أحد أهم الاضطرابات النفسية شيوعاً، ومن أكثر الأمراض إعاقة لحياة البشر، ومع ذلك فهو ما زال مهملا ولا يصل المصاب به للعلاج، وقد لايعرف أنه مريض وإلى أين يتجه، وسوف يكون الاكتئاب هو المعيق الثاني للبشر في عام 2020. كما أن الاكتئاب يؤدي للانتحار في 15% من الحالات ويشكل الاكتئاب السبب الرئيسي للانتحار، ناهيك عن أن الاكتئاب المهمل الغير معالج يزيد من الوفيات والجلطات الدماغية والقلبية وحدوث السكري وأمراض القلب، ويفاقم أمراض قائمة إذا لم يتم الانتباه له كالسرطان والإيدز.
في المعدلات العالمية والتي تنطبق على المجتمع الأردني 10% على الأقل من الناس يعانون من أشكال مختلفة من الاكتئاب، والنساء أكثر تعرضا له من الرجال، وعادة ما يصيب الناس في مقتبل العمر وسنوات الإنتاج ويزداد مع تقدم العمر.
أعراض الاكتئاب تدور حول فقدان القدرة على الاستمتاع، ولا رغبة للمبادرة بعمل الأشياء حتى الضروري منها، ويشعر بالحزن ولكنه حزن مختلف كماً ونوعاً عن الحزن العادي، والحزن الاكتئابي يدور في محاور اليأس وفقدان الأمل وتمني الموت والإقدام على محاولة الانتحار، وكما أن المكتئب تتأثر ثقته بنفسه ويبدأ بتقليل شأنه ويعتبر أنه فاشل ومقصر في كل شيء وينسى أي نجاح له، ويساوره شك في مدى اكتراث الناس به وبمعاناته حتى أقرب الناس إليه، تتأثر وظائف الإنسان الحيوية في معظم الأحيان وتقل الشهية ويفقد المريض من وزنه.
وكما يضطرب النوم، فيصحو المريض مبكراً في مزاج سيء أو يكون نومه متقطعا أو هناك صعوبة في بداية النوم، وقد تحدث كل اضطرابات النوم معاً ويصل الأمر بالمريض أن لا ينام لعدة أيام، يشعر المريض بالارهاق الجسدي والإعياء ويفقد نشاطه المعتاد، ويترافق هذا مع ضعف التركيز والانتباه وبالتالي ضعف تخزين المعلومات وذلك يشعره بأن النسيان قد بدأ وأنه سيفقد عقله، وتكون هذه الظاهرة واضحة أكثر في كبار السن، ويشكو مريض الاكتئاب من الآلام الجسدية مثل الصداع وألم الصدر، والبطن والظهر والأطراف والمفاصل وهذه الشكوى تحدث في أكثر من ثلثي المرضى، وتسوقهم للأطباء والعيادات لمعالجة هذه الأعراض الجسدية دون ربطها بالحالة النفسية مما يؤخر التشخيص والعلاج.
يتغير النشاط الحركي للمريض بالاكتئاب فقد يكون قليل وبطيء الحركة والكلام، وهذا التباطؤ النفسي الحركي قد يكون بسيطاً ولكن في الأحوال الشديدة قد يصل بالمريض لحالة من الذهول وعدم الحركة، وأحياناً صعوبة الاستقرار والجلوس في مكان واحد، وقد يتصاعد الوضع ليصبح المريض في حالة هياج.
تتأثر الرغبة الجنسية وتضعف وقد تنعدم عند الرجال والنساء، كما يضطرب الأداء الجنسي، مما قد يتسبب أحياناً بمشاكل زوجية فيراود الزوجه شكوك أن الزوج على علاقه خارجية أو أنه لم يعد يحبها. كل هذا يعيق المريض بدرجات متفاوتة حسب شدة الحالة عن أداء وظائفه اليومية من دراسة أو عمل أو أعمال البيت، ويصبح مرتبكا غير قادر على اتخاذ القرار.
والنوع الشائع من الاكتئاب هو المختلط بأعراض القلق بدرجة بسيطة أو متوسطة والنوع البسيط والمتوسط منه الأكثر شيوعا في الرعاية الصحية الأولية، ولكن هناك أنواعا شديدة كالاكتئاب الذهاني الذي يترافق مع هلاوس بصرية وسمعية وشمية وأوهام بأنه مذنب ويستحق الموت وقد خسر كل شيء في حياته دون أن يكون هناك صحة لهذا، ومن أشكال الاكتئاب الشائعة اكتئاب النفاس والذي يصيب المرأة بعد الولادة وفيه نفس الأعراض مع الاهتمام والقلق بالمولود أو رفضه وعدم قبوله، وهناك الاكتئاب الشتوي واللانمطي وفيها يكون هناك زيادة في الشهية والوزن وزيادة في النوم يتكرر هذا النوع في كل عام وكل موسم.
ومن المهم التفريق بين الاكتئاب منفرد القطب والذي يتكرر بين الحين والآخر ويتطلب معالجة واقيه لمنعه من التكرار, وبين الاكتئاب مزدوج القطب والذي يترافق مع اضطراب المزاج مزدوج القطب، وفيه يتبادل الاكتئاب الحدوث مع الزهو أو الهوس، والزهو يكون بعكس الاكتئاب، فيه شعور بالسعادة والنشاط والطاقة الكبيرة، وزيادة في الكلام والحركة والتفكير، وتطاير الأفكار وعدم الحاجة للنوم والتوهم بالعظمة وتبذير المال والسلوكيات المندفعة، دون أن يكون هذا النشاط منتجا، وهذا النوع من الاكئتاب يعالج ضمن سياق معالجة اضطراب المزاج مزدوج القطب, وهو العلاج بالأدوية المثبتة للمزاج.
تعود أسباب الاكتئاب لعوامل متعددة منها وراثية وأخرى بيئية واجتماعية ونفسية، وتختلط هذه العوامل لإحداث تغيير في الناقلات العصبية الكيماوية في مراكز التحكم بالمزاج في الدماغ، ويمكن مشاهدة ذلك من خلال التصوير الوظيفي للدماغ .
وأما علاج الاكتئاب فله ثلاثة وسائل، أولها العلاج النفسي وهو العلاج بالكلام بوسائل متعددة، وهذه أساليب فعاله ومهمة في التخلص من الاكتئاب، ودائماً يكون العلاج النفسي والاجتماعي الداعم ضروريا مع أي معالجات أخرى.
العلاج الثاني هو بأدوية مضادات الاكتئاب وهي أدوية نوعية تصحح الخلل الكيماوي في الدماغ، وتأخذ بضع أسابيع حتى يبدأ مفعولها، وبعد أن يستقر المريض فإنه يكون بحاجة لإكمال العلاج لمدة ستة شهور على الأقل تبعاً لشدة ونوع وعدد النوبات السابقة، وقد تطورت هذه الأدوية تطوراً كبيراً في العقدين الماضيين.
والعلاج الثالث هو العلاج بالحث المغناطيسي أو الكهربائي للدماغ فمن المعروف منذ عقود أن العلاج بالاختلاج الكهربائي فعّال في معالجة الاكتئاب وخصوصاً الشديد، ومؤخراً ظهرت أساليب جديدة في حث الدماغ مغناطيسياً وهي أيضاً تعطي نتائج جيدة.
واقرأ أيضًا:
الاكتئاب في المستشفيات العامة / الطب النفسي الوصلي