انتبه .. العربة تجنح يسارا (1من2)
هناك حالة من الصراع أو حتى العداء الفكري والعقائدي بين تيار اليمين الديني والتيار اليساري بكل فصائله, فالتيار الأول يملك الشارع ويؤثر فيه ويحصل منه على الأصوات الانتخابية المطلوبة لنجاحه, أما التيار الثاني فهو ضعيف شعبيا وليست له قواعد ثابتة ومؤثرة ولكنه منتشر ومؤثر إعلاميا وفكريا وفنيا وثقافيا وسلطويا. وقبل ثورة يناير كان التيار اليساري (متحالفا مع السلطة ومؤثرا فيها) يقمع ويكبح جماح التيار الإسلامي ويضعه في الإطار الذي يجعله غير مؤثر على مستويات السلطة العليا, أما بعد الثورة فقد تغير الحال ونجح تيار الإسلام السياسي بمساعدة التيار الإسلامي الأوسع (وبسماح من المجلس العسكري والقوى الدولية التي تدرك تأثيره وسعة انتشاره) في الوصول إلى السلطة,
ولكن أخطاء الإخوان وضعف وارتباك آدائهم, وعدم قدرتهم على قراءة المشهد والتعامل مع عناصره بشكل موضوعي سهل الهجوم عليهم وإزاحتهم عن السلطة, وقد لعب التيار اليساري دورا كبيرا في ذلك من خلال الإعلام, ومن خلال الحشد للمؤسسات والجماهير المحبطة والغاضبة من آداء الإخوان ومن نقص الاحتياجات الأساسية ومن الفوضى والانفلات الأمني, ووجد الجيش نفسه أمام خيارات صعبة فانحاز للكثرة العددية من الشعب الذين خرجوا (أو أخرجوا) رفضا لسياسات الإخوان وإحباطا من آدائهم ورغبة في العودة إلى مبادئ الثورة الأولى (عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية) والتي نسيتها السلطة الإخوانية أو انشغلت عنها بسبب صراعاتها المتعددة التي استنفذت قواها مع قوى كثيرة داخلية وخارجية وبسبب إعطائها أولوية للتمكين السلطوي والأيديولوجي للجماعة وبسبب عدم وضوح أو عدم وجود ما يسمى بالمشروع الإسلامي (المكتوب والمفصل) أو النهضة بمرجعية إسلامية, وبسبب ضعف آداء الرئيس مرسي ومؤسسة الرئاسة وعدم قدرتهم على احتواء المصريين بكافة انتماءاتهم وطوائفهم.
وهنا بدأ الصراع وتساقط الضحايا بأعداد كبيرة, أغلبهم من التيار الإسلامي (وبعضهم من الإخوان), وقد احتاجت السلطة الانتقالية المؤقتة لرموز التيار اليساري (من الثوريين وحتى من الفلول) كي يظهروا في الإعلام ليبرروا ما حدث وليدافعوا عن خارطة المستقبل وليواجهوا الضغط الداخلي والخارجي, وليشكلوا رؤية وطنية يلتف حولها كل الغاضبون من الإخوان والرافضون لآدائهم, لهذا بدأ الإعلام المستقل والإعلام الرسمي أحاديا وعاكسا لوجهة النظر اليسارية وحدها (والتي اتخذت شكلا وطنيا عاما) ومشوها في ذات الوقت للتيار الإسلامي وشامتا ومتشفيا فيه ومستبعدا لرموزه, وراح يلقي بكل التهم عليه دون انتظار دليل فاتهمه بالعنف والإرهاب وحرق الكنائس وأقسام الشرطة وقتل الناس في الشوارع, واتهمه بالخيانة وانعدام الانتماء, ونزع عنه الوطنية المصرية. وأغفلت وسائل الإعلام المصرية (بلا استثناء)
جراح وآلام التيار الإسلامي ولم تعطه الفرصة للدفاع عن نفسه أو التعبير عن وجهة نظره, وفي ذات الوقت أغلقت القنوات الدينية, والتي رغم عيوبها الكثيرة والجسيمة, إلا أنها كانت المتنفس والمعبر عن وجهة نظر التيار الإسلامي, ويتابعها الملايين من أنصاره. وفرح غلاة اليسار بهذا النصر على عدوهم اللدود فانطلقوا بلا عقل يقطعون أوصاله ويسعون لاستئصاله نهائيا هذه المرة مستفيدين بما حدث من أخطاء ومستفيدين بموقف الجيش والذي ربما يكون قد بني على اعتبارات وطنية أخرى غير تلك التي يتبناها غلاة اليساريون.
وعلى الرغم من تأكيد الجيش والسلطة الانتقالية وقوفهم مع الشعب المصري بلا تحيز, إلا أن البث اليساري والإعلامي حاول إبراز هذا الاستقطاب, واستغل الإعلام هنا الخلط بين الإخوان وبين التيار الإسلامي الأوسع لكي يصم الجميع ويستبعدهم من الخريطة السياسية.
وقد أدى هذا إلى شعور التيار الإسلامي بالغبن وضياع مشروعه وحلمه, وشعوره بالتشفي والشماتة من غريمه اليساري المحتمي والمستقوي بسلطة الدولة, وإقصائه من كل دوائر التأثير (كما كان قبل ثورة يناير), والوصول إلى حالة من الحزن العميق لسقوط ضحايا بالمئات ينتمون لصفوفه, ويشعر بالإهانة للطريقة التي عومل ويعامل بها, وحتى حزب النور المناصر للسلطة يشعر بالنبذ والإهمال وربما الاحتقار والتشكيك. وعادت العلاقة السلبية بين الجهاز الأمني والتيار الإسلامي متمثلة في الشكوك والملاحقات والاستبعادات والحظر.
إذن في النهاية نتمنى أن ينتبه من بيدهم الأمر الآن في الدولة المصرية إلى حجم جرح التيار الإسلامي وإلى تأثيرات ذلك الجرح في الحاضر والمستقبل, وأن لا ينجرفوا في معركة أيديولوجية أو صراعات فكرية, وأن لا ينتصروا لطرف دون طرف في تلك المعارك والصراعات, وأن لا ينخدعوا بقوة التأثير الإعلامي للتيار اليساري ويعتقدوا أنه يتحدث بلسان غالبية الشعب المصري ويمثل –وحده –الوطنية والهوية المصرية, فالواقع على الأرض يؤكد غير ذلك.
وإن كان جزء كبير من التيار الإسلامي لم يتحرك مناصرة للإخوان المسلمين في صراعهم السياسي ربما لاختلافه معهم في الفكر والأولويات والمشروع السياسي وطريقة الآداء أو لرغبتهم في الحفاظ على كيان الدولة, إلا أن هذا الجزء الكبير لا يحتمل كثيرا استبعاده وجرحه وإهانته وتهميشه ووصمه بأنه تيار ظلامي إرهابي متخلف, وأنه لا يستحق إلا الاستئصال والمحو من الخريطة المصرية الوطنية, بما يستعدي هذا التيار بشكل مباشر أو غير مباشر ضد الدولة والمجتمع.
واقرأ أيضاً:
قراءة نفسية في ملحمة الأمل المصرية / ماذا لو زُورت الانتخابات لصالح شفيق؟ / نصيحتي للإخوان المسلمين / قراءة في أول خطاب رئاسي للدكتور مرسي