الفصل السادس عشر
حكمة الفصل: "يساعد الله عز وجل من يساعدون أنفسهم" أيوب عليه السلام.
والدي من النوع المتشائم القلق، وهو يكره كوني أعيش في بلدة أخرى، ويتصل تقريبا بي كل ليلة ليتأكد أنني بخير. أعتقد أنه من الجيد أنه يهتم بي بشدة، وأنا بدوري أؤكد له أنني بخير دائما، ولكنني أكره خوفه هذا الشديد عليَّ؛ لأن هذا أمراً يقودني للجنون.
أعمل مع سيدة مصابة بالنرجسية، فهي دائما ما تحكي القصص الطويلة عن نفسها فلا تراعي مشاعري، أحاول أن أبدو مهتمة بها، ولكنها لم تسألني ولو لمرة واحدة إن كنت قد قضيت عطلة نهاية أسبوع جيدة أم لا.
أفضل أن أدعو إحدى صديقاتي إلى حفلات العشاء، ولكنها عندما تجلس مع الناس فلا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، وفي بعض الأحيان تكون سخيفة جداً وتفسد الأمسية كلها.
إن العلاقات مثل السيارات، تحتاج إلى الصيانة المستمرة من أجل القيام بعملها جيدا، فإذا اشتريت سيارة تحتاج إلى كثير من الصيانة فقد تتساءل إن كنت قد خُدِعت في شرائك لتلك السيارات.
في بعض الأحيان كونك صديقا قد يعني أنك تلعب دور المستمع الصبور المؤيد أو المعالج النفساني أو المصلح الاجتماعي، وما يفرق طالبوا المساعدة المستمرة عن بقية الناس هو أنهم يدفعوك دائما لتلعب دورا من تلك الأدوار، حيث يبدو أنهم يحتاجون إلى اهتمام أكبر، وإلى إعادة طمأنينة أكثر، مع بذل المزيد من الوقت والطاقة ليس فقط في أزماتهم ولكن في أوقاتهم العادية، والفرق واضح: إذ هم يطلبون الكثير من الخدمات وأنت على الدوام تقدمها لهم طائعاً مختاراً.
طالبوا المساعدة المستمرة في حياتك قد يختلفون من المستوى العادي إلى المستوى الحاد من العصبية والإزعاج، قد يكونون من المتبجحين الوقحين أو من غرباء الأطوار أو القلقين أو من المُحبَطين أو ممن يعتمدون على المخدرات. ولكن بصراحة فإن مشاكلهم هنا ليست من اهتمامنا في هذه النقطة، فليس من هدفنا أن نساعدهم على مواكبة العالم ولكن لنجعلك تتواكب معهم، وفي هذا الأمر: فإن مفتاح التعامل مع متطلبي المساعدة المستمرة هو ملاحظة ما يمكنك السيطرة عليه و ما لا يمكنك، فبينما لا تستطيع تغيير شخصية أخرى، إلا أن لديك الخيار في كيفية الاستجابة لها، يمكنك أن تعبر عن رأيك تجاه الوقاحة والازدراء، أو تحتج على سلوك تعارضه، أو تحدد قوانين أساسية في قضاء الوقت مع مثل تلك الشخصيات.
لا يمكنك أن تستدعي كلمات سحرية قد تزيل الإحباط لدى شخص ما، أو تضغط عليه للتخلي عن فكرة الانتحار، ولكن يمكنك أن تشجع أحداً ممن تحبهم من المضطربين؛ وذلك في البحث عن المساعدة المتخصصة إن كان ذلك ضرورياً أو في خلق بعض المسافات ووضع الحدود التي قد تحد من سيطرة تلك المشكلة عليه، وفي الحالات الحرجة يمكنك أن تنجوَ بحياتك بعد أن تتخلص من صداقتك للشخص المتطلب للمساعدة المستمرة والذي قد يعرض صحتك الجسمية والنفسية والعقلية والعاطفية للخطر!.
قد يتعدد طالبوا المساعدة المستمرة، فعادة ما يكونون من الناس العاديين الذين لا يقصدون أذى، وعادة ما يسببون الكثير من الضرر لأنفسهم أكثر منك، ولكن طالما أنك حريص على حماية حدودك، فهناك من هؤلاء من يضغطون عليك ويستغلونك لاحتياجاتهم، أو يُعتِّموُن بل يُسوِّدُون (من السواد) عالمك بنظراتهم السلبية، قد يؤثرون على ثقتك بنفسك، أو على مزاجك، بل وعلى وجهات نظرك.
من الصعب أن تظل تعمل بنشاط ومتفائلا عندما تكون على اتصال دائم مع من لا يُعَد سلُوكُهم غير محترم أو هؤلاء الذين قد تلحق مشاكلهم الشخصية بحياتك الخاصة حتى وإن كُنت ملتزماً بمساعدتهم، فقد يكون لهؤلاء الناس تأثير كبير عليك أكثر من تأثيرك عليهم، وقبل أن يجذبوك للأسفل يجب عليك أن تقول لهم "لا" لمحاولتهم التأثير على حياتك.
تلك الفكرة -أن هناك خطأ على الرمال يجب أن نرسمه عندما نتعامل مع الآخرين- تمس موضوعاً نسمع عنه الكثير هذه الأيام ألا وهو "التبعية المشتركة"، بكلمات بسيطة، فهو يتعلق بعدم القدرة على الفصل بين مشاكل أحدهم عن الآخر، ولأن هذا الكتاب يركز على الوسائل العملية في وضع الحدود فإن جميع الأسباب الخاصة "بالتبعية المشتركة" بعيدة عن تركيزنا هنا، ولكننا لاحظنا في بعض المواقف أن إيجاد القوة لقول "لا" لمن نحبهم قد يتطلب قوة أكبر من المساعدة التي نقدمها لهم، إن كان الأمر كذلك بالنسبة لك فإننا نوصي بأن تبحث عن بعض الكتب الجيدة المتعلقة بالموضوع.
على أية حال يمكنك النجاح في التعامل مع العديد من متطلبي المساعدة المستمرة في حياتك بتوظيف الاستراتيجيات المألوفة في هذا الصدد، قم بتقديم النصيحة المناسبة لتعديل سلوكهم شفهيا، أو من خلال طرق أخرى!.
منطقيا نعتقد أنه يمكنك التخلص من متطلبي المساعدة المستمرة من حياتك بتجنبهم، ولكن ليس هذا بالحل العملي، خاصة وإن كان يعني أن تنفصلي عن زوجك، أو لا تتحدث إلى والدتك. إن متطلبي المساعدة المستمرة في كل مكان، وعادة ما تُعجَب بهم أو تحبهم، فإذا كان لديهم القليل من الصفات المزعجة فإن لديهم صفات أخرى قد تقدرها لهم أيضاً. ومع إيجاد الطرق لمنع سيطرة سلوكهم السيئ عليك يصبح من الأسهل أن تركز على ما ستقوم به نحو تصرفاتهم المزعجة، ويتوقف ذلك على مدى قوة العلاقة بينكما.
وكذلك فقد يكون متطلبي المساعدة المستمرة ممن لا تحبهم، ولكنك مُرغم على التعامل معهم في العمل أو في أي مكان آخر، ولكن سواء كانوا في حياتك بسبب الظروف أو بالاختيار فإن طريقتك في التعامل معهم من الممكن أن تُحِدَ من آثارهم السلبية الواقعة عليك.
ما رأيك في أن تلعب لعبة عقلية بسيطة مع نفسك؟؟!!!
فكر في صفة مزعجة لدى أحد معارفك من متطلبي المساعدة المستمرة، والذي يضايقك فيه هذه الصفة، على سبيل المثال: فلنقل أن أختك شديدة "الجدل"، إذن أبحث عن كلمة أخرى أكثر مجاملة لتلك الصفة وقرر من الآن فصاعدا أنك ستفكر في أختك بتلك الصفة الجديدة من الإطراء، فقد أصبحت بدلاً من أختك المجادلة إلى "المُناقِشة المُثقفة".
و بنفس الطريقة يمكنك أن تقرر أن عمتك الفضولية المتكلفة مجرد أنها: "تُظهر اهتمامها وحبها"، وأن أصدقاء زوجك المزعجين المُتطفلين صعاب المراس: "هم مجموعة من الأصدقاء المحبين للمتعة المُفعمين بالحيوية وحب الحياة".
وممارسة لعبة الصفة البديلة لا يعني أنك تتجاهل المشاكل، إنها ببساطة تكنيك للتفكير في متطلبي المساعدة المستمرة بطريقة ودودة وبالتالي يمكنك بطريقة أفضل أن تتعامل مع الضغط الذي يسببونه لك، ومع الوضع في الاعتبار الصفات السيئة بشكل أكثر تعاطفا، يصبح من الأيسر تقدير متطلبي المساعدة المستمرة، ولتذكر أنهم في معظم الحالات يضيفون شيئا إيجابيا لحياتك وعلى الأقل قليل من اللون، بالإضافة إلى ذلك فإن الاقتراحات التالية من الممكن أن تساعد على إعادة تعريف عوامل العلاقة مع آخر يطلب ويتوقع أو يحتاج أكثر مما تستطيع أن تعطي أنت.
عرض لأوصاف متطلبي المساعدة باستمرار
عندما تقرأ تلك الأوصاف، ضع في اعتبارك أن متطلبي المساعدة المستمرة مصطلح يتعلق بالفاعل، فهو مجموعة من السلوكيات التي قد تُسيء وتثقل صاحبها ولا تقلقك بالمرة، وفي الأساس فإن الأمر يعود لك لتقرر من هم متطلبي المساعدة المستمرة في حياتك، وإن كانت لديك مصادرك للقيام بالمساعدة المستمرة لهم.
إن الإجابات الشفهية التالية تغطي العديد من الأفكار، كما أنها مرتبة من العبارات المعتدلة إلى أكثر المواجهات مباشرة، ونحن نوصي بالعبارات المعتدلة أولا ثم التدرج في القائمة كلما احتاج الأمر.
فيما بعد سنرى استراتيجيات عملية أخرى لتغيير ظروف علاقتك مع متطلبي المساعدة المستمرة.
يتبع >>>>>>>>>>> النرجسي