القوة تصنع قائدا ساذجا يزري بحاله وأحوال شعبه, في مجتمعات تميل فيها الأنظمة للفردية والتحزبية والفئوية, والأمثلة في واقعنا العربي متنوعة ومتكررة, ولا تكاد دولة واحدة تخلو من ويلات السذاجة وآلياتها الضارة بالحياة. وعندما نقيّم ونراجع الحالات السابقة تبدو سذاجة الكراسي الفاضحة, وإمعانها بالاستغباء السياسي بفعل القوة المزيفة, التي توهمهم بالأعاجيب وترديهم في سراديب المذلة والهوان والمصير الغريب, فهناك بعض القادة الذين توهموا بأنهم الأوحدون والأقدرون, وإذا بهم ينتهون نهايات مخزية محزنة ومؤذية للأجيال التي خدعوها بقوتهم وحكمتهم وقدرتهم على القيادة, وما كانوا إلا مُنقادين ومنفذين.
وهذه السذاجة الكرسوية آفة خطيرة تنخر الوجود العربي, وجوهرها أن أي شخص يجلس على الكرسي يُصاب بأمراضه المستعصية وفي مقدمتها يحسب بأنه العالم العليم والقائد العظيم, فيخرج من كونه بشر إلى حالة أخرى خيالية أو وهمية مشبعة بالفنتازيا وأحلام اليقظة, فيفقد البصيرة والبصر, ولا يرى ما حوله بل ينغمس بما فيه من الخداعات الرغبوية المتأججة, ويدخل في دوامة عنيفة الدوران تزيد من أسباب الإعماء والسذاجة ومصادرة العقل والحكمة, لأنها كالإعصار العاطفي الانفعالي المتعاظم في دنياه, فيصبح كتلة لهيب متصاعد إلى منتهاه الأليم.
والمشكلة مع الكرسي أنه يغذي الشعور بالقوة والقدرة والتحرر من المساءلة, خصوصا عندما يكون هو الكرسي الأعلى في سلم الكراسي الحاكمة. والشعور بالقوة المنفلتة من أخطر الآفات السلوكية التي تصيب البشر, لأنها تفقده بصيرته وتخاصم عقله وتقتل الحكمة فيه.
والقادة الواعون هم الذين تمكنوا من إدراك مخاطر القوة وجاهدوا من أجل التخاصم معها, لتحقيق الحكمة السلوكية الضرورية لصناعة المصير الأفضل والذكر الأجمل. وهؤلاء القادة قليلون في مسيرة البشرية وهم قدوات نادرة, أما في الواقع العربي فإن المجاهدة ضد القوة والتحكم بالسلوك بمعزل عنها, لا يكاد حاصلا عند أي قائد منذ تأسيس دول العرب الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى, ولهذا كان لسلوكياتهم الساذجة تداعيات مريرة على الأجيال المتعاقبة, وما هو قائم مولود من رحم السذاجة المدقعة التي تعاملوا بها مع الأحداث والتطورات أبان حكمهم السقيم الأليم.
قادة حفل بهم القرن العشرون ويدوسهم بأقدامه القرن الحادي والعشرون, وتعاد الكرّة, ولا تعلّم وموعظة ودراية وقدرة على التبصر والاعتبار, فالكرسي ذو سطوة وقدرة على افتراس الجالسين عليه, فأفواه الكراسي من أشره الأفواه وإنها لمتآمرة مع التراب!!
فهل من حكمة وحلم وتبصر عربي منير؟!!
واقرأ أيضاً:
الحكومات الصومعية والشعارات العقائدية!! / حكومات الشعوب عنوانها الرَجوب!! / الوطنية المغيّبة والفُرقة المُطيّبة!!