تعتبر مخاوف التلوث أو وساوس التلوث Contamination Obsessions وقهورات الغسل Washing Compulsions أحد أكثر أعراض الوسواس القهري شيوعا حتى افترض أنها الثانية في ترتيب الشيوع (Rachman, 2006)، ويتميز وسواس قهري التلوث بالأفكار أو الصور أو الدفعات الوسواسية عن الأوساخ والجراثيم والمرض والتي عادة ما تكون مقتحمة ومتكررة ومبالغا فيها بحيث تتجاوز الاحتمالية الفعلية للتلوث، وانتشار الجراثيم، أو العدوى بمرضٍ ما. وهذه الوساوس المرتبطة بالتلوث تسبب الخوف والتقزز (الاشمئزاز) وعدم الراحة و/أو الضيق وغالبا ما تؤدي إلى السلوكيات التحيدية أو العادات أو الطقوس القهرية التي يقوم بها المريض لتحقيق الراحة المؤقتة أو لتحييد القلق، مثل الغسل المفرط، والتنظيف، أو تجنب المحفزات أو المواقف ذات الصلة بالتلوث (APA, 2013). ويعاني نحو 50٪ من مرضى الوسواس القهري من أعراض متعلقة بالتلوث (Ball et al. 1996).
ويعرف الخوف من التلوث بأنه وجود مشاعر مكثفة بالقذارة أو الاتساخ العضوي والنفسي مع ميل للغسل وتكرار الغسل عند مواجهة المحفزات القذرة أو المستقذرة. وهذه المشاعر المختلطة من القلق والقرف أو التقزز عادة ما تؤدي إلى السلوك التجنبي والغسل القهري، ويمكننا تعريف الشعور بالتلوث – مع بعض التحوير بعد راتشمان (Rachman, 2004)- بأنه "شعور غامر ومستمر بالتلوث أو العدوى أو النجاسة نتيجة التلامس المباشر أو التعرض غير المباشر لشخص أو مكان أو شيء ينظر إليه على أنه متسخ أو نجس أو معدي أو مقرف أو ضار" ورغم أن مخاوف ومشاعر التلوث أكثر ارتباطا بالوسواس القهري خاصة التنظيف والغسل القهري إلا أن مخاوف التلوث والشعور المفرط به مهمة أيضًا في فهم وعلاج اضطرابات نفسية أخرى مثل اضطراب الكرب التالي للرضح Post Traumatic Stress Disorder المرتبط بالاعتداءات الجنسية (Herba & Rachman, 2007) وكذلك باضطراب قلق المرض Illness Anxiety Disorder أو وسواس المرض Illness Obsession.
بالنسبة للمريض بوسواس التلوث، فإن الملوثات المحتملة يمكن أن تكون في أي مكان وفي كل مكان، بما في ذلك الأشخاص الآخرون، أماكن معينة، والأشياء، أو حتى الهواء، وغالبا ما يجعل ذلك المريض في حالة انتباه مستمرة، وقلق، وتحفز لمواجهة الجراثيم والأوساخ، أو غيرها من النجاسات. فحتى في بيئة تبدو "آمنة"، مثل بيت المريض، يمكن للمرء أن يغزل وصلات من العالم الخارجي الملوث حتى تصل إلى بيته وتنتشر فيه بحيث يشعر الفرد بالقلق والتوتر والحاجة إلى التنظيف (مثلا "رائحة شيء أثناء المشي في الطريق، ربما كان مصدرها براز حيواني، لابد أنه على حذائي، والحذاء كان في سيارتي، وكانت حقيبتي أيضا في سيارتي، وقد أدخلت حقيبتي داخل المنزل، لذلك فإن البراز الحيواني الآن يملأ بيتي")
ويعتبر وسواس الغسل القهري نوعا فرعيا مميزا من اضطراب الوسواس القهري حيث يصاحبه نمط معين للتنشيط العصبي يشمل مناطق المخ المسؤولة عن انفعال القرف (التقزز أو الاشمئزاز) Disgust وبشكل خاص الجزيرة الأمامية Anterior Insula أكثر من استثارة مناطق الخوف المخية مثل اللوزة Amygdala وقد تم إثبات ذلك من خلال تعريض مرضى الوسواس القهري لصور أو أدوات معينة تثير القرف أو تذكر به أثناء التصوير الوظيفي للمخ (Phillips et al., 2000) حيث كان الارتباط بمناطق المخ المسؤولة عن الاشمئزاز (وليس الخوف) أكثر وضوحا في مرضى الغسل القهري مقارنة بغيرهم من المرضى، كما يرتبط هذا النوع الفرعي من اضطراب الوسواس القهري بقناعات وسواسية معينة تنطوي على خصائص معرفية مثل التقييم المفرط للخطر أو تهويل التهديد وعدم الشعور باكتمال الفعل وفرط الحساسية للقرف.
الصورة الإكلينيكية لوساوس وقهور التلوث:
1- وساوس التلوث:
خلافا لما يظنه أغلب الناس، يظهر التعامل مع مرضى مخاوف التلوث أن التلوث لا يقتصر فقط على الأوساخ والقمامة والجراثيم والفيروسات. وإنما يمكن أن يشمل أيضا أشياء مثل:
- مفرزات الجسد (البول والبراز وهي نجسة باتفاق)، والسوائل الجسدية (العرق، اللعاب، المخاط، الدموع) وهي طاهرة، والدم، والمني والمختلف على نجاستهما... إلخ)،
- كذلك المواد الكيميائية المنزلية، ومصادر النشاط الإشعاعي، والزجاج المكسور، والمواد اللزجة، والأغذية الفاسدة، والرصاص،
- أيضًا الحيوانات الأليفة، وبعض الطيور كالغربان، والحيوانات النافقة، وأيضًا ورق الصحف وحتى الصابون !
وهذه القائمة ليست كاملة. بل إنه عمليا لا توجد أي حدود للأشياء التي يمكن أن تكون مصدرا للتلوث في رأي مريض ما.
- وهناك أيضًا الملوثات غير التقليدية أو غير المعتادة وهي التي تُحدث أثرها بطرق تلويث غير مادية، وقد تشمل: أفكارا أو كلمات أو أمراضا أو إعاقات أو مرضى أو معاقين أو موتى أو متعلقاتهم وكذلك الأماكن التي حدثت فيها أشياء سيئة وأيضًا الصور الذهنية، والأفراد المختلفين (الأفارقة أو المنتمين لديانة أخرى بل والأفراد السمان أو غير الجذابين)، وكذلك الألوان أو الحظ السيئ ...إلخ.
- وهناك فئة أخرى تتضمن أشياء ربما أكثر غموضا. مثلا، هناك بعض المرضى الذين يعانون من الخوف من لمس الأرضية أو التراب، أو الأبواب الخارجية أو مقابضها، أو أيٍّ من الأشياء العامة. وعندما تسألهم ما الذي يخشونه، يردون "بأنهم لا يعرفون حقا على وجه الدقة، وإنما يشعر الواحد منهم فقط بأنها قذرة بالنسبة له". وهناك أيضا حالات يوسوس أصحابها بأن شخصا آخر ملوث بطريقة ما، ولا يمكن أن يحدد بالضبط كيف؟ ولا لماذا؟!. وقد يكون الشخص غريبا عنه أو أحد أفراد أسرته.
ومن الواضح أن المنطق لا علاقة له بهذه المخاوف. فالقناعة الوسواسية هنا هي أن هذه الأسماء، أو الصور، أو الكلمات أو المفاهيم، أو خصائص بعض الناس يمكن أن تنتقل بصورة سحرية، ببساطة عن طريق التفكير فيها أو من خلال أي تلامس عارض معها. وأبعد من ذلك حين يكون التلوث المخشي نابعا من شخص يخاف المريض من أنه يمكن أن يتأثر أو يتغير (Volz & Heyman, 2007) أو يتحول Morphing وتسمى أيضًا بالوساوس التحولية Transformation Obsessions بحيث تنتقل له الصفات المخشية أو يتحول ليصبح مثل الشخص الملوِّث بسبب تعرضه له أو حتى تذكره أو التفكير فيه !!.
وبشكل عام تدور وساوس التلوث تدور حول ستة محاور رئيسية -أربعة منها (باستثناء "د"و"هـ") ذكرهم راتشمان- هي:
(أ) المواد المتسخة: مثل البراز، واللحم المجفف، والمواد النباتية المتعفنة
(ب) الملوثات المعدية: التلامس مع العناصر أو الأشخاص الذين يحملون الجراثيم، والتلامس مع المنتجات الجسدية مثل الدم أو العرق أو اللعاب، أو الأشخاص أو الأماكن التي يعتقد أنها مصابة (مثل الدم والمستشفيات والأماكن / الأشخاص) الذين يعتقد أنهم مرتبطون بالأمراض المخيفة مثل السرطان أو الإيدز؛ أو فيروس الكبد الوبائي سي.
(ج) المواد المؤذية: المواد الكيميائية ومبيدات الآفات وبعض الأغذية (Rachman, 2004).
(د) المواد النجسة والحيوانات النجسة (عند اليهود والمسلمين) : وتشمل البول والبراز والمني والمذي والدم ...إلخ كما تشمل الكلاب والخنازير.
(هـ) المواد الحالة أو العازلة مثل الزيوت والكريمات وطلاء الأظافر ومساحيق التجميل ......إلخ والتي يعتبرها المريض عازلا على الجلد يفسد الغسل أو الوضوء.
(و) التلوث العقلي Mental Contamination : الناجم عن ملامسة أي شخص أو شيء مرتبط بالشوائب أو الأوساخ، أو الفجور، أو الذكريات السيئة، والتعامل المباشر أو عن بعد مع الأشخاص المعتبرين أعداء أو منبوذين (محددين ثقافيا (كأصحاب ديانة أخرى أو لون أو جنس آخر) أو شخصيا متورطين في تحرش أو اعتداء جنسي)، ومما يميز التلوث العقلي أنه يمكن أن ينتج عن عمليات نفسية لا تنطوي على اتصال مباشر بالملوث، مثلا مجرد الفكر، أو صورة بصرية، أو التعرض لملاحظة حرجة، كما يمكن أيضا أن ينتج من ذكرى معينة، (Rachman, 2004). ويضاف هنا مرضى الغسل القهري لإزالة أثر الموت أو التلوث المتخيل بالموت والباقي في أشياء كان يستعملها شخص ميت ولا يمكن للمريض استبعادها أو الاستغناء عنها... ويمكن أن يستمر ذلك الغسل القهري متكررا لسنوات بعد وصول المريض مثلا إلى فكرة أن الغسل 7 مرات أو 70 مرة أو غير ذلك من الأعداد يعطي تعطيلا لانتقال الموت مثلا لأسبوع أو لشهر... وهو بالتالي لا يحتاج إلى نوبات الغسل إلا كل فترة معينة.
معنى هذا أننا نستطيع تقسيم التلوث إلى نوعين تلوث تلامسي Contact Contamination وتلوث عقلي أو نفسي Mental Contamination حيث ينتج التلوث التلامسي عن الاتصال الجسدي مع الملوثات (كالتراب، النجس، المرض، و/ أو الجراثيم) ويؤدي إلى مشاعر الاتساخ (Rachman, 2004) وغالبا ما تكون هذه المشاعر مصحوبة برغبة في الانخراط في الغسل أو أي من سلوكات التنظيف و/أو التطهير و/أو التطهر. وأما التلوث العقلي فيعني مشاعر الاتساخ الداخلي، أو التلوث النفسي أو الانفعالي المستحث مع أو بدون اتصال جسدي مع ملوث. وقد يشمل ذلك، مثلا لا حصرا، مشاعر الذنب أو اللاأخلاقية أو الفسق أو الخيانة أو القذر المتخيل أو القرف (Lee, et al., 2013) وقد بينت دراسة حديثة (Coughtrey, et al., 2014)، أن من الممكن في التلوث العقلي أن ينتقل التلوث إلى أشياء أخرى دون تلامس وإنما معنويا حتى دون أي اتصال مادي بين الأشياء غير الملوثة سابقا والشيء الملوث، مثلا بمجرد الرؤية أو نطق الاسم أو حتى مجرد التفكير في مصدر التلوث المتخيل، وينخرط المرضى الذین یعانون مثل هذا التداخل في مخاوف التلوث في سلوكیات غسل قهرية استجابة للشعور بهذا التلوث النفسي أو العقلي الانفعالي(Coughtrey, et al., 2012).
ودائما ما تحمل وساوس التلوث تهديدا شديدا، حيث يعتقد الشخص أن "المواد الملوثة" تكتسب القدرة على التسبب في ضرر خطير على النفس (مثلا، تنتشر إلى أجزاء أخرى من جسم الشخص) أو غير النفس (مثلا، يمكن نقلها إلى أشخاص آخرين أو أماكن أو أشياء).... ومما يزيد الصورة تعقيدا ويضع قيودا أكثر على حياة المريض وأهله.... أن يبدأ التفكير السحري Magical Thinking متمثلا في قاعدة الانتشار اللامحدود Law of Infinite Contagion في تعقيد وساوس وطقوس المريض حيث تتسع قاعدة الأشياء التي يجب أن تغسل أو تطهر (فقد يعتقد المريض أن قطرة من الدم أو البول يمكن أن تنتشر بطريقة ما لتلوث غرفا بأكملها، أو بنايات أو حتى مدنا كاملة) كما تتسع مظلة القيود التي يفرضها على أفراد أسرته أو من يعيشون معه...
2- قهورات التلوث (الغسل أو التنظيف أو التحاشي..إلخ):
والقهورات أو الأفعال القهرية هي الاستجابة المعتادة للمصابين بهذه الوساوس. وقد تنطوي على أي عمل وقائي يقوم به الفرد لتحاشي (أو تجنب) تلوثه أو لإزالة التلوث الذي حدث بالفعل بطريقة ما. ويمكن أن تشمل الأفعال القهرية من هذا النوع ما يلي:
(أ) أفعال الغسل القهرية:
- غسل اليدين المفرط وأحيانا بشكل طقسي، أو تطهير أو تعقيم الأشياء أو الملابس أو رميها بعيدا،
- الاغتسال أو الاستحمام، أو التنظيف المفرط للجدران أو الأرضية أو قطع الأثاث أو كل المنزل،
(ب) أفعال التحاشي القهرية:
- تجنب أماكن معينة أو لمس أشياء معينة، مثلا تحاشي لمس الأسطح (في الأماكن العامة أو في المنزل) التي قد يعتقد أن عليها جراثيم أو نجاسة أو تراب أو غيرها من "الملوثات"
- تجنب الأماكن العامة أو وسائل النقل العام وتجنب التعرض للمس من الآخرين أو تجنب لمس الآخرين
- فرط تكرار تغيير الملابس أو حتى التخلص من الملابس التي تعتبر "ملوثة" أو "نجسة"،
- تجنب بعض الغرف في المنزل التي يعتقد أنها ملوثة وكذلك منع الأطفال الموجودين بالمنزل من دخول بعض الأماكن أو الغرف، ...
- مطالبة الآخرين بطمأنة الشخص المصاب بالوسواس أنه لم يتلوث
- تعيين مناطق نظيفة وتخصيصها للمعيشة أو لأداء نشاط ما بحيث تكون تلك المناطق محظورة بالنسبة للآخرين،
- تحاشي لمس الحيوانات خاصة الكلب، وكذلك التعرض للسعال أو العطس من قبل الآخرين أو التواجد في مكان عام أو سيارة حيث يمكن أن يحدث هذا (كما هو الحال في مرافقي طريق أو حافلة أو طائرة) وأيضًا تحاشي تلويث الآخرين عن طريق لمسهم وتحاشي ارتداء الملابس التي تتلامس مع الجراثيم أو الملوثات الأخرى
وهناك شكل آخر من أشكال الأفعال القهرية يمكن أن يتضمن فحصا مزدوجا من قبل المريض للتأكد من أنها لم تصبح ملوثة، أو يطلب من الآخرين أن يطمئنوه إلى أنها لم تتلوث. ويطلب المرضى أحيانا مرارا من الآخرين التحقق من أجزاء من أجسادهم لا يستطيعون الوصول إليها أو رؤيتها أو أشياء لا يمكن أن تقترب منها. ويذهب البعض إلى حد كتابة قوائم بالأشياء التي يعتقدون أنها قد حدث لها تلوث في الماضي، حتى لا ينسوا هذه المعلومات المهمة.
وفي بعض الحالات ومحاولة للحفاظ على النظافة المطلوبة والتقليل من الأفعال القهرية مع الحياة بشكل يشبه الطبيعي، يلجأ المريض إلى خلق عالمين متوازيين مختلفين لنفسه؛ واحد نظيف وآخر قذر. وهو نوع من سلوكيات التأمين يسمى الازدواج الإقصائي Exclusive Doubling وعندما يكون المريض ملوثا فإنه يمكنه أن يتحرك بحرية داخل العالم القذر ويستطيع اللمس والقيام بأي شيء، لأن كل شيء فيه هو بالفعل ملوث. ولا شيء فيه لابد من تنظيفه أو تحاشيه. ويلزم نفسه بارتداء الملابس التي تعتبر ملوثة عندما يعيش في ذلك العالم. وهذا العالم القذر عادة ما يشمل معظم العالم الخارجي، كما يمكن أن يشمل أيضا أجزاء من منزله أو مكان عمله. بل قد يمتد إلى وجود سيارة قذرة يستخدمها فقط عندما يكون ملوثا. وعادة ما يكون المرضى قادرين على العيش بحرية في عالمهم النظيف طالما أنهم أنفسهم نظيفين عند دخولهم وأيضا البقاء على هذا النحو. ودائما ما يكون العالم النظيف منطقة أكثر تقييدا من المنطقة القذرة، وغالبا ما يقتصر على أماكن خاصة في المنزل أو في العمل. وقد تكون هناك أيضا سيارة نظيفة يستخدمها المريض فقط عندما يكون نظيفا. وعادة يوجد العالمان جنبا إلى جنب مثل الأكوان المتوازية التي لا يسمح لها بالاجتماع.
وللتعامل مع الأنواع السحرية (اللامنطقية) من التلوث يكون الحل في كثير من الأحيان طقوس إزالة تلوث سحرية تهدف إلى إزالة أو إلغاء المشكلة أو الفكر أو الاسم أو الصورة أو المفهوم. مثلا بقول الكلمات الخاصة أو الصلوات، أو التفكير بالعكس أو تذكر الأفكار الجيدة لإلغاء الأفكار السيئة، والقيام بالأعمال في الاتجاه المعاكس، وفي بعض الأحيان قد يكون الغسل المعتاد أو الاستحمام جزءا من الطقوس السحرية.
ومرضى الغسل القهري هم على الأرجح الفئة الأكثر وضوحا بين أولئك الذين يعانون من وساوس التلوث. فليس من غير المألوف بالنسبة لهم غسل أيديهم خمسين مرة أو أكثر في اليوم الواحد. وفي الحالات الأشد يمكن غسل اليدين حتى 200 مرة في اليوم الواحد. كما يمكن أن يستغرق الاستحمام ساعة أو أكثر، وفي الحالات الشديدة يمكن أن يستمر لسبعة ساعات... وغني عن البيان أن هؤلاء المرضى يستهلكون كميات كبيرة من الصابون والمناشف الورقية (المفضلة عن مناشف القماش حيث يمكن استخدامها مرة واحدة فقط ثم ترمى). واستخدام الكحول ومناديل اليد المبللة المطهرة هي أيضا شائعة. وأيدي هؤلاء المرضى غالبا ما تصبح محمرة ومتشققة الجلد بما يصل أحيانا إلى النزيف. ويستخدم البعض الصابون المضاد للبكتيريا، وشتى أنواع المطهرات، مثل الديتول، وغيره لزيادة التأكد من النظافة، وهو ما يسبب مزيدا من تلف الجلد.
وواقعيا نجد الاستحمام والغسل غير مجدٍ بحق، لأن تخفيفه من القلق يستمر فقط إلى أن يلمس المريض أو حتى يمر بجوار أي شيء آخر ينظر إليه على أنه ملوث. وقد يلزم أن تتم طقوس الغسل في بعض الحالات وفقا لقواعد دقيقة، والتي إذا لم تتبع بالضبط يجد المريض أن عليه البدء من جديد. وقد يكون العد أيضا جزءا من طقوس الغسل للتأكد من أنه قد تم لفترة طويلة بما فيه الكفاية، أو عددا معينا من المرات وكثيرا ما ينسى المريض أين وصل العدد ويجد نفسه مرغما على البدء من جديد. ومن أجل تقليل الغسل، يلجأ المرضى أحيانا إلى استخدام المناشف الورقية أو الأكياس البلاستيكية أو القفازات التي يمكن التخلص منها بعد ذلك للمس الأشياء الملوثة أو محتملة التلوث وهذا سلوك تأميني شائع جدا .
وتشير بعض الدراسات إلى أن أعراض وسواس التلوث تكون مرتبطة بضعف الاستبصار Poor Insight في كثير من الأحيان مقارنة بأنواع أعراض الوسواس الأخرى (Cherian et al. 2012). ويعتبر قدر استبصار المريض بالطبيعة المبالغ فيها لمخاوفهم ومعدلات أفعالهم القهرية محددا مهما عند وصف هؤلاء المرضى، وغالبا ما يرتبط الاستبصار الضعيف أو الفقير مع شدة أعلى للمرض بما يجعل العلاج أكثر صعوبة.
وفي بعض الحالات، يتم استدراج أفراد الأسرة إلى شبكة المريض من الطقوس القهرية. فيطلب منهم تنظيف الأشياء التي لا يمكنه الاقتراب منها، أو يطلب منهم التحقق من نظافته أو نظافة مكان معين، أو لمس أو استخدام الأشياء التي يعتقد أنها ملوثة. وهذا النوع من المساعدة، بطبيعة الحال، لا يساعد حقيقة، بل يورط المريض في المعاناة والمرض ويزيد من عجزه عن الخلاص. كما يمكن أن يؤدي إلى الضجر وعدم التحمل وربما الشجار داخل الأسرة، إذ يشعر أفراد الأسرة بأنهم يورطون ويقيدون على نحو متزايد وتصبح حياتهم محدودة. ويصدق هذا بشكل خاص عندما يعتبر المريض أحد أفراد العائلة مصدرا للتلوث.
المراجع :
1- Rachman, S.J. (2006): The fear of contamination: Assessment and treatment. Oxford: Oxford University Press.
2- American Psychiatric Association. (2013): Diagnostic and statistical manual of mental disorders (5th ed.). Arlington: American Psychiatric.
3- Ball, S. G., Baer, L., & Otto, M. W. (1996): Symptom subtypes of obsessive-compulsive disorder in behavioral treatment studies: A quantitative review. Behaviour Research and Therapy, 34, 47-51.
4- Rachman, S. (2004): Fear of contamination. Behavior Research and Therapy, 42(11), 1227-1255.
5- Herba, J. K., & Rachman, S. (2007): Vulnerability to mental contamination. Behavior Research & Therapy, 45, 2804–2812.
6- Phillips ML, Marks IM, Senior C, Lythgoe D, O’Dwyer AM, Meehan O, et al. (2000): A differential neural response in obsessive-compulsive disorder patients with washing compared with checking symptoms to disgust. Psychological Medicine 2000;30:1037–1050.
7- Volz, C., &Heyman, I. (2007): Case series: Transformation obsession in young people with obsessive-compulsive disorder (OCD). Journal of the American Academy of Child and Adolescent Psychiatry, 46, 766-772.
8- Lee, M., Shafran, R., Burgess, C., Carpenter, J., Millard, E., & Thorpe, S. (2013): The induction of mental and contact contamination. Clinical Psychologist, 17, 9-16.
9- Coughtrey, A.E., Shafran, R., Rachman, S.J., (2014): The spread of mental contamination. Journal of Behavior Therapy and Experimental Psychiatry, 45, 33-38.
10- Coughtrey A.E., Shafran R., Lee, M., & Rachman, S.J.(2012):“It’s the feeling inside my head”: A qualitative analysis of mental contamination in OCD.Behavioural & Cognitive Psychotherapy, 40, 163-173.
11- Cherian, A. V., Naravanaswamy, J. C., Srinivasaraju, R., Viswanath, B., Math, S. B., Kandavel, T., et al.(2012): Does insight have specific correlation with symptom dimensions in OCD? Journal of Affective Disorders,138,352-359.
واقرأ أيضًا:
الوسواس القهري في الوضوء النظافة... إلخ / وسواس نظافة أم طهارة؟ / وسواس النظافة والقرف ! م