مازلت بصدد الدعوة إلى الإسراع في البدء في إرساء دعائم بنية أساسية قادرة على استلام مشاعل مشروع الثورة، (التي أصبحت شماريخ نارية!) لكي تكون ثورة، فنهضة، فحضارة.
ألمحت في مقال أمس إلى الحجة التي يرددها بعض المتعلمين أو بعض المثقفين: أن الديمقراطية قد لا تصلح لمصر، طالما نسبة الأمية بهذا الحجم! وأن هذه الحجة تحتاج إلى إعادة فحص، لأن الأمية الثقافية والأمية النقدية والأمية التاريخية ضاربة أطنابها عند كل من يتصورون أنهم يجيدون القراءة والكتابة حتى لو كانوا قد حصلوا على شهاداتهم العليا، المسألة ليست مسألة قراءة وكتابة، المسألة مسألة وعي القراءة ومسئوليتها، ماذا تقرأ؟ وكيف تقرأ؟ وأيضا: ماذا تسمع؟ وكيف تفهم، ثم كيف تفكر فيما تقرأه وتسمعه، وكيف تستنتج من كل ذلك ما هو صالح لك ولناسِكْ. وأضيف اليوم: وللناس كافة: فهي الحضارة.
أنبه اليوم مرة أخرى إلى أن مصدر معارفي عن الوعي العام المصري هو عينات غير ممثلة من ممارستي العلاج الجمعي المجاني في قصر العيني حيث يصلني ممن لا يقرأون حتى لو كانوا مؤهلين، يصلني ما هو أعمق وأكثر دلالة مما يصلني من القراء الكتاب والمتحدثين في الإعلام، إذا جاز للمواطن العادي أن يعتذر عن عزوفه عن القراءة بانشغاله بالأهم (لست أدري ماذا، هل هو التليفزيون أم النوم أم "الشات" "فات فات") فهل يجوز نفس الشيء لمن يتصدى رائدا أو قائدا أو حتى مجرد مشارك في العمل السياسي، خاصة بعد أن أصبحت مصر تضرب تقلب في الثلاث سنوات الأخيرة، أنا لا أستثني من هذا التساؤل الشباب، إذِ المفروض أنهم أكثر طزاجة، وقدرة على الدهشة، ورغبة في تحريك الوعي وتقليب الساكن، كما لا أستثني التيار الإسلامي فهو الأولى بالقراءة وأول آية كريمة نزلت على رسولنا صلى الله عليه وسلم كانت أمرا بالقراءة.
هل أبدأ يا ترى بالصفوة من المثقفين أم بالعلمانيين "السكلريين" أم بالأكاديميين بالغي التخصص؟ اسمحوا لي أن أبدأ بمن دعوت لهم – ولنفسي- بالهدايه والرشاد أول أمس (الإخوان)، وسوف أقدم عينات محدودة عن فائدة قراءة المحاكمات التاريخية، خاصة وكلمات "المحاكمة" والمحاكمات تتردد على أسماعهم وأسماعنا في اليوم عشرات المرات: هل يا ترى قرأ زعماؤهم، أو محرضوهم، أو منظروهم، أو شبابهم، هل يا ترى قرأوا "محاكمة سقراط" أو "محاكمة الحلاج" كأمثلة؟ وهل يا ترى لو قرأوا أيا من ذلك ماذا سيصلهم بالضبط؟
هل سيحكمون على سقراط من شائع ما يعرفون عنه قبل قراءتهم محاكمته؟ أم هل سوف تستسهل غالبيتهم أن يصنفوه من العلمانيين أو المناطقة ودمتم، وكيف يا ترى سوف يستوعبون التهمة التي حوكم وأعدم من أجلها، وهي أنه أفسد شباب أثينا، وجعلهم يفكرون!! وماذا سيكون موقف من لا يعلم منهم حين يعرف كيف رفض سقراط أن يستجيب لتلاميذه حين خططوا بإحكام أن يهربوه من السجن، بعد أن حكم عليه فعلا بالإعدام، فرفض حتى لا يهز القيم التي علمها للشباب، واستمر في السجن مختارا يرحب بالموت العظيم الجميل، كجزء لا يتجزأ من شرف الوجود، واحترام القانون، مهما كان القائم على القانون ظالما!!.
طيب دع سقراط الآن ولنا عودة، نأخذ شيخا عارفا مسلما جميلا منيرا: كم منهم يا ترى قرأ تاريخ "الحلاج" بأمانة دون الإسراع إلى حكم مسبق؟ وكم منهم تعمق في علاقته بربه وانحيازه للفقراء والمطحونين ضد الحاكم الظالم، أم أن أغلبهم اكتفى برأي مولانا ابن تيمية فيه، الرأي الذي لن أذكره هنا احتراما للإمام بن تيمية غفر الله له، وهل سيبذل بعضهم جهدا خاصا في إعادة النظر؟ فإذا لم تكن لديهم وقت لنقده ناهيك عن نقد ابن تيميه، فهل يا ترى قرأوا كيف حل تاريخه وحبه لربنا في وعي شاعرنا الراحل صلاح عبد الصبور فكتب مسرحية "مأساة الحلاج" يوقظنا ويهدينا إلى ما نسيناه من تاريخنا وروعة علاقتنا بربنا.
ليسمح لي هؤلاء وأولئك أن أختم اليوم بمقتطف محدود من شعر عبد الصبور في المأساة، وكأنه الحلاج هو الذي قرضه:
- أترى نقموا مني أني أتحدث في خلصائي
وأقول لهم إن الوالي قلب الأمة
هل تصلح إلا بصلاحه
فإذا ولـيتــُم لاتنسوا أن تضعوا خمر السلطة
في أكواب العدل؟
.......
......
أن يعطوا الناس حقوق الناس على الحكام
فنجاوبهم بحقوق الحكام على الناس
وبعد؛
آفة قراءة ما في أذهاننا بديلا عن ما يصلنا مما نقرأ(!!) ليست قاصرة على الإخوان، وسوف أعود غالبا إلى "السكلريين" (العَلْمانين) والمثقفين وغيرهم في حديث لاحق.
الاثنين 30-12-2013
ألمحت في مقال أمس إلى الحجة التي يرددها بعض المتعلمين أو بعض المثقفين: أن الديمقراطية قد لا تصلح لمصر، طالما نسبة الأمية بهذا الحجم! وأن هذه الحجة تحتاج إلى إعادة فحص، لأن الأمية الثقافية والأمية النقدية والأمية التاريخية ضاربة أطنابها عند كل من يتصورون أنهم يجيدون القراءة والكتابة حتى لو كانوا قد حصلوا على شهاداتهم العليا، المسألة ليست مسألة قراءة وكتابة، المسألة مسألة وعي القراءة ومسئوليتها، ماذا تقرأ؟ وكيف تقرأ؟ وأيضا: ماذا تسمع؟ وكيف تفهم، ثم كيف تفكر فيما تقرأه وتسمعه، وكيف تستنتج من كل ذلك ما هو صالح لك ولناسِكْ. وأضيف اليوم: وللناس كافة: فهي الحضارة.
أنبه اليوم مرة أخرى إلى أن مصدر معارفي عن الوعي العام المصري هو عينات غير ممثلة من ممارستي العلاج الجمعي المجاني في قصر العيني حيث يصلني ممن لا يقرأون حتى لو كانوا مؤهلين، يصلني ما هو أعمق وأكثر دلالة مما يصلني من القراء الكتاب والمتحدثين في الإعلام، إذا جاز للمواطن العادي أن يعتذر عن عزوفه عن القراءة بانشغاله بالأهم (لست أدري ماذا، هل هو التليفزيون أم النوم أم "الشات" "فات فات") فهل يجوز نفس الشيء لمن يتصدى رائدا أو قائدا أو حتى مجرد مشارك في العمل السياسي، خاصة بعد أن أصبحت مصر تضرب تقلب في الثلاث سنوات الأخيرة، أنا لا أستثني من هذا التساؤل الشباب، إذِ المفروض أنهم أكثر طزاجة، وقدرة على الدهشة، ورغبة في تحريك الوعي وتقليب الساكن، كما لا أستثني التيار الإسلامي فهو الأولى بالقراءة وأول آية كريمة نزلت على رسولنا صلى الله عليه وسلم كانت أمرا بالقراءة.
هل أبدأ يا ترى بالصفوة من المثقفين أم بالعلمانيين "السكلريين" أم بالأكاديميين بالغي التخصص؟ اسمحوا لي أن أبدأ بمن دعوت لهم – ولنفسي- بالهدايه والرشاد أول أمس (الإخوان)، وسوف أقدم عينات محدودة عن فائدة قراءة المحاكمات التاريخية، خاصة وكلمات "المحاكمة" والمحاكمات تتردد على أسماعهم وأسماعنا في اليوم عشرات المرات: هل يا ترى قرأ زعماؤهم، أو محرضوهم، أو منظروهم، أو شبابهم، هل يا ترى قرأوا "محاكمة سقراط" أو "محاكمة الحلاج" كأمثلة؟ وهل يا ترى لو قرأوا أيا من ذلك ماذا سيصلهم بالضبط؟
هل سيحكمون على سقراط من شائع ما يعرفون عنه قبل قراءتهم محاكمته؟ أم هل سوف تستسهل غالبيتهم أن يصنفوه من العلمانيين أو المناطقة ودمتم، وكيف يا ترى سوف يستوعبون التهمة التي حوكم وأعدم من أجلها، وهي أنه أفسد شباب أثينا، وجعلهم يفكرون!! وماذا سيكون موقف من لا يعلم منهم حين يعرف كيف رفض سقراط أن يستجيب لتلاميذه حين خططوا بإحكام أن يهربوه من السجن، بعد أن حكم عليه فعلا بالإعدام، فرفض حتى لا يهز القيم التي علمها للشباب، واستمر في السجن مختارا يرحب بالموت العظيم الجميل، كجزء لا يتجزأ من شرف الوجود، واحترام القانون، مهما كان القائم على القانون ظالما!!.
طيب دع سقراط الآن ولنا عودة، نأخذ شيخا عارفا مسلما جميلا منيرا: كم منهم يا ترى قرأ تاريخ "الحلاج" بأمانة دون الإسراع إلى حكم مسبق؟ وكم منهم تعمق في علاقته بربه وانحيازه للفقراء والمطحونين ضد الحاكم الظالم، أم أن أغلبهم اكتفى برأي مولانا ابن تيمية فيه، الرأي الذي لن أذكره هنا احتراما للإمام بن تيمية غفر الله له، وهل سيبذل بعضهم جهدا خاصا في إعادة النظر؟ فإذا لم تكن لديهم وقت لنقده ناهيك عن نقد ابن تيميه، فهل يا ترى قرأوا كيف حل تاريخه وحبه لربنا في وعي شاعرنا الراحل صلاح عبد الصبور فكتب مسرحية "مأساة الحلاج" يوقظنا ويهدينا إلى ما نسيناه من تاريخنا وروعة علاقتنا بربنا.
ليسمح لي هؤلاء وأولئك أن أختم اليوم بمقتطف محدود من شعر عبد الصبور في المأساة، وكأنه الحلاج هو الذي قرضه:
- أترى نقموا مني أني أتحدث في خلصائي
وأقول لهم إن الوالي قلب الأمة
هل تصلح إلا بصلاحه
فإذا ولـيتــُم لاتنسوا أن تضعوا خمر السلطة
في أكواب العدل؟
.......
......
أن يعطوا الناس حقوق الناس على الحكام
فنجاوبهم بحقوق الحكام على الناس
وبعد؛
آفة قراءة ما في أذهاننا بديلا عن ما يصلنا مما نقرأ(!!) ليست قاصرة على الإخوان، وسوف أعود غالبا إلى "السكلريين" (العَلْمانين) والمثقفين وغيرهم في حديث لاحق.
الاثنين 30-12-2013
واقرأ أيضاً: