في مقالي السابق تعرضت للحقيقة التي يهرب أغلب المصريين من مواجهتها وملخصها أن تركيبة السلطة الحالية في مصر لن تحقق لها، أو لهم شيئا، وفي هذا المقال أتناول معضلة وضع جماعة الإخوان .. البديل السياسي .. الوحيد .. لجماعة السلطة.
يتحاشى أغلب الناس التطرق إلى هذه المساحة حاليا لأسباب مختلفة، منها الوضع الإنساني المأساوي الذي تعيشه الجماعة اليوم في مصر، وأنصارها ما بين قتيل وجريح، أو معتقل ومطارد، والأسر حائرة بين دفن شهدائها، وتضميد جراحها، وترتيب تفاصيل الرحيل القسري عن ديارهم، وأموالهم، ووظائفهم!!
وعندي فإن التضامن الإيجابي الفعال، والعمل المدني متعدد المستويات لمناصرة هؤلاء الضحايا المظلومين هو من فروض العين على كل أحد فيه من الحرص على مستقبل الوطن ،أو من بقايا الإنسانية رمق، وكتبت في هذا كثيرا، وحاولت التفصيل فيه، وما زلت، ولا أراه يتعارض، بل هو يتكامل عندي مع فحص وتأمل ونقد ومراجعات وتقليب .. أتصور أنها، ولابد .. قد انطلقت بالفعل –داخل الجماعة- وأرى أن مهامها أكبر وأخطر من أن تترك للإخوان لينجزوها وحدهم، ولا أحسبهم يستطيعون!!
معضلة الجماعة لا تكمن فقط في تركيبتها الداخلية، وطريقتها في العمل، ولكن في محيطها المجتمعي والسياسي، وهو يساهم في إبقائها متحوصلة متخثرة، وفي حالة دفاع مستمر عن الذات ضد ضغوط كثيرة، وفي حالة صد هجوم مستمر على عدة محاور .. وبعضه نقد تافه، وبهتان رخيص ،وخوض بالباطل في الأعراض، والسمعة، وتعميمات طفولية لتصرفات فردية، أو ممارسات قديمة، أو شخصية ضخمها الإعلام، وساهم الإخوان في تسميم المحيط المجتمعي والسياسي من حولهم، وتكريس صورة ذهنية معينة عنهم، حين لم يسعوا لاستحداث أليات مراقبة شعبية مباشرة لأدائهم، واكتفوا بالتواصل مع التكوينات الحزبية الهشة، والنخب المتهافتة، دون تطوير علاقتهم بالناس لتنتقل من علاقة مانح / مستفيد / زبون، إلى علاقة رقابة وشراكة وشفافية ومصارحة بحقيقة الأوضاع التي اطلع عليها أفراد الإخوان الذين أتيحت لهم فرصة إطلالة على حجم الانهيار والفساد والعصيان/ الاستعصاء الذي تبديه أجهزة السلطة على الإصلاح!!
معضلة الجماعة تكمن في غياب قدرتها على فهم المتغيرات الجديدة، والأجيال الجديدة، وإبداع أوعية وقنوات وخطط تواصل واستثمار لهذه الطاقات الهائلة بصيغ جديدة تتجاوز طبعا الانضمام للجماعة، أو للحزب، وحتى اللحظة الأخيرة لم يدرك الإخوان معنى ولم يفكوا شفرة الطرق الجديدة للحركة المؤثرة على الأرض دون تنظيمات هرمية قديمة، الأمر الذي استخدمته الأجهزة ضدهم فكانت حركة تمرد علامة على فشل كل الأطراف في فهم واستثمار ذلك المعين الهائل من الطاقة، إلا أنه استخدم ضد الثورة نفسها، والأحمق لا يلومن إلا نفسه!!
وطوال الوقت فإن الشباب الثوري، والكتلة الثورية قد فشلوا، وما زالوا عاجزين عن فك شفرة الإخوان، وبالتالي عن حل معضلتهم، ووصل بعضهم إلى كفر كامل ويأس تام من أن يتغير الإخوان، أويتطوروا، وقد انتحر بعضهم سياسيا، على إثر ذلك، وأخرون يعتصرهم الألم، أو يسافرون في أنحاء الأرض!
ومعضلة الإخوان مركبة لها أبعاد فكرية، ولها أبعاد نفسية، ومسار تاريخي، وطوفان الدم الذي يسيل بغزارة أغرقها بحيث تحتاج إلى صبر كبير ودأب وإبداع في مناخ يصعب هذا وذاك، ولكن يبدو أنه لا مفر ولا مهرب، ولا جدوى من التأجيل!!
بداية من أن الإخوان ينطلقون من خلفيات دينية، وآفة أصحاب هذه المنطلقات أنهم يحسبون تصوراتهم هي الحق لأنها منطلقة من نصوص مقدسة، مرتكزة على كلام الله، وبالتالي فإن كل معركة يخوضها الإخوان –حتى الأن- يتصورون فيها أنفسهم بوصفهم (الحق)، وجميع الناس أباطيل!!
مع إن أي مطلع على الفكر الإنساني في السياسة وغيرها، وحتى الفكر الإسلامي، وتجارب الحركات الإسلامية سيكتشف سريعا أن أفكار وقيادات الإخوان في مصر هي عتيقة ومنفصلة عن واقع تطور سريعا، حتى أنتج 25 يناير، وبدلا من فهمها والتطور بمقتضاها تم تدميرها – من كل الأطراف - بسبب غياب الوعي بمعطياتها الجديدة، وغياب الحوار والتواصل في مجتمع مصاب بالرهاب الاجتماعي الجماعي، والطائفية والصراعية والذاتوية الفئوية!!
إذا كنت أنت على حق فبقية الناس على باطل .. فكيف يلتقي الحق والباطل ويتفاهمان ويتفاوضان؟؟
آلاف من الشباب الإسلامي يعيش صراعات نفسية وفكرية وروحية منطلقة من نفس النقطة، وبموجبها يبدو استيعابهم لما يجري بطيئا، وقليل الجدوى في تطورهم الشخصي والفكري والحركي، ويبدو أن فشل مسار الإخوان، وكان لابد أن يفشل، قد أربكهم حتى يهذي بعضهم بأي كلام، ويندعش بعضهم بحثا عن خلاص، أو معركة بين حق صاف، وباطل ممحص!!
معضلة روحية وفكرية ونفسية ومسار تاريخي وواقع أليم .. ولا يحظى هذا كله بالرعاية ولا بالجهد اللائق لإنجاز خطوات حقيقية إلى الأمام، كما لا تحظى أوضاع الضحايا بالاهتمام اللائق من مجتمع بات لا يعرف أولويات حركته، ولا خريطته إلى مستقبل ينتظر الساعين إليه!
واقرأ أيضاً:
السيد الرئيس... لا تمش في الأرض مرحا/ نسيم النفحات/ رمضان بدون إخوان !/ أزمة ثقة .. أزمة وطن/ بعد سكوت المدافع/ هل نحن نصنع بطلا أم ننتخب رُبّانا؟/ المزحة