العربية بحر مديد لا تنضب جواهره ولا تهدأ أمواجه، والمتفيسون مشتقة من التفيّس أي تصفح الفيس بوك، الذي صار متحكما بالتفاعلات والعلاقات ما بين البشر خصوصا في المجتمعات المتأخرة، وقد وجدت فيه ضالتها التي تأنس بها وتنتشلها من مآزق الأيام ونكدها. ومن عجائب ما ترى أن الناس منشغلة بالنظر إلى الهاتف الجوال وتتفاعل مع صفحات الفيس بوك بنشاط والتصاق فائق، حتى لتبدو الحالة وكأنها إدمان وقوة مهيمنة على الناس.
ومن الواضح كلما قلّ العمل وتنامت البطالة ازداد الناس التصاقا بالفيس بوك، وخصوصا عندما يخيم على أيامهم الفراغ. فالمشكلة أن البشر في هذه العوالم الافتراضية يعري نفسه ويسكب ما فيه على الصفحات، فيرسم صورته الفاعلة فيه وليست الصورة التي يبدو عليها، ذلك أن المتصفح يجالس نفسه ويحسب أنه في عالم خاص وسوح يتحرك فيها كما يشاء ويرى.
وهذا التواصل العابر للحدود يتسبب بمشاكل وتداعيات شخصية واجتماعية ذات نتائج سلبية، وربما تكون خطيرة على الفرد والعائلة والمجتمع. وبسبب ذلك أخذنا نقرأ ونسمع ونرى العديد من المشاكل ما بين الناس بسبب التفاعلات على صفحات الفيس بوك، حتى صار الناس ينشرون كل ما يخصهم وما يرونه ويخطر على بالهم، وكأنهم يغفلون بأن ما ينشرونه ربما يكون ضدهم.
وظاهرة التفيس في بعض المجتمعات قد تطغى على النشاطات الأخرى، وتصبح العمل الدائب والنفاعل الواجب ما بين الناس، مما يعطل الكثير من المهارات الاجتماعية ويخلق وجودا متناقضا ما بين التصور الافتراضي والواقع الحياتي، فينجم عنه اضطرابات سلوكية وتواصلات سلبية ما بين أبناء العائلة الواحدة.
وعليه فإن التعقل والتأني في التفيس أصبحا من الضروريات الأساسية للحياة الاجتماعية السليمة، بعيدا عن الزعزعات والانفعالات والتخاطبات العاطفية، التي تتراكم وتتحول إلى مواقف عدوانية ومواطن للكراهية والبغضاء.
فهل سيرعوي المتفيسون ويتحررون من الأصفاد الافتراضية ويتحسبون، فكل ما يدونونه، سيبقى شاخصا، وما ضاع حرف مسطور على صفحات الفيس بوك!!
واقرأ أيضاً:
النجاة الفكرية!! / الثروة البشرية لعنة عربية!! / إذا سقط الأصل سقط الفرع