار الأسف لهم بقُبُلاتٍ بعد النوم!
كيف نسيطر على غضبنا؟
دعونا نُبدِّل كلمة "السيطرة" بـ"القيادة" لنحسن الإجابة عن هذا السؤال، فنبدأ قيادة أنفسنا بمناقشتها عما تريد أن يكون حصيلة نهاية اليوم حين يخلد أطفالها للنوم بدلاً من قُبلاتِ ما بعد نومهم التي لن تُعوِّض شيئًا.
1- استعدوا: بـ
فَهْم الحقائق الرئيسية عن طبيعة الأطفال وهو موضوع يطول عن هذه السطور، ولكن نذكر منه:
٠ أن الأطفال لا يعرِفون ولا يقصدون الأذى مهما بدا عكس ذلك.
٠ الفضول الدائم.
٠ الأصل عندهم الفك لا التركيب.
٠ احتياجهم الدائم للانطلاق والأماكن المفتوحة واللعب المتواصل حتى السقوط نومًا.
٠ الأطفال دائمو النسيان ويأخذون الكثير من الوقت ليتعلموا بعض القواعد التي نظنها بديهية.
- يُنصح بالاستعانة بكثرةِ القراءة وحضور الدورات الفعّالة واستشارة الاستشاريين والمربين الناجحين وكثرة الاختلاط بهم في بيوتهم ومع أبنائهم والسماع منهم، كما الاقتداء بهم وخيرهم على الإطلاق النبي صلي الله عليه وسلم، ويصفه سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول: "خدمتُ النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أفٍ قط، وما قال لي لشيء لم أفعله: ألا كنت فعلته؟ ولا لشيء فعلته: لم فعلته؟" (حديث صحيح).
وتروي عنه أُمُّنا السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادِمًا له ولا امرأةً ولا ضرب بيده شيئًا" (حديثٌ صحيح).
- معرفة أنه لا بد من الكثير من الانفعال أثناء مواجهة ما يفعله الأطفال على مدار اليوم، والاستعداد لذلك نفسيًّا وانفعاليا بابتسامة وانتباه.
- تهيئة البيت والحرص على تقليص المشكلات المتوقعة قدر الإمكان -مثلاً: رفع كل الأشياء المعرضة للكسر، الكريمات، المواد المؤذية، إغلاق باب الحمامات والمطابخ رفع المفارش وتغطية الأثاث؛ لتقليص أوامر "ابتعد، توقف، إياك"- توفير مساحات وألعاب كافية.
2- حدِّثوا أنفسكم: بشكلٍ إيجابي وصريح، كرِّروا عليها الصورة الإيجابية التي تتمنَّوها لحياة يومية تربوية ناجحة، تخيلوا صورة طفلكم شخصيته وأخلاقه ونفسياته وانفعالاته التي تتمنَّوها له في مُراهقته ونُضوجه، ثم تكلموا مع أنفسكم ومع بعضكم كأم وأب عن ما ستتخذونه من تجديدات وإجراءات للوصول لهذه الصورة البراقة، وحدثوها كذلك عن أن الخطأ دائمًا خطؤنا نحن الآباء والأمهات "نحن سهونا عن رفع الأشياء"، "نحن تركنا الدولاب مفتوحًا"، "كان يمكننا أن...".
3- قائمة الاستبدال: يلزم الخطوة السابقة خطوتنا هذه وهي سرد كتابي لقائمة من المشاعر والأفعال والأقوال والانفعالات الخاصة بنا التي ننتهجها في بيتنا ونرغب في تغييرها، والتغيير سيتطلب أن نوجد أفعال وأقوال ومشاعر بديلة لنحلها محل الخاطئة، أو الأقل فاعلية القديمة، وهذه الخطوة حجر أساس لنجاح حقيقي.
4- حدود لا تُختَرق: وهنا علينا أن نضع لأنفسنا بعض المحرَّمات التربوية التي لا نقع فيها أبدًا مثل العقوبة أثناء الانفعال، وخاصة عقوبة الضرب -مثل التحقير أثناء الحديث أو المقارنة- ومثل التشكيك في الحب.
5- خذوا قرارًا : لا تراجع عنه بالتنفيذ، إن هذا القرار هو الأهم في حياة الأسرة، ضعوا له شعارات متجددة، علقوا بعضها، واجعلوا البعض على المذكر في الهاتف المحمول، والآخر فوق المكتب أو على الثلاجة.
6- ألم النجاح : لا تنسوا أنه كلما كان الطريق أصعب كانت النتيجة ألذ وأكثر فخر، ولا بد لأي نجاح من سعي وبعض الألم الذي لن يخرج عن كونه تدريبًا وتركيزًا كبيرين وإلجامًا للانفعالات غير المحسوبة وكم يؤلم ذلك!
7- صناعة التفاصيل: اللعب معهم وتنظيم شئون البيت والوقت وطبيعة الأطعمة المقدَّمة للأبناء ووقتها وتدريبهم على القواعد التي ننفعل عليها بشكلٍ مبسطٍ ومَرِحٍ ومتكرِّر واختراع المكافآت الصغيرة على كل تفصيلة صغيرة مثل حبة شيكولاتة واحدة عند كل التزام من كيس شيكولاته كبير.
8- راقبوا أنفسكم : بكتابةِ كل سلوكٍ انفعالي مِنَّا وكتابة كل تَقدُّم يُذكر كذلك، كل يوم بشكلٍ مستمر حتى استقرار الأمور.
9- تنفسوا بعمق: استعينوا على الانفعالات والمفاجآت بالتنفس العميق عدةَ مراتٍ متتالية وجعل اليدين خلف ظهورنا.
10- اهربوااا: عند فشلنا في قيادة أنفسنا في البداية علينا الهرب فورًا بعيدًا عن الأطفال؛ لأننا في هذه اللحظة لا ندري ما نفعل حتى نهدأ.
11- أعيدوا المحاولة: العباقرة جميعًا لا ينجحون تمامًا من أول مرة؛ فأعيدوا المحاولة مرةً بعد مرة.
12- استمتعوا بكل تَقدُّم: وأصرِّوا عليه فربما لا ترون أثره حالاً، ولكنه أنار الكثير من السعادة والاتزان النفسي والانفعالي عند أبنائنا، كما عبَّرنا لهم كم نحبهم بعد أن ناموا من قبل وهم متأكدون أننا لا نُحبهم إطلاقًا وأنهم أطفال سيئون!
ويتبع >>>>>: لا تُقَبِّلوا أطفالكم بعد النوم (2)
اقرأ أيضاً:
استراتيجيات لتحسين التركيز والذاكرة / كيف نمحو أميتنا التربوية ؟ / فن المذاكرة / قلق الامتحانات
التعليق: هو كلام جميل، بس ده ملهوش دعوة بتقبيل الأطفال أثناء النوم..
معلومة قرأتها ودي حقيقة، بإن حواس الطفل بتدرك إنك قبلتيه وقت نومه. ده شئ أنا حسيته لما بقبل (ببوس) إبن أختي الصغير اللي عايش معانا في البيت وهو نايم..
يعني الإنسان يبقي حنون علي الطفل في وقت استيقاظه وفي وقت نومه. يعني يبوسه ويحسس علي شعره ويطبب عليه ويغطيه وقت نومه ويبعد عنه أي مصادر أصوات مزعجة أو ضوء عالي أو أي شئ يزعجه في وقت نومه. وفي وقت ما يكون مستيقظ الطفل، يتحضن الطفل ويتباس ويتدلع بكلام جميل ووو ويتم التعامل معاه بحكمة وقت شقاوته أو وقت أخطائه..
أنا مش متزوجة لحد دلوقت علشان عارفة دي مسؤولية، وأخاف إني ما أعرفش أعامل طفل كويس. يعني مستنية الوقت اللي أكون مهيئة فيه كويس بإن يكون عندي بيت وأسرة، إن شاء الله. علشان أنا عارفة يعني إيه ممكن طفل يتدمر نفسياً بسبب سوء المعاملة.