"حسناء... مبارك عليك قبولك بكلية الطب البشري، طبيبة المستقبل إن شاء الله وفقك الله.." كانت هذه العبارات هي ما استقبلتُ بها كلية الطب وبعد سنة من دراستى بالطب تغيرت كثيرا ووعيت لمفاهيم كثيرة؛ فبعد سنه في كلية الطب:
أولا: بدأ يتعمق لدي مفهوم الاختلاف (variation) بمعنى أن الاختلاف لا يكون ظاهريا فقط في الشكل واللون و ... ولكن؟؟! هناك أيضا اختلاف بداخل أجسادنا على عدة صور فهناك اختلاف طبيعي، تشريحيا مثلا نجد الشريان الكبدي الأيمن (Right Hepatic Artery ) أمام الوريد البابي الكبدي (Hepatic Portal Vein) في 91% من البشر بينما الوريد البابي الكبدي أمام الشريان الكبدي الأيمن في 9% من البشر، وأيضا اختلاف فصائل الدم عن بعضها دون أي تأثير، وهناك اختلاف آخر وهذا الاختلاف يكون في وظيفة شيء ما عن الطبيعى (Abnormality) وفي هذه الحالة يسمى خلل كسائر الأمراض _اختلال في الوظيفة الأصلية_ حدثنا الله عز وجل عن اختلاف ثالث عندما قال "ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجات" ووجدته في أجسادنا عندما وجدت أن هناك عضلات يحتمل غيابها في بعض الناس يااااااه الله!!!. هذا ما يحدث في النظام الشمسي بحيث تكون النجوم مختلفة ظاهريا وتركيبيا في شكلها وحجم الغازات الموجوده فيها وكتلتها مثلما قال عز وجل " يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شان فبأي آلاء ربكما تكذبان"؟؟! ولقد جعلني هذا أكثر تقبلاً للناس على اختلافهم (عقائديا، فكريا،...) مثل تقبل أجسادنا لنا على اختلافنا (إن اختلاف أمتي رحمة).
ثانيا: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) مبدأ آخر تعلمته من جسدي وبالتحديد من رئتي التي يدخلها هواء فائض عن حاجتها فتستهلك ما تحتاجه وتخزن ما بقى؛ فعند الجري وعند الكلام تستهلك من ما تم تخزينه (Forced Expiration) فلا أستهلك كل ما لدي فلا أدري ما تخبئ لي الأيام (ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ وكل نعيم لا محالة زائلُ).
ثالثا: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ؛ فلا أحكم على الأمور من ظواهرها فلقد رأيت سيدة منتفخ بطنها فقلت إنها حبلى فإذا بى أعلم أنها مريضة بانتفاخ الطحال (Spleeomgamegaly) فيا لرحمة الله!! وقد ذكرني هذا الموقف بالإمام الحسن البصري _رحمه الله_ عندما كان يتجول في أحد الشوارع ورأى بيتا لم يره من قبل فقال: "متى بني هذا البيت" فإذا به سريعا يمسك بلسانه قائلا: " ما شأني".
رابعا: تعلمت الطرق التي يؤديها جسمنا (mechanisms) لكي يؤدى الوظائف الحيوية الضرورية لوظيفته الأساسية وهي عمارة الأرض لكن هذا لا يمنع أن هذه العمليات يخلفها عمليات إخراجية ضرورية لبقاء الإنسان (عرق،بول،..) لكي لا يحدث له تسمم، وهذا يؤكد مبدأ الاستغفار الذي هو بمثابة إخراج للإنسان من ذنوبه _وهو بطبيعته خطاء_فإذا لم يستغفر الله، ستحدث له سمية في علاقته مع ربه وسيختفى معنى الحياة (وهو الذى جعلكم خلائف الأرض).
خامسًا:(هل الإنسان مسير أم مخير؟؟) الإجابة: أنه مسير ومخير ورأيت هذا في أجسادنا عندما علمت أن معظم الأوامر العصبية لا إرادية ومعظم أنواع العضلات لا إرادية ولا نستطيع التحكم فيها ولكن هناك ما نستطيع التحكم فيه (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وهو الوسع الذى تركه الله: لنا ليسيرنا في رحلة الدنيا وسنحاسب عليه في الآخرة (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون).
سادسًا: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس 12) صدق الله العظيم تعلمت هذا المبدأ من المركبات الكيميائية؛ فتعلمت أن أختلف وأتميز وأترك أثرا فلكل منها تركيب وخاصية خاصة به.
سابعًا:(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) صدق الله العظيم رأيت هذا في أجسادنا فحتى الآن لم نعرف الحلقة المفقودة في آلية امتصاص الحديد (Iron Absorption) ورأيت هذا في الفضاء أيضا فكم عدد الكويكبات ؟؟؟؟؟ وكم ....؟ وكيف .....؟! ولماذا........؟؟.
ثامنًا : بعد سنة في كلية الطب تعلمت أن ألا أكون إمعه مثل الـ (Autophagy)، قال _صلي الله عليه وسلم _ :(لَاتَكُونُوا إِمَّعَةً،تَقُولُونَ : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا) ؛ ففي حالة الأورام (Tumors) يمكن لنظام البلعمة الذاتية (Autophagy) أن يعمل مع الورم عن طريق إيقاف موت الخلايا السرطانية (Tumor Cell Survival)، ويمكن أن يعمل ضد الأورام (Tumors) عن طريق إزالة بروتينات وعضيات الخلية المصابة، وبالتالي السماح لخلايا طبيعية بالنمو والتمايز؛ بل إن المعدل السريع لحدوث هذه العملية يزيد من موت الخلايا السرطانية بزيادة هدم البروتينات (Tumor Suppressor) ؛هل تحب أن تكون (Autophagy) ؟؟؟؟
تاسعًا : (إنا كل شيء خلقنه بقدر) فما هذا التناسق العجيب في أطوال العظام وعرضها والتناسب في حجم الأعضاء ؛ (فالكبد مثلًا فصه الأيسر سدس فصه الأيمن)، وفي الفضاء تدور الكواكب كل في فلك محدد...وغيرها ، وقد رأيت هذا التناسق في حياتنا في قضية تقسيم الأرزاق مثلًا ؛ فقال تعالي : (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).
عاشرًا : وأخيرًا بعد كل هذه المبادئ والمفاهيم، وعيت أنني لم أخلق عبثًا (وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وعلمت أنني خلقت لرسالة عظيمة ....... .
فاللهم اجعل الطب وسيلتي إليك ..........
واقرأ أيضًا:
النفس...والطب!! / عن الطب والطموح والسفر ! / باكية على حائط الطب! آه لو تدرين