رفض الكآبة
من أسباب الاكتئاب مشاركة
أرسلت مناضلة في زمن الجبروت الامريكي تقول:
الأستاذ الدكتور مصطفى السعدني الأخت الكريمة (هالة)، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
قرأت مشاركة الأخت (هالة) والتي تشير فيها إلى أن سبب الاكتئاب هو عدم التصالح مع النفس وافتقاد القدوة الحسنة، ويبدو أنني سأكون فريق لمحاولة تحسين صورة المكتئبيين والمرضى النفسيين عموما، في البداية أتفق معك دكتور مصطفى في عدم اختزال أسباب الاكتئاب، كذلك أختي العزيزة فالمكتئب قد يكون قد تعرض لظروف ضاغطة مستمرة على مدى سنوات طوال ولعدة إحباطات نعم ربما يكون لديه الاستعداد للإصابة بالاكتئاب ولكن دون إرادة منه؛ فهو لم يختر لنفسه ذلك وأنت لا تعرفين ما تعرض له وكيف قاومه ربما قاوم سنوات.
قد يكون التعرض للظلم والقهر المستمر أحد أسباب الإصابة بالاكتئاب، أقصد الظلم بالطبع من وجهة نظر المكتئب فأنا الآن أرى أنه ليس ظلما وإنما هو ابتلاء من الله؛ فما نمر به في حياتنا من آلام نراها كبيرة حقا حتى نرى من هم أكثر منا ابتلاءا، فنتذكر فضل الله علينا وأنه لم يمتحننا بما هو فوق طاقتنا ولكن التمسي العذر للمكتئب فمهما وصفت ما يشعر به من ألم في وقت اشتداد الاكتئاب فأنا أعجز عن ذلك فهو كالنار في القلب تشتعل لا أمل في الحياة هي عبء نهايته الموت لطعم لأي شيء ولا بهجة في أفضل الأحوال لا مبالاة مجرد إحضار كوب ماء ترينه عملا يحتاج إلى جهد كبير،
أستغفر الله حيث أقول أنني كنت أشعر أن السماء سدت عن دعائي لم أعد أستطيع أن أرفع يدي بالدعاء فضلا عن أنني علي أن أقوم بأعبائي فالجميع يرى أنني بخير ليس لدي أي مرض عضوي، إنه قلة إيمان وابتعاد عن الله إذن وكسل فأنا من وجهة نظر أقرب الناس لي قليلة الإيمان مهملة على أحسن تقدير تخيلي أنني أحارب في جبهتين كل هذا الألم يعتصرني، والنقد المستمر من المقربين أو النصائح مثل لا لازم تبقى أقوى من كده ده شيطان لازم تتغلبي عليه أنا مثلا لدي قلق مستمر يراه الجميع قلة إيمان فلو أنني أتوكل على الله حقا ما أحسست بهذا الخوف المستمر وكأنني سعيدة بهذه الأعراض.
فالحل أنني يجب أن أمثل أنني بخير وأحاول العلاج دون كلام فما فائدة الكلام سوى مزيد من الضغوط تحمل على كاهلي المنهك أصلا، وكأن المريض النفسي يحتاج أعباء إضافية فوق أعبائه، كذلك نظرة المجتمع إلى المرضى النفسيين على أنهم مختلين أو غير مدركين لتصرفاتهم وهذا غير حقيقي في أكثر من 80% من المرضى النفسيين.
أتذكر قصة مضحكة حدثت لي وأنا في عيادة طبيبي النفسي فقد كان طبيبي يقوم بعمل تجديدات في العيادة فاضطر إلى أن يستخدم مكتب المحامي المجاور للعيادة حتى ينتهي العمل، المهم كنا نجلس المرضى وزبائن المكتب في صالة المكتب وكانت هناك زبونة موجودة أخذت تسأل السكرتير دي عيادة
- أيوه
- عيادة إيه دي؟!
- دي عيادة دكتور أمراض نفسية وما أن أخبرها بذلك الا وأخذت تنظر لي (فلم يكن قد تبقى غيري في العيادة) وأنا من عادتي حين يكون الانتظار وقتا طويلا إما أنظر إلى الأرض أو إلى الفراغ فماذا يفعل أي إنسان غير ذلك؟ ولا يوجد كتاب أقرؤه حتى أضيع الوقت وكلما رفعت رأسي وجدتها تنظر لي ثم تمصمص شفتيها وتقول لا حول ولا قوة الا بالله وكأنها رأت علامات الجنون فشعرت بالأسى تجاهي أو ربما قالت والله صغيرة على الجنون.
- لا أدري ساعتها تمنيت أن أخرج لها لساني أو أفعل أى حركة جنون (أهش الذباب مثلا الذي لا وجود له – أحول عينيه) "ما هو جنان بجنان" بقى وبعدين قلت يا بت اعلقي أنت بتمثلي المجانين دلوقت مفيش داعي تثبتي الصورة دى عنهم.
- أشكرك دكتور مصطفى السعدني على مقالات تأكيد الذات خاصة المقال الخاص بطالبي المساعدة المستمرة فقد جعلني أعرف أن طلب مساعدة الآخرين باستمرار يضايقهم ويضيف أعباء على كاهلهم وأنه من الظلم أن نفعل ذلك أنا الآن أبحث عن القوة من خلال نفسي يجب أن تنبع قوتنا الحقيقية من داخل أنفسنا وألا نعتمد على الآخرين في تحقيق ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله
الأخت الفاضلة المناضلة، تحية طيبة وبعد؛
سعدت بمشاركتك والتي ذكرتني بكلمة لأحد أساتذتي ألا وهي: "لو أُصيب أفضل مشايخنا بالاكتئاب فلن يصلي ولن يصوم!!"؛ إلى هذا الحد يكون الاكتئاب عنيفاً ومدمرا على حياة البشر؛ وبالذات لو أهمل المريض وأهله في العلاج؛ لذا كان علاج الاكتئاب ضرورة لازمة ليس لحياة المكتئب فقط ولكن لحياة المحيطين به أيضا، وأعود وأكرر ما قلته أن الوزر أو الذنب الذي يقع على المكتئب هو إهماله في علاج ما يعاني منه من اكتئاب، وليس ذنبه على الإطلاق أن يُصاب بالاكتئاب؛ فغالبا ما يكون سبب الاكتئاب الجسيم هو أسباب تكمن في الاستعداد الوراثي للإصابة بهذا النوع الخطير من الاكتئاب، ونضيف إلى ذلك الظروف التعسة المحيطة التي نشأ فيها المريض المكتئب، بالإضافة إلى أزمات وكوارث قد يمر بها هذا المكتئب دونا عن باقي الناس، فعندما يتفاعل العامل أو الاستعداد الوراثي للاكتئاب مع ظروف تنشئة قاسية وصعبة، ثم يضاف إلى ذلك القشة التي قد تقصم ظهر البعير، والتي قد تكون أمرا تافها بالنسبة للكثير من الناس، ولكن تلك القشة قد تكون عاملا قويا ومؤثرا في حدوث الاكتئاب لمريض ما!!؛ والتي قد يحتملها معظم البشر كعامل ضغط نفسي في حياة هؤلاء الناس؛
ومن هنا يأتي كلام هؤلاء الناس المحيطين بالمكتئب من أن الاكتئاب سببه نقص الإيمان بالله عز وجل، هذا القول الباطل الذي يصدق عليه القول الشهير: "خدعوك فقالوا"، فمن خلال تعاملاتي مع المكتئبين أو المصابين بالاضطرابات الوجدانية على العموم أستطيع أن أزعم أنهم أفضل وأرق الأشخاص على الأقل في نطاق أسرهم؛ وهذه إحدى النظريات في تفسير حدوث الاضطرابات الوجدانية لشخص معين في أسرة ما؛ حيث اكتشف علماء النفس في كثير من الحالات أن هذا الشخص هو أرق وأفضل الأشخاص في هذه الأسرة ونتيجة لرقته وحساسيته يكون أو تكون أكثر تأثرا من الآخرين في المجتمع المحيط به -أو بها- مثل الأسرة أو الأقارب؛ فأهل الاكتئاب كثيرا ما يكونون من أهل الفن والحساسية والرقة والإبداع، وهذا ما جعل اختنا المهندسة تعاني من قهر الجبروت الأمريكي، وتتفاعل مع مصائب ومشاكل أهل المنطقة البائسة، بينما هناك من المسئولين –وليس من عوام الشعب– ممن يستمتعون بحياتهم، ويتقلبون في نعيم العيش، ولا يعنيهم معاناة المرضى ولا الفقراء ولا التعساء ولا المحرومين، وكأن ما يحدث في منطقتنا لا يعنيهم من قريب ولا بعيد!!.
والإنسان منا في هذه الحياة خُلِق للكبد والمعاناة، "لقد خلقنا الإنسان في كبد" سورة البلد، فخط البداية للشخص الطبيعي هو المعاناة والكبد والكفاح والشقاء في الحياة، وهذا لمن يحسون ويشعرون فقط بمشاكل ومعاناة الآخرين، ولمن غرس الله عز وجل الرقة والحنان والعطف والرحمة في قلوبهم، أما أهل التبلد و"التناحة" فهم من الصعب أن يعانوا من عسر المزاج أو الاكتئاب البسيط أو صعوبات التكيف التي يعاني منهم الكثير من البشر وهذه أنواع ودرجات من الاكتئاب تنتهي بالاكتئاب الجسيم المصحوب برغبة في الانتحار أو قتل الغير أحيانا للتخلص من مشاكل ومعاناة المكتئب في هذه الحياة، هذه الحياة التي قد تصبح مرادفا للجحيم في عيون وعقل وقلب مريض الاكتئاب الجسيم!!.
خلاصة كلامي أختي العزيزة أن هناك كثيرا من مرضى الاكتئاب هم من أفاضل البشر ومن أهل الإبداع والفن والإحساس المرهف في وقت قل فيه من يمتلكون تلك السمات والطباع الفاضلة، ولو تتذكري ما قلته لك حين قابلتك أنا ود وائل في مؤتمر عن الطب النفسي بالإسكندرية أن خير علاج لمريض الاكتئاب المرهف الحس –بعد العلاج الدوائي والنفسي بالطبع- هو أن يحاول مساعدة غيره من المحتاجين دون أن يتورط في القيام بما لا يطيقه، أو بما قد يضره، ولنتذكر قول رسولنا الكريم: "لا ضرر ولا ضرار"، لعلي أختي العزيزة أظهرت الجانب الإيجابي في الاكتئاب، ولا يلوم شخص عاقل مريضا بالاكتئاب أو القلق على إصابته بهذا المرض، أو شكواه منه، ولكن نلومهم فقط عندما يهملون ويقصرون في طلب العلاج لأنفسهم واكتفائهم بالضجر والشكوى وإثارة القلاقل على من حولهم؛ لأنهم عند هذا الحد يضرون بأنفسهم ويضرون كذلك بالمقربين منهم، وقد يضرون بمن حولهم.
واقرأ أيضا
شجاعة الرعية وحلم الخلفاء / قصة أبى غياث المكي وزوجته لبابة / ليست دعوة للعنصرية / جيل منحط... جيل فاشل... جيل بلا أخلاق