الفصل السادس عشر
هناك من الناس من يظلون في هدوء خلال الأزمات، وهناك من يعيشون في الأزمات عندما يصبح كل شيء هادئ.
إذا قضيت المزيد من الوقت مع مصاب بالقلق المزمن، ستعرف بالتحديد ما نتحدث عنه، وستعلم أنهم ليسوا من أكثر الناس الهادئين لتكون بالقرب منهم، وقد تشعر بالإرهاق وأنت تحاول أن تريح مصابا بالقلق غير قادر في الأساس على عدم القلق.
أحد أنواع المصابين بالقلق المزمن يحتاج إلى كثير من المساندة وطمأنينة دائمة، إلا أن هذه المصابة بالقلق المزمن ليست في الحقيقة كما تشعر في نفسها بعدم القيمة وعدم الكفاءة وغير محبوبة.
لديك صديق يعتذر دائما دون سبب، أو زميلة في العمل دائمة العصبية، وهي تحتاج دائما إلى مساعدة في كل قرار تتخذه أو حتى حين يتقدم لخطبتها شخص ما!!، وهي تشعر بالقلق دائما عندما تغادر المنزل.
نوع آخر من المصابين بالقلق المزمن هو المؤمن بأن الأمور دائما لن تسير بشكل جيد، مثل المضيفة التي تخاف ألا يكون هناك ما يكفي من الطعام في حفل عشائها، أو أنه لا أحد يريد أن يأكل من طعامها لأنه غير طيب المذاق، أو زوج مفرط في الحماية فلا يشجع زوجته على تعلم القيادة لأن "الأمر شديد الخطورة" مثلاً.
المصابون بالقلق المزمن دائما ما يستعدون للكارثة، ويسألون العديد من الأسئلة "ماذا لو؟!":
* ماذا لو أمطرت؟!.
* ماذا لو قلت شيئا خاطئا؟!.
* ماذا لو لدغك عقرب في ذلك المكان الخرب؟!.
* ماذا لو سقط جدي على السلم عندما لا يكون أحد في المنزل؟!.
* ماذا لو غرق ابني في حمام السباحة؟!.
* ماذا لو صار عليه حادث سيارة؟!.
أما دورك عندما تكون معهم هو أن تكون مسليا، وأن تكون صوت العقل والمنطق، وهذا شيء جيد وحسن عندما تكون عاقلا ومنطقيا، والمشكلة هي أن الاتصال الطويل مع المصاب بالقلق قد يقودك بكل تأكيد إلى الجنون!!، (على فكرة تلك هي الطريقة التي تتعرف بها على المصابين بالقلق المزمن: أن يقودوك للجنون).
ومثل الأنواع الأخرى من متطلبي المساعدة المستمرة، فإن المفتاح وراء التأقلم مع المصاب بالقلق هو أن تتفهم أنك لا يمكن أبداً أن تحل المشكلة، يمكنك أن تقدم المواساة والحلول حتى يتحول وجهك للون الأحمر (من الغضب ونفاذ الصبر)، ولكن تذكر أنه ليس هناك ما يدعو المصاب بالقلق ليشعر بذلك الإحساس، إن ما يجعله يتكيف مع هذا الوضع هو حاجته الماسة إلى تركيز انتباهه وقلقه على شيء ما، أي شيء، وما يعذب في الأمر هو القلق بشدة على كل شيء واللهفة إلى معرفة ما يفكر الناس فيه من حوله.
نعم، نحن نقلق كثيرا أيضا، ولكن ليس في كل وقت، وليس حول كل شيء، ولكن لنقل فقط أن لدينا أوقات معينة نقلق عندها؛ لذا لابد أن نجد طريقة للسيطرة على قلقنا حتى لا يتحكم في حياتنا، ويستنزف شجاعتنا ويبعدنا عن الخوض في المخاطر المعقولة، إن القلق غير المُسيطر عليه قد يقف في طريق الوصول إلى أهدافنا وأحلامنا، ولذلك فمن المفيد أن يكون هناك قدوة قوية وملهمة في حياتك، والتي تساعدك على إيجاد القوة اللازمة للقضاء على الشكوك والقلق.
إن الإنسان المفرط في الخوف والقلق قد يكون قدوة سلبية خاصة إن بدأ القلق في الاستحواذ على طريقة تفكير الشخص، وما لم يحتفظ بمسافة عاطفية صحية، فمخاوفه التي ظهرت في البداية سخيفة ولا أساس لها ستبدأ في أن تكون منطقية، وهنا سؤال يطرح نفسه: هل القلق المرضي مُعدياً؟!، والإجابة هي: قد يكون القلق معدياً، وعندئذ فمن المحتمل أن تقع في شراك قلق شخص آخر، والذي تبدأ في انتهاجه كصفة خاصة بك وتسمح له بأن يحد من نظرتك للحياة، إن هذا الأمر صحيح تماما، خاصة إن نشأت مع آباء مفرطين في الحماية والخوف، ولهما علاقة قريبة مع شخص كثير القلق!.
جزء من عملية قولك "لا" للمصابين بالقلق يجب أن يتضمن تصميما داخليا على ألا تكون واحداً منهم؛ وذلك بقدر قوتك وبما لديك مما يكفي لتتشارك مع شخص آخر في مقاومة ذلك القلق، أعرف أحد الأصدقاء، والذي أخبرني أنه يحب التحدث مع الناس المصابين بالعصبية وعدم الأمان، لأن ذلك يشعره بالامتياز بطريقة ما، وهو يجدها فرصة لينسى قلقه ويركز على شخص آخر، ولأن هؤلاء العصبيين لا يهددونه شخصيا، فيمكنه أن يقدم الراحة والموضوعية ويقدر الشعور الذي يشعر به من قيامه بهذا الدور.
ركز على إظهار المساندة، وعليك أن تشغل انتباه القلقين بأن تجعلهم يضحكون على أنفسهم، لا تحاول القيام بمواجهة مشكلة صغيرة يقذفونها بين يديك، لأنك لن تستطيع!!، ولا تجعلهم يقلقونك أبد.
"لا" لقبول قلق الآخرين
أن يكون هناك من يقلق عليك ليس أسوأ شيء في العالم، فمن الظريف أن تعرف أن هناك من يهتم بك إن كنت حيا أو ميتاً أو كنت تسير في المطر دون مظلتك، ولكن إن هددك قلق الآخرين بالتدخل في طريقة حياتك، والتي تود أن تعيشها بطريقة معينة فعليك فوراً أن تضع حدوداً معينة، عبر عن تقديرك لاهتمامهم، ولكن دعهم يعرفون أن لك حياتك الخاصة.
أعلم أنك تكره أن تسافر جوا وتكره خطوط الطيران ونظام التحكم في الملاحة الدولية، ولكن تلك مخاوفك وليست مخاوفي، ولن أجعل هذا يمنعني من الذهاب إلى المكان الذي أود الذهاب إليه.
بعض الأمثلة:
* إنك على حق تماما، قد يكون هناك ازدحام شديد وسيكون من الصعب إيجاد مكان للسيارة، ونعم قد يحتمل سقوط الجليد الليلة، ولكن هذا لا يزعجني، لقد مررت بمشاكل أسوأ من ذلك في حياتي.
* أقدر قلقك علي، فهذا يُظهِر أنك تهتم بي، وأنا أهتم بك أيضا، ولكنني سآخذ دروسا في الجمباز سواء أردت أم لم ترد.
عليك أن تضايق قلقهم:
* يا إلهي، إنك قلق من الدرجة الأولى -أستاذ في القلق- إنني حتى لن أقلق من أجل ذلك.
* في المرة التالية التي تكون لدي مشكلة، هل يمكنني أن أعطيها لك لتقلق بشأنها؟!، فأنت أفضل مني في القلق.
* دعنا نعقد اتفاقا، من الآن وحتى الزفاف دعيني أقوم بدور القلق، وعندما تفكرين في كل تلك التفاصيل فكري أن تكتبيها وبعد كل عدة أيام أعطيني القائمة، عليك أن تعاهِديني بأن لا تقلقي كثيرا وسأساعدك بأن لا أصرخ في وجهك.
أسئلة "ماذا لو"
إن الإجابة المنطقية لأسئلة "ماذا لو" أو "افترض أنّ" و التي تبدو تافهة بدرجة كبيرة هو أن تجيب بالحقيقة، وقيامك بهذا الأمر كأنك تجيب "وماذا في ذلك؟ سنتأقلم مع ما يحدث"، على سبيل المثال:
* "ماذا لو أمطرت السماء ؟"
- ستجيب: سنبتل.
* "ماذا لو تعطلت السيارة ؟"
- ستجيب: سنبحث عن ميكانيكي قريب!!، أو سنوقف أي سيارة أو تاكسي بالطريق لتوصيلنا.
* "ماذا لو خاف الأطفال من الجلوس في الخيمة بالمخيم؟!"
- ستجيب: سنحضرهم للمنزل.
* "ماذا لو شعرنا بالجوع في الطريق ؟"
- ستجيب: سنتوقف ونأكل في أي مكان.
يتبع >>>>>>>>>>>انتصار الحزن: الاكتئاب