َمْنعُ الرَدَّ غير المرغوبَ
الفصل الخامس عشر
البائع العصبي........وفقدان الوظائف بسبب عدم تحمل الزبائنِ
فَقدَ حامد ثلاث وظائفَ، وشَعرَ بأنّه كَانَ عَلى وَشَكِ أَنْ يُصبحَ مطرودا مِنْ عمله الرابع، هذا العمل الجديد الذي تمثل في كونه بائع في محل كبير. كان لا بُدَّ أنْ يُسيطرَ على عادته السيئة مباشرةً، وهي عدم تحمله للزبائن ونرفزته عليهم أحيانا، وبالذات إذا حاول أحد الزبائن أن يخفض من ثمن إحدى السلع، أو حاول آخر ترجيع إحدى السلع التي اشتراها من المحل بعد أسبوع، أو أتى زبون مستعجلا وقاطع حامد وهو يتحدث مع زبون آخر.
لذا ابتكر حامد لنفسه تقنية عقابِ ذاتية جديدة، فعندما يستفزه أحد الزبائن أو الزملاء في العمل يقوم بتوقيع هذا العقاب على نفسه فورا، وكان العقاب الذي فرضه على نفسه طريفا؛ وهو أنه يشتري زجاجة من عصير الليمون فورا لمن يثير حنقه ويستفزه من الزبائن أو الزملاء، وهذا جزء من العقاب أما الجزء الأصعب من العقاب فهو أنه يخبر الزبون أو زميله أو رئيسه الذي استفزه وأثار غضبه: لماذا هو قدم عصير الليمون له، والقسم الثالث من العقوبة هو أنه يسجل الساعة واليوم والموقف الذي استفزه وجعله يثور في نوتة صغيرة خصصها لذلك!،
وكان الزبائن يضحكون عندما يسمعون قصة فقدانه لثلاث وظائف بسبب عصبيته، وأنه يكره أن يفقد عمله الرابع أيضا لنفس السبب، لذلك هو يعاقب نفسه بهذه الطريقة حتى يصبح صبورا وطويل البال، فكان الموقف مع الزبائن والزملاء ينقلب بعد الدراما إلى الكوميديا، وبعد أن يكون الزبون حاقدا عليه ويرغب في أن يشتكيه لصاحب المحل يتعاطف معه ويزوره بعد ذلك ويطمئن عليه، ويشتري (بالمرة) ما يريده من المحل الذي يعمل فيه حامد، وتحول بهذه الطريقة الكثير ممن استفزوه عند الشراء منه إلى معارف وأصدقاء له. يقول تعالى: "أِدْفعْ بِالّتِي هيَ أحسْنُ السِّيئةً فًإذًا الَّذِي بَينَكَ وَ بَينَهُ عَدَاوَةٌ كأنَّهُ وَلِيٌ حَمِيم".
المهم أن حامدا بدأ يحسب مقدار ما يفقده من مال في شراء عصير الليمون المُفتخر لمن يستفزونه ويثيرون غضبه، وأصبح مضطرا لكبح جماح عصبيته وغضبه حتى لا يضيع راتبه من الوظيفة في شراء عصير الليمون!!، وبعد فترة شهرين من تطبيق حامد لهذه العقوبة العلاجية على نفسه لاحظ أن بعض الزملاء المشاكسين يتحرشون به محاولين استفزازه طمعا في زجاجة مجانية مُفتخرة من عصير الليمون، فلم يزد حامد عن شكواهم إلى صاحب المحل الذي كان معجبا بفكرة حامد، ومحاولته الجادة لاكتساب الحلم و الصبر في عمله، وكما قيل: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم"، فما كان من صاحب المحل إلا أنه عمم فكرة حامد مع الزبائن في سلسلة محلاته، وأصدر قراره الآخر بأن من يتحرش بزميله ويستفزه، ويَثبُت عليه ذلك فسوف يقوم بخصم ثمن الليمون من راتبه (جنيهين) وإضافته إلى راتب الشخص المُستَفز أو المُتَحَرش به، ولذلك التزم كل العاملين بالمحل مراعاة بعضهم البعض؛ فلا أحد يرغب أن يُخصَم من راتبه ولو جنيها واحدا آخر الشهر.
إلزام النفس بالاستقامة والأمانة:
هناك موقف يجب ذكره هنا، وهو ليس نوعا من عقوبة الذات لتعديل سلوك بغيض ومكروه، ولكن هذا الموقف فيه حض على الالتزام بالنزاهة والأمانة في العمل ولو كلفك ذلك أن تفقد كل ما تملك دفعة واحدة!، والعوض من الله:
تعرض ماكولتي من ألينوي بالولايات المتحدة والحاصل على دكتوراه في الفلسفة إلى موقف مؤثر، ويتلخص هذا الموقف في أن ماكولتي احتاجت سيارته لبعض الإصلاحات فذهب إلى ميكانيكي لم يكن يعرفه من قبل، وكان ماكولتي قلقا على سيارته من هذا الميكانيكي، وعندما كان الميكانيكي يفحص السيارة وجد ماكولتي على الحائط في مكتب الميكانيكي مقالاً في جريدة تفيد أن هناك مُزارِع في منطقة من المناطق كانت موبوءة بمرض معد يؤثر على إدرار لبن الأبقار وبالتالي تصاب تلك الأبقار بأمراض، ونظراً لأن هذا المزارع كان يمتلك الكثير من الأبقار والتي أصيب بعضها بهذا المرض المعدي فإنه، ومن باب الاحتياط قام بإعدام كل الأبقار سواء التي لم يتم التأكد من حملها للمرض والتي كانت حاملة للمرض بالفعل دون النظر إلى الخسارة الكبيرة التي سيمنى بها من جراء ذلك، وحتى أن مبلغ التعويض من شركة التأمين لن يغطي الخسارة الكبيرة التي ستلحق به، إلا أنه أصر على إعدام تلك الأبقار جميعها ودفنها بطريقة من شأنها عدم الإضرار بالبيئة، وعندما سُئِل هذا المزارع لماذا فعل ذلك؟ أجاب لأن ذلك أفضل ما ينبغي فعله.
وقد سأل ماكولتي الميكانيكي لماذا يحتفظ بهذا المقال، فأجاب الميكانيكي بأن هذا المزارع كان بمثابة مصدر إيحاء وقدوة له، وأنه وضع معيارا للاستقامة والثقة والأمانة، وقال أنه يتبع هذا المعيار في مباشرة عمله في إصلاح السيارات، وأنه يود أن يقال عنه ما قد قيل في هذا المزارع.
ودلالة هذه القصة هي أن الاستقامة والأمانة من الأمور الهامة لنجاحك في عملك بالحياة، أما إتقانك لعملك فهو قمة من قمم الغايات في حياتك؛ ونبراساً يقتدي به للمُقتدين.
يتبع >>>>>>>>>>> مصاب بداء التخمة