اعتدل مزاج رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" في إثر تمكن إعادة انتخاب حزب المحافظين بزعامة "كاميرون" لرئاسة الوزارة البريطانية، كون الحزب أكثر قرباً من إسرائيل والليكود تحديداً، وبرغم كل ذلك السرور، إلاّ أننا نرى بأن هناك سروراً أكبر باتجاه العلاقات التي تربط إسرائيل بألمانيا، باعتبارها ليس لأنها أكثر قرباً وتأييداً للدولة الإسرائيلية، بل لأنها بمثابة معجزة تاريخية إلى درجة أنها ليست مفهومة تماماً، كما يعتبرها الإسرائيليون، سيما وأنها جاءت بعد تاريخ طويل من المعاناة اليهودية التي سببتها ألمانيا النازية.
بعد وقت قصير جدا من الهولوكوست- كما الزعم- وفي العام 1952 تحديداً، استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي " دافيد بن غوريون"، إخضاع دولة ألمانيا الغربية للتوقيع على اتفاق تعويضات، مقابل الضحايا اليهود، حيث أقرّ الاتفاق بأن تحوّل ألمانيا ما قيمته 3 مليار مارك ألماني، كتعويض عن الضرر الذي حدث لليهود في الهولوكوست، بالإضافة إلى دفع معاشات للناجين منهم.
وبالرغم من أن "بن غوريون" اعتُبر بطلاً لدى البعض، بسبب أن المعاهدة اعتُبرت بمثابة انتزاع حق من حقوق اليهود، إلاّ أنه اعتُبر خائناً لدى البعض الآخر، حيث تصدّر "مناحم بيجين" وقام بمهاجمة "بن غوريون" والمستشار الألماني "كونراد أديناور" أيضاً ووصف الاتفاق هو إهدار لكرامة شعب إسرائيل، باعتبار أن كل ألماني هو قاتل.
بدأت العلاقات الثنائية بقوّة بين البلدين في العام 1965، وما ساهم في قوّتها، هو قيام ألمانيا الشرقية بدعم الدول العربية بالأسلحة بهدف تحرير الأراضي العربية، ممّا دفع ألمانيا الغربية إلى الوقوف بأثقالها إلى جانب إسرائيل، وبصرف النظر عن كميّة الاستياء التي تبديه الحكومة الألمانية باتجاه النشاط الاستيطاني، إلاّ أن العلاقات وعلى مستوياتها تسير كما يرام.
فبالإضافةً إلى ما تمثله من تعاونات متميزة، وسواء كانت سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أيضاً، حيث يُعتقد من الآن فصاعداً اعتبار ألمانيا الحليف التالي بعد الولايات المتحدة، إن لم تتعدّ عليها وتتجاوزها، سيما في ضوء العلاقات الثنائية المتراجعة مع الولايات المتحدة، برغم من أنها محددة بنسبة أكبر بين الرئيسين الأمريكي "باراك أوباما" و"نتانياهو".
عقب الانتخابات الإسرائيلية، وتكليف "نتانياهو" بتشكيل الحكومة، الذي بالكاد أحرج حكومة يمينيّة، اعتبرها الكثيرون، الكثر تطرفا، أعلن البيت الأبيض بأن الرئيس "أوباما" ليس مستعدّاً للقاء "نتانياهو" وإن كان قام بتهنئته على الفوز برئاسة الوزراء فيما بعد، وذلك تأففاً ونكداً سيما وأنه عمل جهود مضاعفة من أجل إسقاطه، لكنه ما يزال محظوظاً، إن كان ذلك لأجل العرب تبعاً لسياسة الولايات المتحدة ومصالحها، فإن أيضا هناك مصالح استراتيجية قائمة بين ألمانيا والدول العربية.
لا أحد يجهل كمية العلاقة بين البلدين، فعلاوة على العلاقات المثالية القائمة، فإن ألمانيا تُكن احتراماً خاصاً للإسرائيليين وسواء كان ذلك بمساندتها في المحافل الدولية أو بإمدادها بالمال والسلاح أو من خلال مقاومتها لمعاداة الساميّة، أو بقيامها بإدارة ظهرها للدول الأوروبية التي قامت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وكانت المستشارة الألمانية، "أنغيلا ميركل"، تعيد في كل مناسبة ما يُكِنّه الزعماء الشعب الألماني، للتأكيد على دعمها والشعب الألماني لإسرائيل، واعترافاً بأن ذلك الدعم بمثابة جزء من روح الشعب لدينا، واعتبرت بأنّ اليهود شعب لديه الحق في أن يكون له كيان خاصّ، وبأنها تدعم الصهيونية، باعتبارها حركة قوميّة للشعب اليهودي، وتجسيداً لهذا الحق الذي يريد خصومها إنكاره.
وكنا شاهدنا انضمام ست غواصات (دولفين) الألمانية، إلى سلاح البحرية الإسرائيلي، وهي منقطعة النظير، وباعتبارها قادرة على حمل صواريخ نووية. كانت ابتاعتها إسرائيل بأسعار منخفضة، وسنرى عمّا قريب، أربع سفن عسكرية أخرى، مهمّتها حماية المنشآت البحرية لاستخراج الغاز الطبيعي، وهذه باعتبارها من جملة المنح التي تقدمها ألمانيا لإسرائيل
وتتوضح أهمية متزايدة في تكبير تلك العلاقات نحو الاستراتيجية، حيث قام رئيس الدولة "ريفلين" بزيارة لألمانيا، للاحتفاء بمرور 50 عاماً (اليوبيل الذهبي) على إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا وإسرائيل، والتي توافق الثاني عشر من مايو/أيار الجاري، وهي الزيارة الأولى للبلاد منذ تولّيه لمنصبه، تهدف إلى تكريس وتعظيم العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، من خلال توقيع المزيد من الاتفاقيات المختلفة.
وتنبع أهمية الزيارة، من خلال الحفاوة البالغة التي تلقاها "رفلين" حيث استُقبل من قِبل الرئيس الألماني "يواخيم جاوك"، والمستشارة "ميركل"، ووزير الخارجية "فرانك فالتر شتاينماير" ووزراء آخرين، وكان عبّر "جاوك" عن العلاقة بأنها علاقة متميّزة وتزداد زخماً يوماً بعد يوم.
وبالمقابل فإن وزيرة الدفاع الألمانية "أورسولا فوندِر لاين" هي الآن في زيارة رسميّة لإسرائيل، والتي تأتي لنفس المناسبة، ولبحث قضايا سياسية وعسكرية، إضافة إلى تهنئة "نتانياهو" بالحكومة الجديدة، لاعتبارها رسالة تأييد ألمانيّة تعبّر عن الرغبة بالتعاون معها.
واقرأ أيضا:
نتانياهو– هيرتسوغ: لُغتان ورؤية واحدة!/ نتانياهو: فوْز وحُلفاء !/ التمثيل العربي في الأحزاب الإسرائيلية !/ مسار السلام المسدود!