الكاتب: د. مصطفى يوسف اللداويالبلد: مصرنوع العمل: شعر منثورتاريخ الاضافة 08/12/2014 03:39:13 تاريخ التحديث 26/07/2019 04:59:46 المشاهدات 3486 معدل الترشيح
على قارعةِ الطريقِ كانت تقف... حافيةَ القدمين لكنها باسمة الشفتين... رغم أن الحُزن يُجللها واﻷلم يسكنها... ثيابها رثة وأسمالها بالية... لكنها عزيزةً واقفة... ناهضةً يافعة... صامتةً لا تتكلم... لكن عيونها تومض وتكاد تنطق... فقد ضيَّعت المعاركُ أباها وأغرق البحرُ أخاها... وقفتُ قُبالتها وهي الطفلة الصغيرة... قَرَأتْ السؤالَ في عيني وأجابتني.. قبل أن يتعثر به لساني... الحمد لله فقد بقيتُ... وبقيتْ أمي وأخي... سنبقى هنا نُشرق مع الشمسِ وﻻ نغيب... ونطلع مع القمر وﻻ نتوارى... وننبلج مع الصُبح ضياءً ونصحو مع الفجرِ نوراً... وسيكون لنا الغد فلا تبتئسْ... حِرتُ وسكتُّ... نظرتُ في عينيها ومشيتُ... استغربتُ يقينها وحزِنتُ كثيراً لما أصابها... تساءلتُ عن سر صمودها وأسباب ثباتها... بحثتُ عن مكامن القوة عندها ومصادر العِزة لديها... لكنني لم ألتفتْ خلفي.. إلى الوراء.. مخافة أن تؤنبني على حُزني... أو أن تُعنفني على ضعفي... خفتُ من صلابة وقفتها ومن شموخ رأسها... وسَرَتْ في أوصالي قشعريرةً لرباطة جأشها وثبات قدمها... مضيتُ... وابتعدتُ... وقد اغرورقتْ عينايَ بالدموع... وكاد مزيدٌ من البقاءِ أمامها أن يفضحني... هربتُ.... نعم فررتُ.. وابتعدتُ عنها وعيوني ترقبها وإليها تتطلعُ.. فقد تعلمتُ منها ووعيتُ الدرس على يديها... وعلِمتُ أن الصبرَ نصرٌ وأن العجزَ قهرٌ... وأن العاجز قليل الحيلة محلول العزيمة... وأن القوي شديد البأس عظيم الصبر... لَسْتِ طفلةً أيها الصغيرة... ولَسْتِ صغيرةً أيتها العربيةُ الحرة... نحن الصغارُ في زمانكِ... وأنتِ الكبيرةُ الحكيمة في زماننا... هنيئاً لشعبٍ عنده أمثالكِ... وبوركت أمةٌ فيها أطفالٌ يرفعون الرأس ويتيهون كأجيالكِ...