الحديث عن الجمال والجاذبية شغل البشرية منذ القدم. يستعمل الإنسان مصطلح جميل للتعبير عن رضاه لما يسمع أو يشاهد أو يحس. الناس تقول دوماً كل ما هو جيد جميل وكل ما هو جميل جيد. هناك أيضاً الْيَوْمَ صناعة الجمال (أو التجميل) والتي تراها في كل متجر ولا يخلو شارع في مدينة من مكان يختص بهذه الصناعة. لا تقتصر صناعة الجمال على تقديم الخدمات للإناث فقط وإنما الذكور وصغير السن وكبيره.
القيمة الاقتصادية العالمية لصناعة الجمال أو التجميل تقدر بما لا يقل الآن عن ٥٠٠ بليون دولار أمريكي وتنمو بمعدل يزيد على ٦٪ سنويا. تصل قيمة الصناعة ذروتها في مستحضرات الجلد. رغم أن العالم لا يزال يعاني من آثار الركود الاقتصادي، ولكن الصناعة الوحيدة التي استمرت في النمو والازدهار هي صناعة التجميل. على سبيل المثال هناك مليون عامل في صناعة التجميل في بريطانيا الآن وكانت قيمتها ٦ بليون إسترليني يوم داهمت الأزمة الاقتصادية العالمية كوكب الأرض عام ٢٠٠٨ لكنها لم تتدهور وإنما استمرت في النمو وتجاوزت قيمتها ٧ بليون إسترليني عام ٢٠١٣ ومعدل نموها السنوي يقدر الآن بـ ١٦٪.
الغاية من سلسلة هذه المقالات هو التحري عن الأبعاد الاجتماعية والنفسية والثقافية لموضوع الجمال والجاذبية. والأهم من ذلك هو تعريف ما هو الجميل حقاً من منظور علمي.
البعد الاجتماعي
الوجه هو أهم معالم الإنسان، لا يمكن الإنسان أن يخفي وجهه عن بقية الناس. على العكس محاولة إخفاء الوجه هو من علامات اضطراب نفسي جسيم يدعى اضطراب تشوه الجسم (Body Dysmorphic Disorder (BDD والذي يعاني منه وبدرجات مختلفة ما لا يقل عن ٢ ٪ من السكان.
حين ينظر الإنسان الى وجه إنسان آخر لأول مرة يبدأ وبسرعة تحليل شخصيته وتقدير جاذبيته ويستمر بجمع المعلومات عنه عن طريق حاسة البصر قبل الحديث معه واستجوابه والسؤال عنه. الإعلام في يومنا هذا يزدحم بوجوه نسميها جذابة، وبفضل توفر الإعلام التلفزيوني لمدة ٢٤ ساعة، تصبح بعض هذه الوجوه وكأنها أحد سكان البيت. تحول الإعلام التلفزيوني إلى إعلام تفاعلي يشارك فيه المشاهد، وترى المشاهد يخاطب مقدم برنامج ما باسمه الأول وكأنه صاحبه منذ الطفولة ويسأله عن الطبخ أو السياسة أو التجميل وغير ذلك. ولكن ما ينظر إليه الإنسان ويتفاعل معه عبر شاشات التلفزيون هو إنسان من صفاته الجمال والجاذبية.
يصل الإنسان إلى مرحلة في حياته ويسعى لحسم تجنب العزلة والبحث عن شريك حياته. لا يختلف اختيار الرجل عن اختيار المرأة، وكلاهما ينظر ويستفسر، أو يقوم بهذه المهمة نيابة عنهم الأهل والأصدقاء، والسؤال دوماً هو عن الجمال والجاذبية. لذلك لا فائدة من القول بأن موضوع الجمال والجاذبية لا قيمة له إلا إذا كان إطار الحديث هو تحوير الواقع وإنكار الحقيقة.
العواقب الاجتماعية للجمال والجاذبية
الجاذبية الخارجية لها عواقب اجتماعية عدة وهي في غاية الأهمية. هناك العديد من الدراسات تشير إلى أن الإنسان الذي يتم تصنيفه جميلاً أكثر احتمالاً من أقرانه بالتحرك التصاعدي الاجتماعي وفي جميع المجتمعات. كذلك الأمر في إقامة علاقات اجتماعية فنصيب من هو جميل وجذاب في أعين الناس، من العلاقات الاجتماعية أكثر بكثير من غيره. لذلك يمكن الاستنتاج بأن هناك نمط اجتماعي أشبه ما يكون بقانون تعمل به جميع المجتمعات وهو: ما هو جميل هو جيد.
تشير العديد من الدراسات بأن فرصة من يتم تصنيفه جميل وجذاب في الحصول على عمل أكثر من غيره بعد مقابلة مهنية. حكم الناس على مظهر الإنسان وتصنيفه بالجميل يمتد إلى تصنيف صفاته الشخصية بصورة إيجابية رغم عدم وجود الدليل على ذلك. أما الأشد قسوة من ذلك فأن الإنسان الذي يتم تصنيفه بالجميل والجذاب يحظى برأفة القضاء والقانون أكثر من الذي يتم تصنيفه عكس ذلك.
المصادر
1- Cash T. F., Kilcullen R. N. 1985. The aye of the beholder: susceptibility to sexism and beautyism in the evaluation of managerial applicants. J. Appl. Soc. Psychol. 15, 591–605.
2- Chiu R. K., Babcock R. D. 2002. The relative importance of facial attractiveness and gender in Hong Kong selection decisions. Int. J. Hum. Resour. Manage. 13, 141–155.
3- Downs A. C., Lyons P. M. 1991. Natural observations of the links between attractiveness and initial legal judgments. Pers. Soc. Psychol. B 17, 541-547
4- Marlowe C. M., Schneider S. L., Nelson C. E. 1996. Gender and attractiveness biases in hiring decisions: are more experienced managers less biased? J. Appl. Psychol. 81, 11–2
5- Sigall H., Ostrove N. 1975. Beautiful but dangerous: effects of offender attractiveness and nature of the crime on juridical judgement. J. Pers. Soc. Psychol. 31, 410–414.