الفصل الثالث عشر
سبع خطوات أساسية لمقاومة محاولات السيطرة والاستغلال:
حان الوقت الآن لكي تتعلم أساليب المقاومة حتى يمكنك أن تبدأ في ممارسة السيطرة المضادة. سوف تقوم بتغيير سلوكك في البداية، حتى قبل أن تعمل على تغيير طريقة تفكيرك وأخيرا على تغيير المشاعر السلبية التي تدفعك إلى الاستسلام مزكًية دائرة السيطرة والاستغلال أكثر فأكثر، وكما سوف ترى، فالخطوات التالية هي خطوات ذات طبيعة تراكمية على أساس أنها مبنية على بعضها البعض، وكلما كثر عدد ما تستخدمه من هذه الخطوات حتى تمارس سيطرة مضادة على الطرف الآخر، كانت مقاومتك أكثر قوة وفعالية!. ولكن كل خطوة منها لها شكل محدد من القوة والفعالية خاص بها، ولذلك فتطبيق ولو إحداها على الأقل سوف يزيد من إحساسك بالسيطرة ويقلل من إحساسك بالعجز ومن الشعور بمشاعر الضحية.
تذكر أنك عندما تقوم باتخاذ خطوات حتى تقلل من فعالية ما تتعرض له من سيطرة واستغلال أو تشل هذه الفعالية تماما، فأنت بذلك تمارس ضغوطك الخاصة بطريقة مضادة على الطرف الآخر حتى يغير أساليبه و/ أو يجد هدفا آخر يقوم باستغلاله والسيطرة عليه بدلا منك، وفي كلتا الحالتين، سوف تكون أكثر سلامة وسعادة.
لاحظ أن بعض هذه الخطوات ربما لا تكون مناسبة لعلاقتك أو ظروفك على نحو الخصوص. وتحديد ذلك هو أمر متروك لك، فالنقطة المهمة هنا هي أنك الآن أصبحت تمتلك خيارات عملية، أشياء يمكنك القيام بها بدلا من الاستسلام بخنوع، وتدعيم هذا النمط المؤذي من السـيطرة والاستغلال.
الحلقة (108)
الخطوة الأولى: المماطلة من أجل كسب الوقت
يمارس راغبوا السيطرة والاستغلال ضغوطهم من خلال وسائل مختلفة لإجبارك على الخضوع والإذعان لما يريدون منك القيام به. قد يلجأون من أجل ممارسة تلك الضغوط إلى استخدام وسائل نشطة كالتهديد والغضب والصراخ وتوجيه الشتائم وصفق الأبواب وغير ذلك من أساليب التنمر والتكشير عن الأنياب، أو قد يختارون وسائل سلبية كالعبوس والتجهم والصمت المطبق والمقاطعة والخصام والبكاء والتجاهل، أو طرقا أخرى أكثر هدوءاً لممارسة تلك الضغوط!!.
حتى الآن، ربما تكون قد تعلمت أن تذعن بسرعة –أو حتى على الفور– لما يطلبه منك الشخص المستغل حتى تتجنب وتوفر على نفسك كلية أساليبه في الضغط عليك، أو إذا كان هذا الشخص يستخدم تلك الأساليب بالفعل فمن المرجح أنك قد استسلمت ورفعت الراية البيضاء، لأن مثل هذه الأساليب تسبب لك الألم والضيق وعدم الارتياح، ولأنك قد تعلمت من خلال التدعيم السلبي أن الألم الحالي سوف يتوقف (يتوقف الصراخ مثلا أو تلين المعاملة الصامتة) عندما تستسلم وتلبي طلباته وأوامره!، والمشكلة هي أنك عندما تفعل ذلك لا يتم تدعيم سلوكك المذعن فحسب، وإنما يتم كذلك تدعيم أساليب ممارسته للضغوط عليك وعلى غيرك، وهذا لأنك تستسلم لما يريده منك أن تفعله، وهذا الموقف يُوجِدُ حالةً قوية من عدم توازن القوى في صالحه!.
أول خطوة للمقاومة هي أن تقوم بكسر هذا النمط، وفي أثناء ذلك، تقوم بعملية إعادة معايرة لتوازن القوى في العلاقة، ويمكنك أن تقوم بذلك عن طريق إدراج فترة من الوقت بين لحظة تلقي الطلب من هذا الشخص واللحظة التي تستجيب فيها، بمجرد أن تتعلم تخصيص وقت للتفكير في الخيارات المتاحة أمامك، سوف يتزايد إحساسك بالسيطرة على الفور، وعندما تتمكن من جعل هذا الشخص يحيا وفقا لجدولك الزمني بدلا من جدوله هو فسوف يمكنك أن تستعيد القوة والسيطرة، وحيث أنك قد اعتدت بشكل سيئ على أن تذعن لمطالب الشخص الذي يقوم باستغلالك أو توافق عليها بطريقة آلية –بأن توافق أو تقول "نعم" بسرعة وبدون ترو قبل أن تعطي لنفسك أي قدر من الوقت للتفكير في هذه المطالب– فسوف تحتاج إلى كسر هذه العادة، وأفضل طريقة لفعل ذلك هي أن تقوم بأخذ وقفة قصيرة على الفور بعد أن يعبر هذا الشـخص عن مطلبه.
وتعتبر المكالمات الهاتفية مناسبة تماما لإدراج هذه الوقفة القصيرة أثناء المحادثة، فإذا كنت تتحدث على الهاتف، وطلب منك الشخص الذي يقوم باستغلالك (أو شخص يحتمل أنه يسعى لذلك) أن تفعل شيئا أو تذهب إلى مكان ما، فمن الواجب أن تكون استجابتك الفورية شـــيئا مثل:
"أحتاج إلى أن أضعك على الانتظار لدقيقة -لأن هناك مكالمة أتوقعها- أو نحو ذلك، معذرة/ شكرا".
"إنني مضطر إلى أن أطلب منك أن تنتظرني على الخط لدقيقة واحدة، شكرا".
"أحتاج إلى أن أترك الهاتف لدقيقة واحدة، معذرة".
"سوف أعاود الاتصال بك بعد بضع دقائق، شكرا".
لاحظ أنك لا تطلب منه الإذن، ولكنك بدلا من ذلك تخبره بأنك سوف تأخذ دقيقة من الوقت بعيدا عن الهاتف، هذه الوقفة القصيرة تسمح لك بأن تجهز ردك التالي، الذي سوف تقوم فيه بالمماطلة لكسب المزيد من الوقت (كما سترى بعد قليل).
أما المواقف التي تحدث وجها لوجه فتتطلب منك مهارة وبراعة أكثر قليلا، ولكنها لازالت تتيح لك الفرصة لكي تأخذ هذه الوقفة القصيرة حتى تكسر عادة الخضوع التلقائي للشخص المستغل، كل ما ستحتاجه حتى تقاطع الميل إلى قول "نعم" أو الموافقة على شيء كنت تفضل تجنبه هو أن تطلب مغادرة المكان لدقائق قليلة، إن مغادرة المكان في هذه الحالة، ولو لبضع دقائق، هي المعادل لوضع محدثك على الهاتف في حالة انتظار.
بعد أن يلقي عليك هذا الشخص طلبه وقبل أن ترد أطلب منه إذناً بالانصراف لدقائق قليلة بحجة أنك ذاهب إلى الحمام مثلا، أو أنك ستجري مكالمة هاتفية عاجلة، أو أنك ستحضر شيئا من سيارتك، أو أنك ستتناول فنجانا من القهوة، أو كوبا من الماء، أو أي سبب آخر يمكنك التفكير فيه ساعتها حتى تترك هذا الشخص وحيدا مع مطلبه لبضع دقائق.
وسواء وضعت محدثك على الهاتف في حالة انتظار، أو قمت بمغادرة المكان في مواقف المواجهة المباشرة، فهدفك في الحالتين هو أن تمنح نفسك وقفة أو استراحة قصيرة تقوم خلالها بأخذ نفس عميق عن طريق الأنف وإخراجه عن طريق الفم، وتفعل ذلك حوالي عشرين مرة، لا تتنفس بسرعة حتى لا تصبح أنفاسك متلاحقة فتصاب بدوخة أو دوار؛ و ذلك كنتيجة لإخراجك كمية كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون أثناء الزفير، إن هدفك هو أن تهدئ من نفسك وتركز على خطوتك التالية، وهي أن تماطل حتى تكسب المزيد من الوقت.
وفيما يلي نماذج لبعض العبارات التي سوف تعمل على تأجيل مطلبه:
"هذه مسألة مهمة، وسوف أحتاج لبعض الوقت حتى أمنحها ما تستحقه من التفكير والتأمل، وسوف أعود إليك بعد ذلك بالطبع".
"هذه المسألة تستحق بعض التفكير، ولهذا سوف أحتاج إلى القليل من الوقت حتى أتأملها بعمق وروية، وسوف أخبرك بقراري بأسرع ما يمكنني".
"أحتاج إلى بعض الوقت حتى أفكر فيما تقوله، سوف أعود إليك بمجرد أن أتمكن من ذلك".
"لا يمكنني أن أعطيك جوابا الآن، سوف أطيل التفكير في الأمر، ثم أعود إليك بأســـــرع ما يمكن".
"لست الآن في حالة تسمح لي بالرد على هذا الأمر، ولكنني سوف أعود إليك عندما أكون في حالة تسمح لي بذلك".
يجب أن تقوم بعمل نسختين على الأقل من قائمة العبارات السابقة وتحتفظ بإحداهما بجوار هاتفك وبالأخرى في حافظتك. بهذه الطريقة، سوف تكون هذه العبارات متاحة لك لتقوم بمراجعتها أثناء الوقفة القصيرة التي ستقوم بأخذها.
ويمكنك أن تستخدم واحدة أو أكثر من هذه العبارات، أو من الممكن أن تضيف إليها عبارات أخرى من وضعك أنت. العنصر الأساسي هنا هو أنك من خلال هذا الرد تخبر الشخص الذي يقوم باستغلالك أنك لا تخضع لجدوله الزمني، ولاحظ كذلك أنك لا تطلب منه أن يسمح لك ببعض الوقت للتفكير، فرغم أن الأكثر لياقة وتهذبا هو أن تطلب منه ذلك، إلا أن هذه الخطوة سوف تعيد إليه القوة والسيطرة مرة أخرى، وهدفك كما قلنا هو أن تعيد ضبط ميزان القوة في العلاقة حتى يصبح أكثر تعادلية.
ومن المهم أن تشعر بالارتياح والثقة وأن تجد سهولة وأنت ترد عليه بتلك العبارات، يجب أن تتدرب على إلقائها بصوت عال أمام المرآة، وقبل أن تبدأ في التدريب عليها، ركز لعدة ثوان على هذه الفكرة: "إن لدي كل الحق في أن أفكر قبل أن ألزم نفسي بآداء أي شيء لأي شخص".
ابتسم بطريقة لطيفة وأنت تتدرب على قول كل عبارة منها، فهذا سوف يساعدك على أن تحتفظ بنبرة صوتك لطيفة ولكنها ستظل حاسمة، قل كل عبارة خمس مرات على الأقل، وكرر هذا التدريب ثلاث مرات كل يوم حتى تتأكد من أنك وأنت تقولها سوف تبدو حاسما ومباشرا وواثقا من نفسك عندما تماطل من أجل كسب المزيد من الوقت، تذكر أنك لا تطلب منه أن يمنحك الوقت، بل إنك تخبره بأنك سوف تمنح نفسك الوقت لكي تفكر وتتأمل قبل أن ترد عليه، كن حريصاً على ألا ترفع نبرة صوتك في نهاية الجملة الخبرية حتى لا تبدو وكأنك توجه سؤالاً.
بعد أن تقوم بالتدريب على كل العبارات السابقة، تخير اثنتين منهما على الأقل تشعر أنهما أكثر مناسبة لحالتك، وقم بحفظهما عن ظهر قلب، وداوم على التجريب عليهما بصوت عال أمام المرآة أو –إن كان ممكنا– مع صديق حميم أو مُعالِج، وكلما تدربت أكثر وجدت صعوبة أقل في قول تلك العبارات بالفعل للشخص الذي يقوم باستغلالك ومحاولة التسلط والسيطرة عليك.
لا تتوقع أن تكون هادئا وواثقا من نفسك تماما عندما تقوم للمرة الأولى بالمماطلة لكسب الوقت على هذا النحو في موقف حقيقي، فمن المرجح بشدة أنك في واقع الأمر سوف تشعر بالقلق والتوتر، بل ربما حتى بالخوف، فقط عليك أن تتجاهل هذه المشاعر وتنطق بهذه العبارات على أية حال، ركز على آداء السلوك الذي يهدف إلى المقاومة بأن تقول العبارة التي اخترتها.
عند هذه النقطة، لا تقلق بشأن ما تشعر به في داخلك، فمن الطبيعي أن تشعر بعدم الارتياح، وهذا لأنك تقوم بتغيير أنماط راسخة متأصلة في تعاملك مع شخص يعد مصدرا كبيرا للمشكلات والضغوط التي تواجهها في الحياة، والأهم من ذلك، لا تدع مشاعرك تقود أفعالك، إن تلك المشاعر هي التي كانت تدفعك لتداوم على الخضوع والإذعان لمطالب الشخص الذي يقوم باستغلالك والسيطرة عليك، لأن ما كنت تواجهه من تهديد وخوف وضغوط وغير ذلك من أساليب الخداع والاستغلال كانت أشياء بغيضة ومكروهة بالنسبة لك.
أنت الآن تعرف أنه مهما كانت فترة الراحة التي يمنحها لك هذا الشخص بعد أن تُذعن له وتلبي طلبه فهي فترة قصيرة على أفضل تقدير، وسرعان ما سيقوم بعدها بمضايقتك وإزعاجك بطريقته المألوفة حتى يرغمك على الخضوع والإذعان لمطلب جديد من مطالبه المزعجة.
ومع ذلك، فبإمكانك أن تكسر هذه الدائرة الخبيثة، إذ يجب عليك أن تعقد العزم على أن تقطع حلقة التدعيم السلبي وذلك بأن تغير سلوكك من الخضوع إلى المقاومة. وسوف تعرف بعد قليل، فهناك طرق أخرى أكثر فاعلية وتأثيراً لتغيير مشاعرك السلبية بدون الاستسلام للضغوط المخادعة المستغلة.
يجب أن تطمئن إلى حقيقة أن مشاعرك سوف تتغير مع تغير سلوكك، ولكن يتعين عليك أن تغير سلوكك في البداية وستجد أن عقلك سوف يتبع هذا التغير. ومع استمرار مقاومتك لمحاولات السيطرة عليك واستغلالك، فإن مشاعرك السلبية في النهاية سوف تتحول إلى شعور سار ومبهج، ذلك مع الإحساس بالراحة والقوة والحرية وتأكيد الذات.
ويتبع >>>>>>>>>>> مقاومة محاولات السيطرة : الاسطوانة المشروخة